يتفاقم الوضع في محافظة البيضاء عامًا بعد أخر، حيثُ تشهد حالة من التصعيد المستمر والتوتر المتزايد بين قبائل المحافظة والمليشيا الحوثية المصنفة في قوائم الإرهاب الأمريكيّة، التي تواصل انتهاكاتها التعسفية على السكان، منذ بداية العام الفائت 2024م.
 
وعلى الرغم من سيطرة جماعة الحوثي على البيضاء، في أكتوبر 2014، إلا أنها تحولت إلى كابوس مرعب للجماعة الانقلابية، حيثُ صعدت القبائل حدة مقاومتها لتصدي الانتهاكات.
 
ومؤخرًا كثفت الجماعة المدعومة من إيران، حملتها العسكرية نحو البيضاء، ومنذ 5 يناير الجاري، وهي تفرض، حصارًا خانقًا على قرية حُنكة في مديرية القريشية في قيفة رداع، بحجة البحث عن من أسمتهم، العناصر التكفيرية، ما تسبب في حدة تصعيد المقاومة، من قبل قبيلة آل مسعود.
 
تصعيد جديد
 
في التاسع من يناير،  شهدت البيضاء مواجهة عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والطيران المسيّر، و خلف الهجوم دماراً في المنشآت العامة والخاصة، ومقتل وإصابة 13 شخصًا بينهم نساء وأطفال، كإحصائية أولية، في منطقة الخشعة التابعة لقبيلة آل مسعود، وفق مصادر قبلية لـ تعز تايم.
 
 وقالت المصادر القبلية، إن جماعة الحوثي الإرهابية، نفذت يوم الأحد 12 يناير، عمليات إعدام جماعية لعدد من المدنيين بعضهم جرحى أمام منازلهم في قرية "حنكة آل مسعود" شمال غرب المحافظة.
 
ولفتت إلى أن القبيلة كانت قد تمكنت من اغتنام "عيار 23 مضاد للطيران" إلى جانب المركبة العسكرية الذي كان مثبت عليها، و أحرقت ثلاثة أطقم في نقطة "الرقتين" الواقعة بين قريتي "حمة صرار" و"الوثبة" بمنطقة قيفة، ضمن عملياتها المستمرة للدفاع عن أراضيها والتصدي لانتهاكات الجماعة.
 
دفاعًا عن الكرامة
 
من جانبه قال الناطق الرسمي باسم اتحاد قبائل اليمن، الشيخ عبد القوي العمري، لـ"تعز تايم" إن: "الجرائم التي ترتكبها جماعة الحوثي في البيضاء تتنوع بين التفجير والتهجير والاعتداء على الكرامة، إضافة إلى نهب الممتلكات وسلب الأموال، و تلويث مصادر المياه برمي جثث الكلاب الميتة، والاعتداءات المتكررة من قبل الحوثيين، بما في ذلك استهداف القرى وتفجير المساجد، هي الدافع الأساسي لمقاومة القبائل.
 
وأضاف : أن الجرائم في البيضاء ليست استثناءً عن بقية المحافظات اليمنية، إلا أن ما يميز قبائلها هو رفضهم القاطع لأي ممارسات تمس حريتهم، كونهم عشاق للسلام والحياة، لا يخوضون الحروب بدافع الصراع أو الرغبة في القتال، بل دفاعًا عن كرامتهم التي يحاول الحوثيون المساس بها، ولم يواجه الحوثي من أبناء البيضاء سوى الدفاع المستميت عن الكرامة والعادات القبلية،
 
وتوقع الشيخ العمري استمرار الوضع الحالي كلما واصل الحوثي جرائمه وانتهاكاته بحق القبائل.  رغم امتلاك الحوثي أسلحة دولة متطورة، مقابل إمكانيات القبائل البسيطة، ومع ذلك، فإن إصرار أبناء البيضاء على مقاومة مشروع الموت والدمار الذي يحمله الحوثي يمثل الأمل في مواجهة هذا العدوان.
 
ثقافة عدائية
 
وواصل المتحدث باسم القبائل اليمنية، أن هناك، ثقافة عدائية تاريخية بين البيضاء والنظام الإمامي الذي اعتاد على البطش باليمنيين، على مر العصور، ورفض المجتمع اليوم لمشروع الحوثي يعود إلى الخراب الذي جلبه على اليمنيين، من تدمير التعليم والصحة وغياب المرتبات، وتحويل حياة الناس إلى معاناة مستمرة.
 
وأعرب الشيخ العمري عن أسفه الشديد تجاه الخذلان الذي يواجه أبناء البيضاء، سواء من الجهات الرسمية أو القبائل في المحافظات الأخرى. وأوضح أن الحوثي يستغل الظروف ويدّعي السيطرة على البيضاء رغم أن المحافظة خالية من أي عناصر خارجة عن القانون، حيث تضم فقط قبائلها وأبناءها.
 
