وتمثل التوتر في الحشود العسكرية التي تشهدها محافظة أبين (جنوبي البلاد)، منذ عدة أيام، وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية في عدن، ما ينذر بجولة أخرى من المواجهات العسكرية، على غرار ما حصل العام الماضي.
واندلعت في مايو/ أيار 2020، معارك شرسة بين القوات الحكومية من جهة وقوات الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا من جهة أخرى، قبل توقفها مطلع ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته.
وتأتي جولة التوتر الجديدة رغم التوافق والهدوء الذي ساد بعد تشكيل حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب نهاية العام الماضي، بناءً على اتفاق الرياض.
وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تم توقيع اتفاق الرياض، برعاية سعودية ودعم أممي، بهدف حل الخلافات بين الحكومة الشرعية والمجلس.
ولا يزال المجلس الانتقالي مسيطرا على عدن أمنيا وعسكريا منذ أغسطس/ آب 2019، إضافة إلى سيطرته على مناطق جنوبية أخرى.
صراع مصالح
يقول رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، محمد قاسم نعمان: "الأوضاع الحالية عبارة عن صراع مصالح خاصة للداخل والخارج على حد سواء، في إشارة إلى طرفي التحالف العربي (السعودية والإمارات)، ومن هنا تبرز مشكلة كبيرة لوقف الحرب في البلاد".
وأضاف نعمان: "هذا الصراع له انعكاساته السلبية الكبيرة، ليس محليًا فحسب، بل إقليميا ودوليًا، فالكل يطمح بالسيطرة على عدن، بحكم موقعها الجغرافي المتميز، ولعل الجميع قد تابع كيف دفعت إسرائيل ببعض بوارجها الحربية إلى باب المندب خلال عدوانها الغاشم على غزة مؤخرًا".
وأوضح نعمان أن "الحشود العسكرية لطرفي الصراع الداخلي التي تتم في أبين (جنوب)، حاليًا ليست بمعزلٍ عن طرفي التحالف الأساسيين، وحتى اللاعبين الدوليين في المنطقة".
وتابع: "في عدن كل طرف يحاول إفشال الآخر، عبر تعطيل الخدمات، الأمر الذي زاد من الاحتقان الأمني والسياسي في المدينة، ما يجعل المواجهة العسكرية بينهما حتمية، ما لم يتدخل رعاة الاتفاق لفرض تطبيقه ولو بالقوة".
وأدى تأخر تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض إلى تقييد حركة الحكومة في مقرها المؤقت مدينة عدن، وفق مراقبين، فيما يتهم الانتقالي الحكومة بالمماطلة في معالجة الأوضاع الخدمية ورفع المعاناة عن المواطنين.
اغتيال مبطن لاتفاق الرياض
من جانبه، اعتبر عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، فضل الجعدي "فرض الإرادات عن طريق معاقبة الناس بالخدمات، اغتيالا مبطنا لاتفاق الرياض الذي جاء لمعالجة الأوضاع المتفاقمة".
وقال الجعدي، في سلسلة تغريدات على حسابه بـ"تويتر": "العقاب الجماعي الذي يُمارس لتركيع الناس وتجويعهم، أمر مرفوض وسوف نتصدى له بكل الطرق وبكل الخيارات".
ولفت: "الأمر يتطلب تحلي التحالف، بالمسؤولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان".
وهدد في رسالة مبطنة للحكومة بقوله: "الانتقالي لن يكون منحازًا إلا لشعب الجنوب وخياراته ومدافعًا عن منجزاته وحاملًا لقضيته ووفيًا لتضحياته، ووفق هذه الثوابت سيكون تعاطينا مع الأحداث والأخطار".
تراجع خطير
أما أمين عام مساعد حركة النهضة للتغيير السلمي، علي الأحمدي، فوصف العودة للتصعيد العسكري بعد اتفاق الرياض بأنه يعد "تراجعًا خطيرًا ومؤشرًا للعودة إلى المسار الكارثي، الذي لن يفضي إلا لإراقة المزيد من الدماء من الطرفين".
وشدد في حديثه على أنه "ينبغي على راعي الاتفاق الضغط على المتنصل من الطرفين من التزامات، وغير ذلك يعني مزيدا من إطالة معاناة الشعب وأمد الحرب".
ويرى رئيس تحرير موقع "عدن الغد"، فتحي بن لزرق أن "ما يجري في عدن من اختلاق للأزمات صراع نفوذ بين طرفي التحالف، ومن يمثلهم على الأرض (الشرعية والانتقالي)".
وأضاف : "الصراع السياسي الحاصل في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، انعكس سلبًا على أداء الدولة وتنازع وتقاسم سلطاتها، ما أدى إلى حالة شلل تام في أجهزتها وأنتج واقعا خدماتيا واقتصاديا أليما".
وأشار إلى "أن الأوضاع آخذة في التدهور، ما لم تتفرمل بحالة من الاستقرار السياسي والعسكري، وهذا لن يتحقق إلا بتطبيق بنود اتفاق الرياض".
مؤشرات الصدام أكبر
الكاتب السياسي، علي النقي، يرى أن "مؤشرات الصدام العسكري بين الحكومة والمجلس الانتقالي، أكبر من السلام".
وقال النقي : "كل ما يجري في العاصمة المفترضة عدن حاليًا من شلل شبه تام للخدمات والحشود العسكرية في أبين، سيقودان إلى جولة مواجهات عسكرية، كالتي اندلعت في مايو/ أيار من العام المنصرم".
وذكر أن "المسؤولية الأكبر في عدم تنفيذ اتفاق الرياض حتى اللحظة، تقع على التحالف، لأن طرفي الصراع المحليين يعملان تحت أمرهما".
وبيّن أن "الجدية في تنفيذ الاتفاق كانت غائبة من الطرفين، زاد منها عدم جدية الراعي للاتفاق ذاته".
وحمّل المحلل السياسي، صالح الجفري، دول التحالف العربي بقيادة السعودية، مسؤولية عدم تطبيق اتفاق الرياض حتى الآن.
وأوضح: "من رعى الاتفاق وموله وصاغه على اتجاهاته (المعلنة وغير المعلنة)، وحدة من يتحمل مسؤولية الوضع السياسي والاقتصادي الهش في عدن والحشود العسكرية في أبين".
واستطرد: "شخصيًا لا أتصور حدوث مواجهة عسكرية أخرى بين الحكومة الانتقالي"، معتبرًا ما يحصل "وسائل ضغط من طرفي الصراع لتركيع بعضهما، ولم يتضرر من ذلك إلا المواطنون".
وكان من أبرز بنود اتفاق الرياض، تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب يشارك فيها المجلس (شكلت في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، إضافة لحل الوضع العسكري في عدن ومناطق أخرى شهدت مواجهات بين الطرفين، مثل محافظة أبين.
ورغم تشكيل الحكومة في ديسمبر الماضي، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم ملحوظ في مسألة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، خصوصا دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.