أمضى الدكتور الظاهري حياته في مقارعة الاستبداد ومقاومة تحويل جامعة صنعاء والعمل الأكاديمي إلى ذراع لفساد السلطة، فكان وضعه انعكاسا لصفاء سيرته واستقلاله عن مراكز النفوذ.
من المحزن أن يشيّع من مثّل الضمير الوطني، بعيدا عن الدولة المنشودة التي حمل همومها وبذل حياته لأجلها، لكن العزاء فيه أنه يغادر مشهودا له بالصدق والنزاهة وسلامة الضمير، وصواب الرؤية، وأن على دربه أقران وتلاميذ سيواصلون العمل على تحقيق الحلم، حلم دولة راعية لكل أبنائها، ضامنة للحقوق والحريات.
مكانة مرموقة
يقول الباحث والكاتب السياسي؛ نبيل البكيري، عزاؤنا لليمن بهذا الفقد الكبير الجلل الذي أصابنا وأصاب اليمنيين، في هذه المرحلة بعالم كبير وقامة كبيرة كان يمثل واحداً من الملهمين الكبار لهذا الجيل الذي تربوا على أفكاره وتتلمذوا على يديه بمواقفه وسيرته البهية والنقية التي اكتسبها الدكتور محمد الظاهري.
وأضاف: الدكتور الظاهري أحد أبرز أعلام ثورة الـ 11 من فبراير أولاً، وأعلام هذه المرحلة الذين خطوا بنضالهم واحدة من أشرف صور النضال والتضحية والتجرد والوطنية والزهد والترفع، وأشياء كثيرة رسمها هذا الرجل في مسيرته السياسية والأكاديمية كإنسان وكمثقف وكأكاديمي.
وتابع: الظاهري رجل بسيط رغم أنه أتى من أسر مشيخية كبيرة كان لها دور ومكانة مرموقة في مناطقهم، لكنه لم يكن يعتد بشيء مثلما يعتد بمواقفه ويعتد بنفسه ويعتد أيضاً بمسيرته الوطنية والأكاديمية التي حققها.
وأردف: الدكتور محمد هو مثال ونموذج لهذا الجيل الذي يجب أن يعرف الدكتور محمد جيداً ويجب أن يقرأ هذه السيرة الناصعة التي ينبغي أن تكون ملهمة للأجيال الذين لا ييأسون.
وزاد: الدكتور محمد ربطتني به مؤخراً علاقة وثيقة ونهلت من قيمه وأخلاقه الشيء الكثير، وكان علامة فارقة في هذه المرحلة، وعرضت عليه الكثير من الإغراءات والامتيازات لكنه رفض وأصر أن ينام على الطوى وأن لا يقايض بمواقفه شيئاً ما.
وقال: رحم الله الدكتور محمد الظاهري وعزاءنا الكبير بهذا المصاب أنه مثل هذه الصورة الوطنية ناصعة البياض والجلال التي ينبغي أن تكون نصب عين هذا الجيل في محطته نحو استعادة البلاد واستعادة القيم التي ناضل من أجلها.
وأضاف: في طبيعة الحال هو أكاديمي و وخاض مشواراً أكاديمياً ناجحاً كان دائماً في كل محطاته من البكالوريوس وصولاً حتى الدكتوراه الأول على كل المستويات، فضلاً عن ذلك هو أتى من خلفية مشيخية قبلية كبيرة، وهذه أيضاً واحدة من الأوراق الكبيرة أو من مفاتيح فهم المشهد اليمني، حيث جمع بجانب هذه المكانة المشيخية المكانة الأكاديمية ومكانة المثقف المناضل والرجل اليمني البسيط الذي جمع بين كل هذه المستويات من مستويات فهم وتحليل الواقع اليمني.
وتابع: كان الدكتور محمد حينما انطلق في شهادة الدكتوراه التي ناقش فيها العلاقة بين القبيلة والسياسة في اليمن، ربما هو الدافع لخوض مثل هذا النقاش وهذا الاشتباك مع واقع الحال والتجربة اليمنية أن يضع محددات وأطر واضحة لفهم وطبيعة تركيب المجتمع اليمني وكيف تتفاعل فيه السياسة والقبيلة والأحزاب والمكونات، ليخوض طريقاً نضالياً واضحاً.
وأردف: كان بإمكانه أن يدرس أي تخصص آخر، وكما أخبرني في إحدى المرات أنه كان معروض عليه أن يدرس الطب في باكستان تقريباً نظرت لتفوقه، لأنه كان من أوائل الطلاب في حينها، لكنه قرر أن يذهب إلى الأردن ويلتحق في قسم العلوم السياسية ويحقق المركز الأول في هذا القسم.
