إذ يعود الحديث عن مفاوضات خلف الأبواب المغلقة بين السعوديين والحوثيين للتوصل إلى تسوية جديدة ستكون صيغتها النهائية رهن المباحثات المستمرة بين الطرفين.
وكشفت وكالة "أسوشييتد برس"، أمس الثلاثاء، نقلاً عن مسؤولين يمنيين وسعوديين وأمميين، عن إعادة السعودية والحوثيين إحياء المحادثات بينهما، على أمل تعزيز وقف إطلاق النار غير الرسمي المستمرّ منذ أكثر من 9 أشهر، ووضع مسار للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن.
وسبق ذلك وصول المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أول من أمس الإثنين، إلى صنعاء للقاء قيادات الحوثيين بعد يوم من مغادرة الوفد العُماني الذي أنهى زيارته الثانية خلال أقل من شهر للعاصمة اليمنية. وكان لافتاً تقديم غروندبرغ، الذي غادر أمس صنعاء، إحاطته الدورية لمجلس الأمن للمرة الأولى من صنعاء وسط تفاؤل جماعة الحوثيين في تحقيق تقدم في ملفات التفاوض الإنسانية، والتي توصف بأنها اشتراطات حوثية من أجل تمديد الهدنة.
وتشهد البلاد حالة هدوء من دون تصعيد عسكري للقتال للشهر العاشر على التوالي منذ إبريل/ نيسان 2022 (تاريخ إعلان الهدنة للمرة الأولى)، وتحدث فقط مواجهات محدودة ما بين الحين والآخر في بعض خطوط التماس على جبهات القتال.
مباحثات سعودية حوثية
ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن مسؤول في الأمم المتحدة، تحدث إليها شرط عدم الكشف عن هويته، أن هذه المحادثات فرصة لإنهاء الحرب إذا تفاوض الجانبان بحسن نية وضمّت المحادثات أطرافاً يمنية أخرى. وبحسب المسؤول الأممي، فإن السعودية طوّرت خريطة طريق مرحلية للتسوية، أيدتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، كما أشار إلى أن التحالف الذي تقوده الرياض قدّم بموجبها عدداً من الوعود الرئيسية، بما في ذلك إعادة فتح المطار في صنعاء وتخفيف الحصار المفروض على مدينة الحديدة.
من جهته، لفت دبلوماسي سعودي، تحدث للوكالة، إلى أن بلاده طلبت من الصين وروسيا الضغط على إيران والحوثيين لتجنّب التصعيد، وأكد أن إيران، التي أطلعها الحوثيون والعمانيون بانتظام على المحادثات، أيّدت حتى الآن الهدنة غير المعلنة. ويطالب الحوثيون بأن يقوم التحالف بسداد رواتب جميع موظفي الدولة، بمن فيهم العسكريون، من عائدات النفط والغاز، بالإضافة إلى فتح كلّ المطارات والموانئ الخاضعة لسيطرتهم.
وقال مسؤول حوثي مشارك في المداولات، لـ"أسوشييتد برس"، إن السعوديين وعدوا بسداد جميع الرواتب. إلا أن الدبلوماسي السعودي أوضح أن دفع الرواتب مشروط بقبول الحوثيين بضمانات أمنية، بما في ذلك إقامة منطقة عازلة مع مناطق يسيطر عليها الحوثيون على طول الحدود اليمنية السعودية.
وأشار الدبلوماسي السعودي إلى أنه يجب على الحوثيين أيضاً رفع حصارهم عن تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، كما شدد على أن السعوديين يريدون أيضاً من الحوثيين الالتزام بالانضمام إلى محادثات رسمية مع الأطراف اليمنية الأخرى. وأكد الدبلوماسي السعودي أن الجانبين يعملان مع المسؤولين العمانيين لتطوير المقترح ليكون مرضياً لجميع الأطراف، بما في ذلك الأطراف اليمنية الأخرى.
