فصول سيطرة وتدمير جماعة الحوثي لجامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء؟

تموز/يوليو 29, 2025

في واحدة من أخطر الضربات التي استهدفت التعليم العالي في اليمن، تحولت جامعة العلوم والتكنولوجيا – التي تعد أكبر وأرقى جامعة أهلية في البلاد – إلى رهينة بيد مليشيا الحوثي المسلحة، بعد أن وضعت الجماعة يدها عليها بالقوة مطلع العام 2020، وأطاحت بإدارتها القانونية، في مسار ممنهج أدى في النهاية إلى سحب الاعترافين المحلي والدولي بمخرجاتها التعليمية.

لم يكن استيلاء مليشيا الحوثي على الجامعة في صنعاء مجرد استحواذٍ على منشأة تعليمية، بل كان إعلاناً صريحاً بنهاية التعليم الحر في مناطق سيطرتها، وبداية لتحويل الجامعات من مؤسسات تعليمية إلى منابر طائفية.

بحسب بيانات رسمية صادرة عن رئاسة الجامعة – المركز الرئيسي في عدن – فإن الميليشيا أوكلت مهام أكاديمية وإدارية لعناصر غير مؤهلة، واعتمدت قرارات إدارية ارتجالية، بعيدة كلياً عن المعايير العلمية والمهنية، مما تسبب في فقدان الجامعة للاعتراف المحلي والدولي، وأدى إلى إلغاء اعتماد الشهادات الصادرة من مقر صنعاء والفروع الواقعة في إب، الحديدة، وتعز - الحوبان، الواقعة كلها تحت سيطرة الميليشيات.

ولم يعد سراً أن هذه الفروع تمارس حالياً عملية تعليمية غير معترف بها، مما دفع الجامعة إلى إعلان رسمي بإخلاء مسؤوليتها الكاملة عن أي وثائق أو شهادات صادرة من تلك الفروع، واعتبارها لاغية اعتباراً من العام الدراسي 2020/2021، في ظل استمرار احتجاز قيادة الجامعة وتجاهل القوانين المنظمة للعملية التعليمية.

* لا صلة قانونية أو أكاديمية بفروع الحوثيين

في تحذير شديد اللهجة، جدّدت جامعة العلوم والتكنولوجيا في العاصمة المؤقتة عدن، الأسبوع الماضي، رفضها القاطع لما وصفته بـ"الأكاذيب والمزاعم" المتداولة بشأن إعادة الاعتراف بفروعها الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، مؤكدة أن كل ما يُروّج في هذا السياق "عارٍ عن الصحة جملةً وتفصيلًا"، ولا يعدو كونه محاولة للتضليل والإرباك الأكاديمي للطلاب وأولياء الأمور.

وشددت الجامعة في بيان لها، على أن قرار مجلس الأمناء الصادر في سبتمبر 2020، وما تلاه من قرار وزارة التعليم العالي رقم (6) لسنة 2021، قد نصّا بوضوح على نقل المركز الرئيسي للجامعة من صنعاء إلى عدن، وإلغاء الاعتراف بمخرجات المركز السابق في صنعاء، إضافة إلى فروع الحديدة وإب وتعز (الحوبان)، بعد أن استولت عليها مليشيا الحوثي بقوة السلاح.

بداية الاستحواذ: مصادرة بذريعة قانونية

بدأت القصة بإدراج أربعة من مساهمي الجامعة في قائمة صادرة عن المليشيا بتهم سياسية، تلاها قرار بمصادرة أملاكهم وتعيين ما يسمى بـ"الحارس القضائي" لإدارة حصصهم التي لا تتجاوز 24% من رأس مال الجامعة.

استجابت الإدارة حينها بحسن نية، وسلمت كافة الوثائق المطلوبة، لكن المليشيا زعمت لاحقا، دون أي سند قانوني، أن حصة الأربعة تبلغ 56%، متجاهلة السجلات الرسمية.

