يقول هذا المهاجر الذي فضّل أن يكون اسمه مستعارًا لأسباب أمنية، إنه واجه أهوالا ومصاعب كثيرة منذ أن حط رحاله على الساحل، جنوب اليمن، للوصول إلى صنعاء.
ويضيف للجزيرة نت "وصلنا صنعاء لنسجل أسماءنا لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لكن منذ أسابيع شنت السلطات حملة لاحتجازنا، بعضهم من مقار عمله".
لكن الحريق الذي طال مركز احتجاز للمهاجرين، وتسبب في وفاة العشرات، أعاد فصول المأساة لأحمد وأكثر من 280 ألف لاجئ من القرن الأفريقي يعيشون في اليمن، وفق أحدث أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
تضارب الأرقام
رغم مرور أسبوع ما تزال تفاصيل الحادث تتكشف تباعًا، وقد اعترفت جماعة الحوثيين المسيطرة على صنعاء بمقتل 43 مهاجرًا، قالت وكالة سبأ بنسختها الحوثية إنه جرى تشييعهم إلى مثواهم.
وقال بيان الجاليات الممثلة للاجئين في اليمن، في مؤتمر صحفي، السبت، إن عدد المهاجرين كانوا حوالي 800 في مركز الاحتجاز، موزعين على 5 عنابر، احترق منها العنبر رقم 1 مخلفًا 44 قتيلًا و202 جرحى، جميعهم غادروا المستشفى عدا 21 ما يزالون يتلقون العلاج بينهم 4 حالتهم حرجة.
لكن الرقم المعلن أثار المهاجرين، وقال مصدر مطلع في الجالية الإثيوبية للجزيرة نت إن العدد يقارب 510 قتلى، مشيرًا إلى أن رؤساء الجاليات التي وقعت على بيان الدفن تعرضوا للتهديد، من أجل التغطية على الحادث.
وأضاف "كنا هناك، وطالت النيران عنبرًا كاملًا كان يُحتجز فيه المئات، ووفق ما وثقناه حتى اللحظة فإن قرابة 450 شخصًا تفحمت أجسادهم على الفور، وتوفي نحو 60 آخرين متأثرين بإصاباتهم".
وأوضح "فرض الحوثيون تعتيمًا واسعًا على الحادث، وأخذوا بعض الضحايا إلى أماكن مجهولة، وصرفوا لمن أُصيب في الحادث ومن كان محتجزًا مبلغ 100 ألف ريال يمني (قرابة 170 دولارا أميركيا) حتى لا يتحدثوا".
المنظمة الدولية للهجرة في اليمن قالت إنه لم يتسنَ لها تقييم تأثير الكارثة من حيث عدد القتلى، وأوضحت المتحدثة باسم مكتبها، أوليفيا هيدون، للجزيرة نت، أن تقديرات تحدثت عن مقتل 30 إلى 60 شخصًا، غير أنها أكدت إصابة أكثر من 170 شخصًا.
وأضافت "كان هناك 900 محتجز (3 أضعاف سعة المنشأة) موجودون في الموقع. على وجه التحديد، في المستودع حيث اندلع الحريق".
وأشارت إلى أن الوصول إلى الناجين كان يمثل تحديًا بسبب الوجود الأمني المتزايد بالمستشفيات. ووفق شهود فإن المسلحين الحوثيين انتشروا حينها بالمستشفيات وأجبروا الموظفين من المهاجرين على المغادرة.
سبب الحريق
لم تورد المسؤولة الأممية أسباب الحريق، كون المنظمة ليس من صلاحيتها التحقيق في الحادث، لكنها نشرت على الفور فرقًا طبية ونقلت الضحايا إلى المستشفى، وقدمت للضحايا المستلزمات الطبية، بالإضافة إلى المواد الغذائية والملابس ومستلزمات النظافة.
وحاولت الجزيرة نت الحصول على رد من سلطات الحوثيين، لكنها رفضت التعليق واكتفت بما نشرته وكالة سبأ بنسختها الحوثية، عن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون اللاجئين، حسين العزي، اليوم السبت، خلال لقائه الممثل المقيم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة بصنعاء جون نيكولاس.
وقال العزي إن حادث الحريق عرضي، متهمًا بعض المنظمات الإنسانية الدولية بالتنصل عن واجباتها.
وفي وقت سابق، اتهمت اللجنة التابعة للحوثيين، في لقاء سابق، منظمة الهجرة الدولية وشركائها التنفيذيين بالتنصل من الإيفاء بالتزاماتها، في إشارة إلى أنها لم تقدم دعمًا للمهاجرين.
لكن جمدا سوتي، وهو رئيس شبكة مستقبل أوروميا للأخبار الإثيوبية، قال للجزيرة نت إن الحادث سبقه احتجاز الحوثيين أكثر من ألف لاجئ إثيوبي في مبنى مصلحة الجوازات شرقي صنعاء، وفرضوا غرامة تُقدر بـ 150 ألف ريال (250 دولار أميركيا) على كل لاجئ مقابل الإفراج عنه.
وأضاف "إن المحتجزين رفضوا الدفع كون بعضهم لم يكن يمتلك المبلغ، وبدؤوا الإضراب عن الطعام للمطالبة بتحسين أوضاعهم".
وقال سوتي إن الحوثيين اقتحموا مركز الاحتجاز وحدث اشتباك بينهم والمحتجزين الذين أجبروهم على الانسحاب، وعقب ذلك أطلق الحراس النار ليردوا اثنين قتلى على الفور.
وتابع "بعد ذلك وصلت قوة إضافية وألقت قنابل مسيلة للدموع، وبعدها أطلقوا قنبلة حارقة لتتسبب بالحريق".
وأثار الحادث غضب المهاجرين لينظموا مظاهرات أمام مقر منظمة الهجرة الدولية لليوم الخامس، مطالبين بالتحقيق في الحادث.
أوضاع مزرية
كما يطالب المتظاهرون بالإفراج عن المحتجزين على الفور، ومعاقبة المتورطين في الحادث، وإيقاف الحملة التي يشنها الحوثيون ضدهم، وتوفير أماكن إيواء مناسبة لهم.
لكن سلطات الحوثيين منحت المتظاهرين موعدا محددا لرفع الاعتصام والمظاهرات أمام المفوضية، وإلا فإنها ستتدخل بالقوة لتفريق المتظاهرين وفق ما قال للجزيرة نت إبسا حسن وهو أحد المشاركين بالمظاهرات.
ووفق مصدر في سلطات العاصمة صنعاء تحدث للجزيرة نت، رافضًا الكشف عن هويته، فإن اللاجئين يُحتجزون في أوضاع بالغة القسوة، إذ يتكدسون بأعداد كبيرة في مستودعات ليست مهيأة.
وأوضح أن المهاجرين كانوا لا يجدون مكانًا للنوم أو أغطية في مقر احتجازهم الذي اندلع فيه الحريق، كما أن الطعام كان يصلهم فقط عبر منظمة الهجرة الدولية ويتم توزيعه بشكل عشوائي.
وأضاف "جُمع المهاجرون عبر شاحنات نقل من مناطق مختلفة، وبعضهم يُحتجز وآخرون يُلقى بهم في الجبال بمديرية القبيطة بمحافظة لحج الواقعة في الجنوب على الخطوط الفاصلة بين سيطرة القوات الحكومية والحوثيين، دون أن يُمنحوا أي مساعدات".
ومنذ سنوات يُعد اليمن محطة في طريق المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي إلى دول الخليج، لكن إغلاق الحدود مع السعودية بسبب الحرب، وتفشي وباء كورونا، فرض على أحمد ورفاقه واقعًا جديدًا قد يكون صادمًا لهم.
ويقول أحمد للجزيرة نت عبر الهاتف "أفكر حقيقة في العودة إلى بلادي، لقد عشنا الموت مرات عديدة، لم نتمكن من الانتقال للسعودية ولم نجد لنا مأوى في صنعاء".