لكن المسؤول الحوثي قال إن جماعته لم تقبل بأجزاء من المقترح السعودي، لا سيما الضمانات الأمنية، كما ترفض استئناف تصدير النفط من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة قبل دفع الرواتب. واقترح الحوثيون، وفق المسؤول نفسه، توزيع عائدات النفط وفق ميزانية ما قبل الحرب، ما يعني أن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تحصل على ما يصل إلى 80 بالمائة من الإيرادات لأنها الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
وتثير هذه التطورات قلق الحكومة اليمنية، إذ أكد مسؤول حكومي يمني، في حديث للوكالة، أن مجلس الرئاسة اليمني يتخوّف من أن تقدّم السعودية تنازلات غير مقبولة للتوصل لاتفاق، كما اعتبر أن الحراك الحاصل أخيراً ترك الحكومة المعترف بها دولياً بلا صوت، ولفت إلى أنه "لا خيار أمامنا سوى الانتظار ورؤية ما ستسفر عنه هذه المفاوضات".
في المقابل، أكدت الحكومة على تمسكها بخيار السلام المستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي في اليمن. وأشار مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة عبد الله السعدي في كلمة بمجلس الأمن، أول من أمس، إلى أن "السلام لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلى عن خيار الحرب ويؤمن بالحقوق المتساوية لكافة اليمنيين، ويتخلى عن العنف كوسيلة لفرض أجنداته السياسية".
ودعا الدبلوماسي اليمني إلى "إيجاد مقاربة جديدة تجاه عملية السلام في اليمن في ظل أسلوب المماطلة والتهديد والمراوغة الحوثية"، وأكد أن "النهج المتبع لم يجلب خلال الفترة الماضية لليمنيين سوى المزيد من إحكام الحوثيين قبضتهم على اليمنيين وإطالة أمد الصرع".
وتتجه الأنظار إلى مسقط، التي انتقل إليها وفد الجماعة التفاوضي الذي رافق وفد السلطنة بعد مغادرته صنعاء يوم الأحد الماضي، حيث يتوقع استكمال المناقشات حول المقترح السعودي، فيما يواصل المبعوث الأممي حراكه مركزاً في الأيام الأخيرة على التباحث مع الحوثيين أيضاً والذين على عكس مرات سابقة يبدون تفاؤلاً بشأن المحادثات معهم.
ويطغى دور سلطنة عُمان بشكل بارز في جهود الوساطة، على التحركات الأممية والأميركية، لارتباطها الوثيق ورعايتها للمفاوضات الثنائية السرية بين السعودية والحوثيين، حيث زار الوفد العماني صنعاء مرتين خلال ثلاثة أسابيع برفقة وفد التفاوض الحوثي المقيم في مسقط.
وجاءت تلك التحركات الدبلوماسية بعد سلسلة تهديدات أطلقتها جماعة الحوثيين بتصعيد القتال في اليمن إذا لم يتم تنفيذ شروطها لتمديد الهدنة.
محادثات متنقلة للمبعوث الأممي إلى اليمن
وقبل ساعات من تقديم إحاطته لمجلس الأمن من صنعاء أول من أمس، التقى المبعوث الأممي برئيس المجلس السياسي للحوثيين (مجلس حكم الجماعة) مهدي المشاط، ومسؤولين آخرين. وشدد القيادي الحوثي حسين العزي، على موقع تويتر، أول من أمس، على أنهم أجروا "لقاءً إيجابياً مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ونائبه".
من ناحيته، أشار غروندبرغ، خلال إحاطته للمجلس، أول من أمس، إلى أنه أجرى "مناقشات إيجابية وبناءة في صنعاء وأتطلع قدماً لمواصلة هذه المحادثات".
ولفت المبعوث الأممي في إحاطته إلى أنه "نشهد حالياً نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً على الصعيد الإقليمي والدولي لحل النزاع في اليمن"، وأكد أنه "نشهد خطوة محتملة لتغيير مسار هذا النزاع المستمر منذ 8 سنوات"، كما شدد على أن "المحادثات الحالية هي فرصة لا يجب إهدارها وتتطلب إجراءات مسؤولة". ويشير المبعوث الأممي بذلك إلى جهود الوساطة العمانية بين السعودية والحوثيين.
كما لفت إلى أن "الوضع لا يزال معقداً ومتقلّباً، لكن جهود الحوار المختلفة في الأشهر الماضية أتاحت تحديداً أوضح لمواقف الأطراف ووضع خيارات لحلول مقبولة للطرفين متعلقة بالقضايا العالقة"، وشدد على أهمية "تأطير المناقشات للمضي قدماً في سياق نهج أكثر شمولاً يرسم مساراً واضحاً نحو تسوية سياسية مستدامة".
وسبقت زيارة الوسيط الأممي لصنعاء لقاءات أجراها مع الحكومة اليمنية وأخرى مع مسؤولين عُمانيين، منهم وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، في جولة بدأها في 5 يناير/ كانون الثاني الحالي. فقد التقى المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، والذي بدأ جولة دبلوماسية في الأردن والسعودية في 3 يناير الحالي "لتعزيز الجهود الإقليمية بقيادة الأمم المتحدة من أجل دعم الأطراف في التوصل إلى اتفاق سلام موسع"، وفق بيان وزارة الخارجية الأميركية.
في غضون ذلك، كشف الحوثيون أن الوفد العماني الذي زار صنعاء لخمسة أيام متتالية حمل "أفكاراً إيجابية". ولفت رئيس المجلس الحوثي مهدي المشاط، خلال اجتماعه مع أعضاء المجلس الأعلى وقيادات حكومة صنعاء أول من أمس، إلى أن تلك الأفكار "تتعلق بالملف الإنساني وفي مقدمته صرف الرواتب لكافة موظفي الدولة من عائدات النفط والغاز، والفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة، وفتح الطرقات وتبادل الأسرى"، في إشارة إلى مضمون الاتفاق الجديد الذي يجري الإعداد له لتمديد الهدنة.
بدوره، أوضح رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام، عقب مغادرته صنعاء برفقة الوفد العماني الأحد الماضي، أنه "تم إجراء نقاشات جادة وإيجابية حول الترتيبات الإنسانية، التي تمهد للسلام الشامل والعادل".
غياب فرص الوصول إلى تسوية سياسية للحرب
من ناحيته، أشار مدير مركز صنعاء للبحوث ماجد المذحجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا يعول "على هذه التحركات للوصول إلى تسوية"، ولفت إلى أن كل الحديث الآن يهدف لإعادة استئناف مسار الهدنة وليس لتأسيس مسار اتفاق لتسوية سياسية للحرب، وهذا يفصح عن السقف المتدني الذي تُبذل له كل هذه الجهود.
كما أكد أن "كل هذه التحركات تكشف أن سقف الشروط الحوثية لا يزال مرتفعاً ولن يأتي التنازل إلا من الطرف الآخر (السعودية والحكومة اليمنية)"، وشدد على أنه "في واقع الأمر الحكومة لم يعد لديها ما تقدمه، وأعتقد أنه سيأتي التنازل من السعودية وسيكون مكلفا للغاية بالنسبة لهم".
ورأى المذحجي أن "الزيارات المتكررة للوفد العماني إلى صنعاء لا تفصح عن تقدم نحو التسوية"، كما أوضح أن هذه الزيارات "تعبر عن جهود لإنقاذ الهدنة غير المعلنة والمستمرة حتى الآن"، ولفت إلى أن "أي حديث عن قرب فرص الحل السياسي هو أقرب للتنجيم أكثر من كونه يستند إلى معطيات موجودة على أرض الواقع".
من جانبه، رأى رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحصل مجرد مناورة سياسية من قبل كل الأطراف"، وأكد أن "الحوثيين يريدون اتفاقاً يضمن رواتب لمقاتليهم واعترافاً بحكمهم، وانفتاحاً اقتصادياً دولياً على سلطتهم، لتخفيف السخط الشعبي المتنامي ضدهم"، كما أشار إلى أن "التحالف (تقوده السعودية) يريد تمديد الهدنة بثمن ممكن، لتخفيف الضغط الدولي والأميركي على الرياض"، وشدد على أن السعودية تريد "في الوقت نفسه إخضاع الحوثي مع تمديد الهدنة، التي شكلت سلاحاً خفياً ضد الحوثيين، بعدما فاقمت الغضب الشعبي".