إخفاء الحقيقة وتزوير الوقائع

أوفد الحارس القضائي مندوبا لمراجعة وثائق الملكية، وأكد الأخير بعد تدقيق أن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 24%، إلا أن تقريره أُخفي واستُبدل بمندوب جديد منح صلاحيات غير قانونية تفوق إدارة الجامعة نفسها، في مؤشر واضح على نية الانقلاب الكامل على المؤسسة.

الانقلاب الكامل: اقتحام واختطاف وتنصيب بالقوة

في تصعيد خطير، اقتحم نجل الحارس القضائي مقر الجامعة بصنعاء برفقة مسلحين، واختطف رئيس الجامعة ومدير الشؤون القانونية، وكسر أبواب الإدارة، ثم نصب شخصًا يُدعى "عادل المتوكل" رئيسًا للجامعة بقرار من الحارس، لا من أي جهة قانونية أو تعليمية معترف بها.

الأمر لم يتوقف عند الجامعة، بل طال المستشفى الجامعي، حيث تم تغيير الإدارة بقرارات مماثلة صادرة عن نجل الحارس، في تعدٍّ صارخ على قانون الجامعات الأهلية.

رغم تمسك ملاك الجامعة بالحلول السلمية وتقديمهم تنازلات موجعة لإنقاذ المؤسسة وطلابها، قوبلت جهودهم بالرفض والتعنت، لتُحسم نوايا المليشيا: السيطرة الكاملة على الجامعة وممتلكاتها وتحويلها إلى أداة دعائية لمشروعها العقائدي.

تدمير التعليم من الداخل: المناهج والهوية في مرمى الطائفية

بمجرد إحكام الحوثيين قبضتهم على الجامعة، بدأت ملامح التشوية والإنجراف والتدمير تظهر تدريجيا في تيسيس العملية التعليمية بالجامعة، بدأ بتغيير المناهج، وتحويل القاعات الدراسية إلى منصات تعبئة وتحشيد للجبهات، وانتهى بتحويل مباني الجامعة إلى مقرات طائفية ومعارض لأسلحة إيرانية، في مشهد عبثي لا يمت للتعليم بأي صلة.

الأخطر من ذلك، أن الجامعة استُخدمت في منح القيادات الحوثية الدرجات العلمية والألقاب الأكاديمية بصورة عشوائية، ودون أي التزام بمعايير الاعتماد أو التحصيل العلمي.

شهادات في مهب الريح: السقوط من قوائم الاعتراف

أمام هذا الانهيار، أعلنت وزارة التعليم العالي في عدن سحب الاعتراف الأكاديمي من فروع الجامعة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وأكدت أن الشهادات الصادرة عنها غير معترف بها.

لاحقا، أيد مجلس الجامعات العربية ووزارة الخارجية اليمنية هذا الموقف، ليُعلن رسميًا إسقاط اعتماد مخرجات جامعة العلوم في صنعاء وفروعها في الحديدة وإب وتعز (الحوبان).

مستقبل آلاف الطلاب مهدد

في ظل هذا الواقع، أصبح مستقبل آلاف الطلاب معلقا، ضائعا بين سلطة الأمر الواقع وأوهام الاعتراف.

كثيرون منهم يدرسون اليوم في جامعة لا تحمل أي اعتماد قانوني، ولا مستقبل لشهاداتها، في مشهد قاسٍ يختزل حجم الجريمة التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق التعليم في اليمن بشكل عام وبحق جامعة العلزم بشكل خاص .

جريمة بحق التعليم والهوية الوطنية

ما جرى في جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء ليس مجرد أزمة إدارية، بل "جريمة متكاملة الأركان" ضد التعليم والهوية الوطنية، تستدعي محاسبة تاريخية وأخلاقية.

ويبقى السؤال: كم جامعة أخرى ستقع فريسة لهذا المشروع؟ وكم شهادة أخرى ستُطبع في الظلام، دون اعتراف أو قيمة، لتصبح مجرد ورقة تنهار أمام أول اختبار للحقيقة؟

Additional Info

  • المصدر: تعز تايم
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro