كأن اليمن لا يدخل تاريخه من باب السياسة، بل من شرفة الخيبة. كلما ظنّ أنه بلغ تسوية، انفتح تحته باب آخر للانقلاب، وكلما وُقِّع اتفاق، تهيّأ طرف ما لتمزيقه باسم قضية أكبر من الدولة، وأصغر من الوطن. وبين الانقلابين، تقف السعودية، لا كطرف عابر، بل كقدرٍ سياسي، حاول أن يضبط إيقاع الفوضى فلم ينجُ من ارتداداتها.
اجتمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، اليوم الثلاثاء، برئاسة هيئة التشاور والمصالحة، لمناقشة مستجدات الأوضاع الوطنية، وفي مقدمتها الاجراءات والتدابير الاحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج إطار المرجعيات المتوافق عليها وتداعياتها السياسية والاقتصادية والخدمية والامنية والعسكرية.
وضع الرئيس اليمني رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الثلاثاء، قيادات وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج أمام مستجدات المرحلة، وفي مقدمتها الإجراءات الأحادية الخطيرة التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، محذرًا من تداعياتها على وحدة القرار والسيادة الوطنية.
جاء ذلك خلال اجتماع موسع عقده الرئيس العليمي مع قيادات وزارة الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني.
وخلال الاجتماع أكد الرئيس العليمي، أن التحرك الدبلوماسي في هذه المرحلة يمثل خط الدفاع الأول عن الدولة ومركزها القانوني، في مواجهة أي محاولات لفرض واقع سياسي خارج إطار الشرعية والتوافق.
وأوضح رئيس مجلس القيادة الرئاسي أن الإجراءات التي اتخذها المجلس الانتقالي بلغت مستوى بالغ الخطورة، مع سعيه إلى دفع مؤسسات وأجهزة رسمية لإصدار بيانات سياسية تؤيد تقسيم البلاد، وتتبنى مواقف سيادية لا تدخل ضمن اختصاصها، في مسعى مكشوف لخلق سلطة موازية وتقويض وحدة القرار الوطني.
وشدّد العليمي على أن هذه التصرفات تمثل تمردًا صريحًا على الدولة، مؤكدًا أن الشراكة السياسية لا يمكن أن تتحول إلى أداة لفرض الأمر الواقع بالقوة، وأن المواقف السياسية العليا يحددها حصريًا مجلس القيادة الرئاسي والمؤسسات الدستورية المختصة، وفي مقدمتها وزارة الخارجية.
وحذر الرئيس من أن هذا المسار الانقسامي لا يهدد الداخل اليمني فحسب، بل يمس أيضًا التزامات الدولة تجاه أمن دول الجوار، وجهود المجتمع الدولي في حماية الممرات البحرية وإمدادات الطاقة والتجارة العالمية في البحر العربي والبحر الأحمر وخليج عدن، ما يستوجب موقفًا دوليًا واضحًا لردع هذه الممارسات.
وأكد العليمي أن مرجعيات المرحلة الانتقالية واضحة، وعلى رأسها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، وما تضمناه من آليات لاتخاذ القرار، وتمثيل الدولة، وحماية وحدة اليمن وسلامة أراضيه، مشددًا على رفض أي تجاوز لهذه المرجعيات تحت أي ذريعة.
وفيما جدد التأكيد على عدالة القضية الجنوبية والتزام مجلس القيادة بحلها سياسيًا وحقوقيًا ضمن إطار التوافق الوطني وعملية السلام الشاملة، حذر من أن المغامرات الأحادية تهدد المكاسب التي تحققت للقضية الجنوبية خلال السنوات الماضية، وتعيدها من مسار الحل الآمن إلى مربع الصدام والفوضى.
وأشار رئيس مجلس القيادة إلى أن أي انقسام داخل معسكر الشرعية يمنح مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني فرصة جديدة للتعبئة والتصعيد، ويضعف المناطق المحررة، ويربك الشركاء الإقليميين والدوليين، مؤكدًا أن وحدة القرار شرط أساسي لاستمرار الدعم الدولي والتعافي الاقتصادي.
وأكد العليمي ثقته في قدرة السلك الدبلوماسي اليمني على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز السيادة الوطنية، من خلال توحيد الخطاب الخارجي، ورفع السقف القانوني للدولة، وتثبيت خطوط حمراء واضحة ضد أي إجراء أحادي يمس وحدة القرار أو المركز القانوني لليمن.
ووجّه رئيس مجلس القيادة باتخاذ مسار قانوني واضح تجاه أي تجاوزات، وتحـصين مؤسسات الدولة إداريًا، ومنع تسييس الوزارات والمؤسسات السيادية والخدمية، مع إعادة توجيه الجهد الوطني نحو المعركة الرئيسية المتمثلة في إنهاء انقلاب المليشيات الحوثية واستعادة مؤسسات الدولة.
رحبت وزارة الخارجية السعودية بالاتفاق الذي وُقّع في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن.
قال الباحث السياسي السعودي سلمان الأنصاري إن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يسير وفق ما وصفه بـ«سياسة العناد»، محذرًا من أن ممارساته الأخيرة تمثل انتقالًا من وهم النصر إلى حقيقة الخسارة، في مسار يعكس قصر نظر سياسيًا وحالة من التهور ستفضي إلى نتائج كارثية على المدى القريب والمتوسط والبعيد.