وضاعف الحوثيون هجماتهم بشكل مكثف في مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز، ومحطة مأرب الغازية التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
وتقع مأرب في الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء (خاضعة لسيطرة الحوثيين منذ سبتمبر/أيلول 2014) على بعد 173 كيلو مترا، وتبلغ مساحتها أكثر من 17 ألف كيلو متر مربع.
ورغم تداعيات الحرب، شهدت مدينة مأرب خلال السنوات الماضية تغييرا ملحوظا على صعيد إنشاء العديد من المشاريع، بعد أن ظلت مهمشة لعقود، وفق مراقبين.
جغرافيا النفوذ
مع تكثيف هجماتهم على مأرب، منذ مطلع العام الجاري، استطاع الحوثيون تحقيق تقدمات ميدانية في أكثر من جبهة هناك.
وتقول جماعة الحوثي، إنها باتت تسيطر على كامل مديريات المحافظة، باستثناء مديريتي مأرب (مركز المحافظة)، والوادي التي تحتضن حقول النفط والغاز وتعد من أكبر المديريات مساحة.
فيما تفيد المصادر الحكومية، بأن قوات الجيش المسنودة بالتحالف العربي بقيادة السعودية، ما تزال تتواجد في مناطق بمديريات صرواح والجوبة ورغوان، وأن الحوثيين لا يسيطرون على كامل هذه المديريات.
وعلى الرغم من الهجمات الحوثية المكثفة والمكلفة ماديا وبشريا، إلا أنها لم تستطع تحقيق أي تقدم استراتيجي حيوي، باتجاه المدينة الحيوية أو حقول النفط والغاز، وسط مساع متواصلة لتحقيق هذا الهدف رغم الخسائر البشرية الهائلة.
ملف حيوي
مازالت قضية مأرب، أهم الملفات اليمنية حاليا، والتي يهتم بها المسؤولون المحليون، والجهات الدولية والأممية، نظرا لأهميتها الاستراتيجية الكبيرة، واكتظاظها بالسكان.
وخلال الأشهر الماضية، أطلقت جهات دولية فاعلة العديد من المناشدات والدعوات الرامية لوقف إطلاق النار في مأرب على وجه الخصوص.
وتحذر الأمم المتحدة من عواقب وخيمة على حياة أكثر مليون نازح يقطنون مدينة مأرب، حال امتداد الصراع إليها.
وفي 14 ديسمبر /كانون الأول الجاري، حذر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، من أن " حدة القتال ازدادت مع تجديد الحوثيين الضغط من أجل السيطرة على مدينة مأرب والحقول النفطية في المحافظة، بينما زاد التحالف من ضرباته الجوية دعما للحكومة اليمنية".
وأضاف في إحاطة له إلى مجلس الأمن: "ما زلتُ قلقا من احتمالية وقوع الحرب في المناطق الحضرية بالمدينة، وسيكون لذلك إن حدث تبعات مروعة على المدنيين".
وسبق أن ناشد مجلس الأمن الدولي جماعة الحوثي بضرورة وقف الهجوم المكلف على مدينة مأرب، محذرا من عواقب إنسانية وخيمة.
وأصبح ملف مأرب من أهم القضايا التي يناقشها المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ ونظيره الأممي هانس غروندبرغ ، في جولاتهما الدبلوماسية الرامية لوقف الحرب.
خسائر بشرية باهظة
أدت معارك مأرب المتواصلة إلى تكبيد القوات الحكومية والحوثيين خسائر باهظة غير مسبوقة في تاريخ حرب اليمن.
وفقد الطرفان آلاف القتلى والجرحى خلال الأشهر الماضية، بينهم قيادات عسكرية كبيرة، وفق إعلام محلي.
وقد كان آخر الشخصيات العسكرية البارزة التي سقطت في مأرب، قائد هيئة العمليات الحربية بوزارة الدفاع اليمنية اللواء الركن ناصر الذيباني، الذي قتل أثناء قيادته المعارك ضد الحوثيين جنوبي المحافظة في 13 ديسمبر الجاري.
جاء ذلك بعد أيام فقط، من مقتل علي علوان، الذي يحمل صفة قائد اللواء الثاني مشاه جبلي في جماعة الحوثي، أثناء قيادة المعارك في مأرب، فيما تعلن الجماعة بشكل يومي تشييع العشرات من مسلحيها في عدة محافظات، بعدما قتلوا في جبهات المحافظة الاستراتيجية.
وسبق أن أعلنت جماعة الحوثي أكثر من مرة، مؤخرا، عزمها على مواصلة القتال في مأرب، حتى السيطرة عليها وكامل اليمن.
تداعيات إنسانية
أدت معارك مأرب المستمرة إلى خلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، مع اتساع عدد النازحين في هذه المحافظة.
وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن مأرب لوحدها تحوي أكثر من مليون نازح، كأكبر تجمع للنازحين في اليمن، فيما تقدر السلطات الحكومية بأن عدد النازحين في المحافظة تجاوز 2 مليون، يشكلون أكثر من نصف نازحي البلد البالغ عددهم 4 ملايين.
ومنذ سبتمبر /أيلول 2021، نزح أكثر من 100 ألف شخص في مأرب، جراء التصعيد العسكري للحوثيين في الجبهة الجنوبية للمحافظة، وفق تقارير صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين التابعة للحكومة.
ويعيش العديد من نازحي مأرب، أوضاعا إنسانية بالغة الصعوبة، خصوصا أن الكثير منهم كانوا يعانون الفقر قبل تشردهم جراء الصراع.
ومنتصف نوفمبر /تشرين الثاني الماضي ، أعلن وكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، أن "هناك الآلاف من الأسر ممن هجرتها المليشيات الحوثية مؤخراً من مديريات مأرب الجنوبية، لاتزال تعيش في العراء وتفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة".
وفي الـ24 من الشهر ذاته، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أن مواقع النزوح البالغ عددها 137 موقعا في محافظة مأرب، شهدت زيادة كبيرة في عدد الوافدين الجدد منذ سبتمبر 2021.
ومع مرور نحو 7 سنوات من الصراع، تقول الأمم المتحدة، إنه بنهاية العام 2021، ستكون الحرب في اليمن قد أسفرت عن مقتل 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر.
وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات، وفق الأمم المتحدة.