ودعا العمري كافة الأطراف، الرسمية والشعبية والقبلية، إلى الوقوف بجانب أبناء البيضاء ومساندتهم بمختلف الوسائل. وختم بالدعوة إلى الوحدة والتضامن بين اليمنيين، مؤكدًا أن عنجهية الحوثي ستنكسر كما انكسرت سابقًا على يد أبناء البيضاء.
 
جرائم حرب
 
ومع استمرار تصعيد الانتهاكات، ذكر الصحفي والناشط الحقوقي، ناصر علي الصانع، الجرائم الحوثية خلال عام 2024م : "استهداف قرية "حمة صرار" في 7 أغسطس العام المنصرم، من قبل حملة حوثية معززة بآليات عسكرية ثقيلة ومتوسطة، قتلت خلاله اثنين من ابناء القرية في أحدى النقاط العسكرية ثم تحولت إلى مواجهات مسلحة بين جماعة الحوثي والقبيلة".
 
وأضاف لـ"تعز تايم" أنها استهدفت المدنيين من منارة المسجد فقام القبائل باستهدافهم واحراق تلك المنارة،  سقط خلالها 7 قتلى وجرحى من الطرفين، بعد أن عجزت المليشيا من المواجهة، أقدمت وساطة قبيلة واحتوت الموقف وخرجت بحلول وارتفعت الحملة".
 
وأشار غلى تفجير منازل المدنيين في حي الحفرة بمدينة رداع في 19 مارس 2024، "تلك الجريمة التي هزت الضمير الإنساني وهزة العالم في المشاهد المروعة".
 
وأوضح، أن الجماعة استهدفت منزلين بشكل مباشر وراح ضحيتها 9 قتلى من أسرة واحدة، كان معظمهم نساء وأطفال، وما لا يقل عن 12 جريح، وتضرر 7 منازل بشكل كلي وقرابة 14 منزل بأضرار متفاوتة، تلك الجريمة كانت من أبرز الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها جماعة الحوثي.
 
وقال، إن هذه الجريمة في ذروة ما كانت جماعة الحوثي تقدم نفسها بأنها تدافع عن القضية الفلسطينية وتقف مع مظلومية غزة وإذا بصور ومشاهد تخرج لوسائل الإعلام نفس الصور والمشاهد التي كان يشاهدها الناس في جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
 
وعقب الحادثة في 20 مارس، تحولت مقاومة قبائل رداع في محافظة البيضاء، إلى انتفاضة شعبية، تنديدا بالجريمة المروعة التي ارتكبتها في حي الحفرة، حيثُ عبر الأهالي عن غضبهم الشديد على الجماعة بقطع الشوارع وأغلقوا المحلات وأشعلوا النيران في الإطارات، وهتفوا "برع يا حوثي" و "لا إله  إلا الله والحوثي عدو الله ".

هذه الاحتجاجات دفعت خلالها جماعة الحوثي، بنحو ثلاثين طقمًا وعربة عسكرية على متنها مئات المسلحين، بهدف قمع أي احتجاجات شعبية، حسب المراقبون.
  
قتال الأئمة
 
تُعدّ محافظة البيضاء من أبرز المحافظات اليمنية التي واجهت جرائم الإمامة عبر التاريخ، ما يعكس رفض أبنائها لهذا الفكر الدخيل على ثقافتهم الدينية والاجتماعية، وخلال السنوات الماضية، استمرت مليشيا الحوثي في استهداف أبناء البيضاء، مبررة عدوانها بذريعة محاربة "الإرهاب" و"التكفيريين"، دون تغيير خطابها أو نهجها.
 
عبدالحكيم المليكي باحث ومختص في تاريخ الإمامة الزيدية، يقول لـ"تعز تايم" إن "أهل البيضاء ضلوا ولا زالوا مستمرين في قتال الأئمة، قاتلوا الأئمة السابقين وقاتلوا الجدد، وقامت في نصرة الجمهورية، والثورة ورفع الظلم، والانتصار للمظلومية على مدار التاريخ".
 
وأشار إلى أنه "ينبغي على أهل البيضاء الذين خرجوا في عهد الإمام يحيى، و عهد الإمام أحمد، وما قبلهما، أن ينتصروا اليوم للبيضاء التي بقت شامخة لا يمكن أن تستهين أو تستكين. متمنيًا من بقية القبائل أن تحذوا حذوهم وتنتصر لنفسها وللمجتمع اليمني وأن تنتصر للجمهورية، وينبغي على الجميع الوقوف مع قبائل البيضاء ويناصرهم ويساندهم لإسقاط هذا النظام الكهنوتي الموجود في صنعاء.
 
وقال في حديثه، إن القبائل اليمنية ستظل في مواجهة مشروع الاستبداد كونها تجمع كل قواها ضد الانتهاكات "القبيلة هي صاحبة القوة وصاحبة الشكيمة والتي يتجمع الناس حولها، وكانت في صراع مستمر سواء مع الإمامة في السابق أو مع الإمامة في اللاحق".

LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro