"أنتم مشكلتكم أن لا شعبكم متحمّس بما يكفي، وقيادتكم فاسدة تنتظر من الخارج أن يُنقذها من الحوثيين، بينما هي تستلم أموالًا من السعودية لتنفقها على نفسها."
كان وقع كلماته مؤلمًا، لا لأنها باطلة تمامًا، بل لأنها تعبّر عن واقعٍ يشقينا من الداخل، وكنا نظن أنه لا يُرى بوضوح من الخارج؛ كان من المفترض أن "الشرعية اليمنية" – على علاتها – على الأقل تملك خطابًا دبلوماسيًا قادرًا على كسب احترام الأشقاء، لكن يبدو أن هذا الوهم لم يعد قائمًا؛ إن الفساد الذي نعانيه في الداخل لم يعد سرًا، بل بات مادة مكشوفة يتداولها الجميع في المقاهي والصحف والمحادثات العابرة.
واقع الشرعية: بين الفساد والعجز
لا يحتاج المتابع للشأن اليمني إلى كثير من الجهد ليدرك عمق أزمة الشرعية اليمنية؛ فخلال السنوات التسع الماضية، لم تنجح الحكومة المعترف بها دوليًا في بناء نموذج ناجح في المناطق المحررة، لا على مستوى الخدمات ولا على مستوى الأمن أو توحيد القرار العسكري والإداري؛
تقارير أممية عدة، منها تقارير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، أظهرت وجود فساد ممنهج في إدارة المساعدات والتحويلات المالية، وغياب شبه تام للرقابة على المال العام؛
تشير تقديرات إلى أن أكثر من 3.5 مليار دولار من الدعم الخارجي الموجه للحكومة اليمنية (من السعودية، الإمارات، والمانحين الدوليين) لم يُصرف كما هو مخطط له؛ في المقابل، يعيش موظفو الدولة في المناطق المحررة بدون مرتبات منتظمة منذ سنوات، وسط عجز الحكومة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، ناهيك عن غياب رؤية اقتصادية أو سياسية تليق بتضحيات الشعب اليمني.
هل الشعب بلا حماسة؟
يتهم البعض الشعب اليمني بالاستسلام أو الخنوع، لكن هذا توصيف مجحف؛ فاليمنيون وقفوا منذ الوهلة الأولى ضد الانقلاب الحوثي؛ عشرات الآلاف من الشهداء، الملايين من المهجّرين، ومدن كتعز ومأرب وعدن دفعت أثمانًا باهظة دفاعًا عن جمهوريتهم وحقهم في الكرامة؛
لكن الإشكال الأساسي يكمن في غياب القيادة الصادقة التي تمتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا؛ لا يمكن أن تُطلب من الشعوب الثقة في قيادات يراها العالم كله تعيش في فنادق الرياض أو القاهرة، بينما الناس تموت جوعًا وقهرًا داخل وطنها؛ لا يمكن لشعب أن يواصل التضحية إن كان لا يرى أثرًا حقيقيًا لتضحياته، ولا يشعر أن دماءه تثمر شيئًا سوى المزيد من الثراء للنخب.
مأزق الصورة الخارجية
مما يزيد الألم، هو أن صورة "الشرعية" اليمنية باتت شديدة التشوه حتى لدى الأشقاء العرب؛ فبدلًا من أن تكون عنوانًا للجمهورية والحرية، تحوّلت في أذهان الكثيرين إلى كيان هش، بلا رؤية، يعيش على المساعدات، ويكتفي بإلقاء اللوم على الحوثيين دون أن يقدم بديلًا حقيقيًا؛ وبدلًا من أن تنال القضية اليمنية دعمًا عربيًا شعبيًا مشابهًا للقضية الفلسطينية أو السورية، باتت تُختزل في نزاع داخلي معقد، تُلام فيه الشرعية بقدر ما يُلام فيه الحوثي.
عقبى لصنعاء حقًا
رغم كل هذا، لا يزال الأمل قائمًا؛ فاليمنيون، وإن طال صبرهم، لا ينسون، ولا يموت فيهم الحلم؛ صنعاء التي اختُطفت من مشروعها المدني والتعددي ستعود؛ ليس على أيدي الطائرات، ولا عبر مكاتب الفنادق، بل بإرادة اليمنيين وحدهم، حين يدركون أن الخلاص لن يأتي من الخارج، بل من شجاعة الداخل، ووضوح البوصلة، وتضحيات لا تُستغل من قِبل المنتفعين؛
نحن لا نحتاج فقط إلى تحرير الجغرافيا، بل إلى تحرير الوعي، وتحرير تمثيلنا السياسي من قبضة الفساد والتبعية، لنقول للعالم: نعم، عقبى لصنعاء، ولكن عقبى أيضًا ليمنٍ عادل، ديمقراطي، وموحَّد، يستحق الحياة.