فتاة يمنية، عرفت بجمالها الآخاذ وانتمائها إلى أسرة عريقة امتهنت الحلاقة، وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع نيران العنصرية بعد أن تقدم لخطبتها شاب من قبيلة "عسرة" ذات النفوذ. هذا الارتباط الذي يفترض أن يكون مبنيًا على المودة والرحمة، ووجه برفض قاطع من قبل قبيلة الشاب، التي مارست ضغوطًا هائلة لمنعه من إتمام هذه الزيجة التي اعتبروها "وصمة عار" و"مخالفة للأعراف".
هذه الواقعة، التي تبدو للوهلة الأولى مجرد قصة شخصية، تحمل في طياتها دلالات عميقة تكشف عن استمرار ممارسات اجتماعية بالية تتعارض بشكل سافر مع أبسط مبادئ العدالة والمساواة التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والدولية. إنها تضع علامات استفهام كبيرة حول مدى تغلغل العنصرية في النسيج الاجتماعي اليمني، وتستدعي وقفة جادة لمواجهة هذه الآفة التي تقوض أسس المواطنة المتساوية وتهدد مستقبل البلاد.
عمق الأزمة
يرى الصحافي أسامة كربوش أن هذه الحادثة ليست معزولة، بل هي مؤشر خطير على "الوجه الحقيقي للشعب اليمني الطافح بالعنصرية، خاصة فيما يتعلق بأمر الزواج". ويضيف بمرارة: "أغلبية المجتمع اليمني ومعظمهم عنصريون، وما مارسته هذه القبيلة ليست استثناءً بل هي القاعدة التي تتستر خلف قشور زائفة من التمدن".
بدره يستحضر الناشط موحد أمين تاريخًا مؤلمًا من التمييز، مؤكدًا أن "التقسيمات الطبقية التي زرعها نظام الإمامة لا تزال تحصد أرواحنا وتعيق تقدمنا". ويختتم بصوت يعبر عن يأس الكثيرين: "قسمونا كأننا لسنا بشرًا، ولا مكان للطبقية والعنصرية بيننا، ولكن الواقع يصرخ بعكس ذلك".
من زاوية القانون، تشدد المحامية بلقيس محمد أمين على أن "العنصرية والتفرقة ليستا مجرد ممارسات اجتماعية، بل جريمة تهدد استقرار الوطن". وتطالب بتفعيل القانون لحماية الأفراد من "براثن العنصرية التي تعيدنا إلى عصور الجاهلية".
في ذات السياق ترى الناشطة شيماء عبدالله أن "المجتمع يتحمل المسؤولية الأكبر في استمرار هذه الممارسات"، مؤكدة أن "الدين الإسلامي وكافة الشرائع السماوية تحرم العنصرية، ولكن العادات القبلية المتجذرة تتفوق على تعاليم الدين في كثير من الأحيان".
قوانين لا تطبق
تكشف هذه الواقعة عن فجوة كبيرة بين النصوص القانونية التي تجرم العنصرية والواقع الاجتماعي الذي لا يزال يعاني من هذه الآفة. فالدستور اليمني يكفل المساواة ويحظر التمييز، كما أن اليمن طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية التي تجرم التمييز العنصري بجميع أشكاله، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
ورغم هذه النصوص الواضحة، لا يزال تطبيقها على أرض الواقع يعاني من ضعف كبير، مما يشجع على استمرار مثل هذه الممارسات العنصرية دون خوف من المساءلة القانونية.
بصيص أمل
يقول القاضي البرلماني أحمد سيف حاشد بتأكيد أن "التمرد على هذا القهر الاجتماعي هو بداية الطريق نحو التغيير". ويثني على "الأصوات الشجاعة التي ترفض الاستسلام لواقع مرير"، معتبرًا أن "المستقبل سيكون حتمًا للرافضين للعنصرية والمتخلفين عن ركب الإنسانية".
إن هذه القصة المأساوية ليست مجرد خبر عابر، بل هي دعوة صريحة إلى صحوة مجتمعية شاملة لمواجهة العنصرية بكل أشكالها. إن بناء يمن جديد يتطلب اجتثاث هذه الجذور العميقة من التمييز والتعصب، وتفعيل القوانين التي تجرم هذه الممارسات بشكل حازم وفعال.
آن الأوان لأن يتحمل المجتمع اليمني مسؤولياته التاريخية تجاه هذه القضية، وأن يضع حدًا لهذه الممارسات التي لا تليق بإنسان القرن الحادي والعشرين. إن صمت المجتمع وتخاذل القانون ليسا خيارًا مقبولًا في مواجهة هذه الجريمة الإنسانية.