البرلماني علي عشال يطرح 4 مسارات لانتقال الشرعية من ردّ الفعل إلى الفعل المنظّم لاستعادة الدولة

كانون1/ديسمبر 21, 2025

تشهد الساحة الوطنية اليوم لحظة فارقة من أخطر اللحظات التي مرت بها الشرعية اليمنية منذ اندلاع الحرب، لحظة تتقاطع فيها النزاعات المسلحة مع التفكك السياسي، ويُستهدف فيها ما تبقى من الدولة لا من خارجها فحسب، بل من داخل معسكرها المفترض.

إن الخطوات المتسارعة التي يقدم عليها الإخوة في المجلس الانتقالي الجنوبي، بما تحمله من تصعيد سياسي وعسكري في عدد من المحافظات المحررة، لم تعد مجرد خلافات في الرؤى أو تباينات في المواقف، بل أخذت شكل انقلاب مكتمل الأركان على مجمل الاتفاقات التي سعت إلى لملمة جبهة الشرعية، بدءًا باتفاق الرياض الأول، مرورًا بكافة التفاهمات اللاحقة، وصولًا إلى اتفاق نقل السلطة الذي كان يفترض أن يشكل نقطة انطلاق نحو

استعادة الدولة وبناء شراكة وطنية جامعة.

وبصفتي عضوًا في هيئة التشاور والمصالحة، التي تشكلت بموجب اتفاق نقل السلطة، وأُنيط بها توحيد مكونات الشرعية وإسناد مجلس القيادة الرئاسي، فإن الواجب الوطني والأخلاقي يفرض عليّ أن أرفع الصوت في هذه اللحظة الحساسة، التي تنذر بهدم بنيان الشرعية وتقويض ما تبقى للدولة من جدار قانوني ومؤسسي يمكن الاتكاء عليه في معركة استعادة الوطن.

إن ما يجري اليوم من تصعيد عسكري وسياسي في بعض المحافظات المحررة يضع شرعية الدولة بين فكي كماشة :

الأولى تتمثل في انقلاب جماعة الحوثي الإرهابية، بمشروعها السلالي العابر للدولة، والذي قوض مؤسسات الجمهورية في صنعاء، وصادر الإرادة الشعبية، وأقام سلطة أمر واقع تناقض الدستور والقانون والهوية الوطنية.
أما الثانية، فهي انقلاب المجلس الانتقالي على التوافق الوطني، وشق صف الشرعية في المناطق المحررة، بما يشكله من تهديد داخلي لمركزها القانوني والسياسي، ويقوض مبدأ وحدة القرار والسيادة، ويفرغ الدولة من

مضمونها حتى في المناطق التي يفترض أنها محررة.

من الناحية القانونية، فإن أي كيان أو مكون سياسي يمارس القوة خارج إطار الدولة، أو يفرض أمرًا واقعًا يتناقض مع الاتفاقات الموقعة والمرجعيات الناظمة للمرحلة الانتقالية، إنما يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الشرعية الدستورية، مهما كانت المبررات أو الشعارات المرفوعة. فالدولة لا تُبنى بالانتقائية في الالتزام، ولا تُستعاد بتعدد الجيوش والولاءات، ولا تُحمى بتقويض مؤسساتها من الداخل.

وايضاً من الناحية القانونية والدستورية، فإن إعلان نقل السلطة الذي أصدره فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي قد اشار بوضوح الى الاعلان بوصفه تفويضًا محددًا في الشكل والمضمون، استوفى أركانه القانونية، وحدد بوضوح نطاق الصلاحيات، وسمّى الجهة المفوضة وأعضاءها، ورسم الأهداف التي مُنح التفويض من أجلها.

لقد أسند إعلان نقل السلطة مهام واضحة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، في مقدمتها الحفاظ على كيان الدولة اليمنية، واستعادة مؤسساتها، وإنهاء الانقلاب، وإدارة المرحلة الانتقالية بما يحفظ وحدة البلاد وسيادتها. ولم يكن هذا التفويض، في أي حال من الأحوال، تفويضًا مفتوحًا أو مطلقًا، ولا تفويضًا لتغيير طبيعة الدولة أو تفكيك مؤسساتها أو الانقلاب على مرجعياتها الدستورية والقانونية.

وعليه، فإن أي فعل أو مسار سياسي أو عسكري يصدر عن أي طرف من أطراف التفويض، ويتعارض مع مضامينه وأهدافه، أو ينقلب على مؤسسات الدولة، أو يكرّس واقعًا يناقض وحدة السلطة والقرار، يُعد من الناحية القانونية تقويضًا صريحًا للتفويض ذاته، وخروجًا على الأساس الذي قام عليه إعلان نقل السلطة.

ومن زاوية قانونية بحتة، فإن تقويض التفويض أو الانقلاب على أهدافه لا يرتب فقط مسؤولية سياسية على القائم به، بل يفتح الباب أمام مسؤولية دستورية تترتب عليها آثار قانونية، من بينها إلزام المفوِّض – وهو الرئيس هادي – باتخاذ ما يراه مناسبًا لحماية التفويض وأهدافه، بما في ذلك سحب التفويض أو إعادة النظر فيه، متى ثبت انحرافه عن الغاية التي مُنح من أجلها.

