قامت الجماعة المسلحة، التي تسيطر على جزء كبير من البلاد، وتضايق الشحن في البحر الأحمر، بتوسيع كبير للمنشآت العسكرية تحت الأرض، حسبما كشفت صور الأقمار الصناعية، التي استعرضها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.
وسبق انتعاش البناء عملية "بوسيدون آرتشر" العسكرية المستمرة، التي تقودها الولايات المتحدة لاستهداف الحوثيين في مواجهتها لهجماتهم على سفن الشحن، والسفن العسكرية.
في حين استخدم الحوثيون الكهوف والأنفاق البسيطة، خلال أيامهم الأولى كجماعة مسلحة، إلا أنهم في الآونة الأخيرة سعوا إلى استخدام منشآت أكبر بكثير، حيث قاموا بتحديث أنظمة أنفاق الجيش اليمني قبل الحرب، وبناء منشآت جديدة تماما تحت الأرض.
توضح جهود البناء أنه، حتى قبل المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها، كان الحوثيون يستعدون لصراع مستقبلي، ويقوون أنفسهم في حالة نشوب صراع في المستقبل.
- اللبنات الأساسية
ظهرت بعض الأدلة الأولى على أن الحوثيين كانوا يستخدمون منشآت تحت الأرض في عام 2004، في أوائل ما يطلق عليها بحروب صعدة بين الحكومة اليمنية وما كان، في ذلك الوقت، جماعة متمردة في شمال اليمن.
وفي شهر سبتمبر من ذلك العام، قتل الجيش اليمني أول زعيم للجماعة، حسين بدر الدين الحوثي. وبحسب مصادر حوثية، فإن قوات الجيش اليمني عثرت على الكهف، الذي كان يختبئ في، وسكبت البنزين فيه، وأشعلت النار فيه.
انتقلت قيادة الجماعة إلى عبد الملك الحوثي، شقيق حسين، الذي لا يزال يحكم الجماعة. ومهدت الطريق لأكثر من ست سنوات من التمرد ضد حكومة الرئيس آنذاك علي عبد الله الصالح، وسبع سنوات لاحقة من الحرب ضد التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، الذي تدخل في اليمن في عام 2015 لوقف ودحر تقدم الحوثيين، الذي ورد أن الحوثيين استخدموا خلاله الكهوف الطبيعية والأنفاق الصغيرة بشكل واسع في مناطق وعرة باليمن، وهي مناطق طبيعية جبلية.
غير أنه، مع ذلك، لم يكن الحوثيون هم أول من أقام المنشآت تحت الأرض في اليمن. شيدت حكومة صالح (1978-2012) منشآت كبيرة تحت الأرض، بعضها مرتبط بمنشآت عسكرية والبعض الآخر يقال نها كانت تهدف إلى السلامة الشخصية لأعضاء الحكومة رفيعي المستوى، بالإضافة إلى أصولها. جرى اكتشاف العديد من هذه المواقع بعد سقوط نظام صالح.
فبعد أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء، وأجزاء كبيرة من شمال اليمن في عامي 2014 و2015، بدأ التحالف، الذي تقوده السعودية، حملة جوية ضد الحوثيين والفصائل المتحالفة معهم في شهر مارس 2015.
وفي مرحلة مبكرة من تلك الحملة، أصبحت المنشآت العسكرية اليمنية السابقة، الخاضعة حاليا لسيطرة الحوثيين، أهدافا رئيسية لقوات التحالف المعادية لها، التي قصفت مداخل العديد من المنشآت تحت الأرض، المشيدة في عهد صالح، بدقة نسبية.
بدأت أول فترة بناء رئيسية للحوثيين أواخر عام 2010، حيث انخفضت وتيرة الغارات الجوية للتحالف بشكل بارز.
تجاوزت قوات الحوثيين تصميم الأنفاق الصغيرة لتبدأ بتحديث المنشآت تحت الأرض التي تعود إلى عهد صالح.
تظهر صور الأقمار الصناعية أنقاضا يجري إزالتها من مداخل الأنفاق، ومسارات جديدة لمركبات تؤدي إلى الأنفاق، فضلا عن وجود مركبات تستخدم للإنشاءات في قاعدة الحفا العسكرية، ودار الرئاسة السابق، ومجمع التلفزيون اليمني في صنعاء، ومنشأة التخزين العسكرية بالقرب من "الدبر".
يشير ظهور أكوام كبيرة من نفايات الحفر، المعروفة أيضا باسم المخلفات، إلى أن العمل في قاعدة الحفا ربما شمل توسعة كبيرة للمنشأة الأصلية.
وفي حالتين على الأقل، تسبب تجدد العمل في هذه المواقع بجولة أخرى من الضربات على الحفا، ومجمع التلفزيون اليمني، من قِبل التحالف بقيادة السعودية في 2020 و2021.
- انتعاش البناء
بعد أن وافق الحوثيون على هدنة مع التحالف، الذي تقوده السعودية في أبريل 2022، التي صمدت إلى حد كبير، شرعوا في أنشطة بناء أكثر توسعا تجاوزت تجديد وتوسيع المنشآت الواقعة تحت الأرض القائمة منذ عهد صالح.
تظهر صور الأقمار الصناعية ما لا يقل عن منشأتين جديدتين تحت الأرض قامت الجماعة ببنائها.
في أواخر عام 2022، بدأ الحوثيون العمل في منشأة جديدة في وادٍ بالقرب من معقلهم المحلي في صعدة.
واعتبارا من شهر فبراير 2024، تظهر صور الأقمار الصناعية ثلاثة مداخل لأنفاق واسعة تكفي لاستيعاب مركبات ثقيلة، وأكوام كبيرة من نفايات الحفر في الموقع.
أظهر موقعان آخران بالقرب من صعدة مميزات تتسق مع بناء منشآت عسكرية تحت الأرض، إلا أنه لا يمكن تحديدها بشكل قاطع على هذا الأساس.
كما جرى العمل في قاعدة صواريخ سكود سابقة للجيش اليمني في جبل عطان في صنعاء.
بدأ الحوثيون، في النصف الأول من عام 2023، ببناء نفق كبير، مما يشير إلى أن العمل في منشأة كبيرة تحت الأرض كان جاريا.
- أساس للحرب
تشير حقيقة أن الحوثيين بدأوا في بناء منشآت جديدة رئيسية، بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع التحالف، الذي تقوده السعودية، إلى أن الجماعة تركز على ترسيخ نفسها، وتعزيز قدراتها العسكرية.
وقد يكون صمود المواقع في وجه الضربات الجوية السعودية وشريكتها في التحالف قد عززت من اهتمام الحوثيين بها.
اختارت الجماعة بناء منشآت كبيرة مرئية على صور الأقمار الصناعية، بدلا من التقيد الخاص بالأسلوب السري لبناء الأنفاق الذي تفضله جماعات مثل حماس وحزب الله.
ويثير حجم المداخل، الكبيرة بما يكفي لاستيعاب المركبات الثقيلة، تساؤلات حول ما إذا كان يمكن استخدام هذه المرافق تحت الأرض، التي جرى تجديدها وتشييدها مؤخرا، في نهاية المطاف لإخفاء أجزاء من ترسانة الحوثيين الإستراتيجية من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
ويجري الآن اختبار صمود المرافق تحت الأرض. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها ضربت أهدافا تحت الأرض كجزء من عملية "بوسيدون آرتشر".