وزاد: من أتى من جانب مشيخي إلى حقل دراسات السياسية أعتقد أنه كان من الصعوبة أن تخرج من جو القبيلة ونعرف ماذا يعني أن تكون ابناً لأحد المشايخ ويعوّل عليك أن تحمل اسم القبيلة فيما بعد وأن تديرها بنفس الإمكانيات، وهو كان الولد المحبب والمقرب لأبيه وكان أبوه يعده لمثل هذه المكانة التي كان يرتقي أن يكون عليها الولد لكنه انخرط في سلك التعليم الأكاديمي حتى حاز على الدكتوراه وعاد ليمارس حياته الأكاديمية بكل تجرد وبساطة ويمارس حياته السياسية أيضاً.
وقال: سياسياً أو انتماءً أيديولوجياً، الدكتور محمد لم ينخرط في أي في أي انتماء وظل مستقلاً طوال حياته، مع أن كثير من التصنيفات كانت تحسبه على بعض الأطراف السياسية لكنه لم ينتمي سياسياً لأي طرف من الأطراف وظل ممسكاً بموقفه كأكاديمي وكمراقب مستقل يراقب الوضع في اليمن وصاحب موقف واضح وصريح، كان لا يحابي أحداً بمواقفه أياً كان سواء المعارضة أو السلطة أو الأحزاب.
كان مميزًا
يقول أستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء؛ الدكتور معن دماج، الدكتور محمد كان مميزا في ممارسته السياسية والنقابية خصوصاً أطروحاته النظرية حول دور القبيلة في المجتمع اليمني، ويمكن توصيفه بشكل عام ضمن التيار الوطني التقليدي، حيث كان يتميز بالانفتاح على كل التيارات السياسية.
وأضاف: كان في ممارسته السياسية قريباً من قيادات مختلفة وهذا الذي جعل فوزه برئاسة نقابة أعضاء هيئة التدريس في جامعة صنعاء، والذي كان قبلها أمينا عاماً رغم هيمنة التيارات الحزبية، لكنه كان يمكن أن يكون نقطة الاتفاق بين هذه التيارات المختلفة.
وتابع: ما يميز الدكتور محمد الظاهري، في ممارسته للدور السياسي، أنه كان يضع تأثير في اتجاه المبادئ التي يقتنع بها أكثر بكثير من اهتمامه في الموقع أو بالمناصب، لكنه فضل دائما موقع السرك الجامعي الذي يبحث فيه ويقدم الدروس لتلاميذه ويمارس في الأفق هذه الأطر العامة والمبادئ التي يؤمن بها.
وأردف: منذ تعيينه معداً في منتصف الثمانينات وحتى عودته أستاذاً تقريباً في عام 2003 حصل على الدكتوراه من جماعة القاهرة، كان من ذو البداية ممارساً للعمل السياسي والنقابي، وأنا شخصياً تعاملت معه ومع مجموعة من الزملاء في تأسيس جماعة التغيير والتنوع التي استطاعت أن تنتزع النقابة ممن كان مهيمناً عليها لوقت طويل من قوى سياسية كانت تغلب الرأي لسياسي على المهني والأكاديمي، وتمكنا من عمل نقابة متنوعة فعلاً.
خسارة لا تعوض
يقول رئيس الهيئة العامة للكتاب؛ يحيى الثلايا، إن خسارتنا الدكتور محمد الظاهري، لا تعوض نسأل الله أن يرحمه، فقد كان أستاذاً واستثناء لا يليق بهذا الزمن، وكان رجلاً لا يتكرر، كتلة من نزاهة، رجلاً من صدق، موقفاً متسامياً حرصاً وصدقاً حتى حين يختلف وحين يتفق.
وأضاف: الدكتور الظاهري، لم يكن ممن يخفضون رؤوسهم لشيء، وظل يحمل بين جنبيه وبين وجنتيه اليمن، حتى غادر دنيانا صامتاً لم يشتك يوم جراحه وأوجاعه الخاصة، نسأل الله أن يرحمه وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
وتابع: أنا عرفت الأستاذ الدكتور محمد الظاهري رحمة الله عليه، أستاذاً في قاعة الدرس، وعرفته صديقاً وأستاذاً خارجها، وعرفته أيضاً في بعض جوانب أسرته وشخصيته الخاصة والمتميزة، كان شخصاً استثنائياً بكل ما تعنيه الكلمة نزاهة وضميراً يقظاً ودعيا إلى الاكتمال وبحثاً عن المشتركات التي تفيد اليمن في معارضته وفي تأييده، في نقده وفي أفكاره، كان متسامياً عن ذاته بشكل ربما لا يتكرر اليوم.
وأردف: أتذكر ذات يوم وهو في قاعة الدرس حينما بدأت بعض الجهات المتضررة من كتاباته تسلط عليه الألسنة البذيئة أنه قال لنا كلمة لا يمكن أن أنساها، وهو يقول "يا أبنائي لا نعارض من ترف ولا ننتقد رغبة في المعارضة".