لقد فوض الرئيس هادي أعضاء مجلس القيادة الرئاسي للحفاظ على الدولة واستعادتها، لا لتفكيكها، ولحماية مؤسساتها، لا للانقلاب عليها، ولتوحيد جبهة الشرعية، لا لشق صفها أو إضعاف مركزها القانوني. وأي محاولة لفرض أمر واقع يناقض هذه الغايات تمثل إخلالًا جوهريًا بالتفويض، وتفريغًا لإعلان نقل السلطة من مضمونه القانوني والدستوري

إن استمرار هذا المسار التصعيدي لا يهدد فقط وحدة الصف الوطني، بل يمنح الانقلاب الحوثي فرصة تاريخية لإعادة إنتاج نفسه كأمر واقع، ويُضعف الموقف التفاوضي للشرعية، ويُفقدها سندها القانوني أمام المجتمع الإقليمي والدولي، الذي لا يعترف إلا بالدول الموحدة، والسلطات ذات القرار الواحد.

وعليه، فإن المسؤولية التاريخية تقتضي الوقوف بوضوح وحزم أمام أي محاولات لنسف التوافق الوطني، والدعوة إلى الالتزام الصارم باتفاق نقل السلطة، واحترام دور مجلس القيادة الرئاسي، وتمكين مؤسسات الدولة من بسط نفوذها الكامل، دون وصاية أو ازدواجية أو سلاح خارج إطارها.

إن الشرعية اليوم لا تحتمل مزيدًا من التآكل، والدولة لا تقوى على انقلابين في آن واحد. فإما أن ننتصر لمنطق الدولة، أو نترك الوطن نهبًا لمشاريع التفكيك، مهما اختلفت شعاراتها وتعددت مسمياتها
من هذه اللحظة الفارقة في تاريخنا كيمنيين، وما تحمله من مؤشرات خطيرة تهدد كيان الدولة ووحدة المجتمع، تقتضي المسؤولية الوطنية التحرك الجاد والمخلص من قبل قيادة الدولة، ورؤساء المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وكافة القوى والمكونات السياسية الداعمة للشرعية، للخروج من دائرة رد الفعل إلى فضاء الفعل المنظم، عبر رؤية واضحة ومسؤولة تتحرك على أربعة مسارات متوازية.

أولًا: مسار المكاشفة مع دول التحالف العربي

يقتضي الواجب الوطني الوقوف الجاد والصريح مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بوصفهما ركيزتي التحالف العربي، والطرفين اللذين اضطلعا بدور محوري في هندسة إعلان نقل السلطة.

إن المكاشفة الصادقة حول ما آلت إليه الأوضاع في المحافظات المحررة لم تعد خيارًا سياسيًا، بل ضرورة قانونية وأمنية، تفرضها حالة الاختلال التي أصابت جبهة الشرعية، وما نتج عنها من ممارسات أضعفت مؤسسات الدولة وهددت وحدة القرار. فدول التحالف، بما تملكه من تأثير وقدرة على تحريك بعض الأوراق، قادرة على الإسهام الجاد في تصحيح المسار، ووضع معالجات واقعية تعيد التوازن إلى معسكر الشرعية، وتحفظ الهدف المشترك المتمثل في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
ث

ثانيًا: مسار الاصطفاف الشعبي حول مشروع الدولة الوطنية

إن حماية الدولة لا تتحقق بقرارات النخب وحدها، بل بإرادة شعبية واعية. ومن هنا تبرز أهمية دعوة أبناء اليمن في كل المحافظات، شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، للالتفاف حول كيان الدولة ووحدة أراضيها، والحفاظ على استقرارها، والتعبير السلمي الواضح عن انحيازهم للمشروع الوطني الجامع، المشروع الذي قامت عليه ثورتا السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، بما تحمله من قيم الجمهورية والمواطنة المتساوية ورفض السلالية والتفكيك.

ثالثًا: مسار التحرك العربي عبر جامعة الدول العربية

يستدعي الوضع الراهن دعوة جامعة الدول العربية إلى الانعقاد، بوصفها البيت العربي الجامع، الذي ظل تاريخيًا داعمًا لليمن في مختلف مراحل المخاض الوطني. إن انعقاد الجامعة والتعبير الصريح عن موقف عربي رافض لكل ما يمس أمن اليمن، ووحدته، وسلامة أراضيه، من شأنه أن يعزز الموقف القانوني والسياسي للشرعية، ويبعث برسالة واضحة بأن المساس بالدولة اليمنية يشكل تهديدًا للأمن القومي العربي برمته.

رابعًا: مسار التحرك الإقليمي والدولي

لا يقل أهمية عن المسارات السابقة التحرك المنظم على الصعيدين الإقليمي والدولي، لبيان خطورة ما يجري في البلاد، وتداعياته المباشرة على أمن واستقرار المنطقة والعالم. فاليمن، بحكم موقعه الجيوسياسي، ليس ساحة معزولة، وأي انهيار إضافي في مؤسسات دولته سينعكس على خطوط الملاحة الدولية، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب. ومن هنا، فإن وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية يشكل عنصرًا حاسمًا في حماية الشرعية ومنع انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى.

إن هذه المسارات الأربعة لا تمثل ترفًا سياسيًا، بل خطة عمل، تتطلب إرادة صلبة وقرارًا وطنيًا شجاعًا، يعيد الاعتبار للدولة، ويحمي الشرعية، ويصون اليمن من مشاريع الانقسام، أيًا كانت مسمياتها أو ذرائعها.

Additional Info

  • المصدر: تعز تايم - البرلماني علي عشال
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro