ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية بتاريخ 22 مايو/ أيار عام 1990، بعد اتفاق بين رئيسي الشطرين حينها، علي عبد الله صالح (شمال)، وعلي سالم البيض (جنوب).
غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم، وشكاوى قوى جنوبية من "التهميش"، و"الإقصاء"، أدت إلى إعلان الحرب الأهلية التي استمرت قرابة شهرين في 1994، وعلى وقعها لا تزال قوى جنوبية تطالب بالانفصال مجددا، وتطلق على نفسها "الحراك الجنوبي".
وبعد 27 عاما من تحقيق الوحدة، وتحديدا في 2017، تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا ومنذ ذلك الوقت وهو يقود الأصوات الانفصالية، لا سيما أنه يسيطر على العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب) ومحافظة سقطرى (جنوب شرق)، إضافة إلى مناطق جنوبية أخرى.
وتأتي هذه الأزمة في ظل حرب مستمرة تشهدها البلاد منذ أكثر من 7 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وبعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد في 7 أبريل/ نيسان الماضي وفق مرسوم للرئيس عبد ربه منصور هادي بهدف استكمال الفترة الانتقالية بالبلاد، ذهب مراقبون إلى الاعتقاد أن هذه الخطوة قد تساهم في إعادة الوحدة الوطنية إلى الواجهة، وستؤدي لتلاشي الأصوات المنادية لإعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل 1990.
وأمام الفعاليات المناهضة للوحدة والمسيرات التي خرجت، السبت، بدعوة من المجلس الانتقالي في عدد من المحافظات الجنوبية، التي جددت التأكيد على دعوة الانفصال التي أطلقها الرئيس السابق علي سالم البيض في 21 مايو 1994، برزت العديد من التساؤلات بشأن مصير تحقق الوحدة.
وتحوم الشكوك حول ما إذا كانت الوحدة اليمنية تستطيع الصمود أمام تيارات فك الارتباط أم أن المستقبل سيجدد التأكيد على رسوخها وبقائها فترة أطول في بلدٍ تزداد الأوضاع فيه تعقيدا وسوءا، خصوصًا وهو يغرق في العديد من المشاكل، و(الوحدة) على رأسها، يضاف إليها فقدان الدولة وصراعات الهوية.
مفترق طرق
يعتقد الصحفي والكاتب السياسي فضل علي مبارك، أن "وحدة اليمن كنظام سياسي جامع قد وصلت إلى مفترق طرق ليس بين فرقاء الحياة السياسية فحسب، بل وعلى مستوى الشارع العام".
ويقول: "بفعل الكثير من التصرفات التي ارتكبها الشريك الشمالي في توقيع اتفاق الوحدة بحق الطرف الجنوبي وتماديه في استغلال قوته وامتلاكه مقدرات وثروات وإمكانيات الدولة واعتبار الطرف الجنوبي والذي هو أساسا شريك، مجرد تابع وفرع تم إعادته إلى أصله".
ويضيف مبارك أنه "سنحت للنظام السابق (نظام صالح)، الكثير من الفرص لإصلاح مسار الوحدة وإعطاء الجنوب حقه في الشراكة ولكنه أبى واستكبر متوهمًا بانتصاره أنه قد قضى على الجنوب وقواته عام 1994".
ويرى أن "موضوع انفصال واستعادة دولة جنوب اليمن أمر ليس بالسهل رغم مشروعيته وحق الناس في تقرير مصيرهم، لكنه مرتبط بالإقليم والقوى الكبرى في العالم التي تنظر إلى مصالحها بغض النظر عن رغبات وأحلام الشعوب ومبرراتها".
دعوات قديمة
"مطلب فك الارتباط ليس جديدا، هو يُرفع في الساحة الجنوبية منذ سنة 1994، وأخذ اتساعا أكبر مع تفجر ثورة الحراك الجنوبي السلمية في 2007 بقيادة مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين".
بهذه الكلمات استهل الكاتب الصحفي شفيع العبد، حديثه قائلا: "في كل عام يحتشد مؤيدو مشروع فك الارتباط في الساحات للتعبير عن تمسكهم به كخيار لحل القضية الجنوبية من وجهة نظرهم، بعد أن فقدوا الثقة في استمرارية مشروع الوحدة".
وثورة الحراك الجنوبي عام 2007، بدأت بتظاهرات من آلاف المتقاعدين الجنوبيين الذي تم تسريحهم من قبل نظام صالح السابق عقب حرب 1994، وسرعان ما تطورت التظاهرات إلى دعوات بالانفصال عقب ما اعتبروه "تجاهل" ذلك النظام لمطالبهم.
ويضيف العبد، "في تقديري الشخصي المشروع السلمي للوحدة اليمنية الذي أعلن عنه في 22 مايو 1990، قد فشل و تم وأده في حرب صيف 1994 التي أقصت الجنوب كشريك فاعل في المعادلة السياسية اليمنية".
ويوضح أن "المنتصر في تلك الحرب ظل يتجاهل كل الدعوات المطالبة بإصلاح مسار الوحدة وإعادة الاعتبار لها بوصفها هدف ناضلت من أجله الحركة الوطنية اليمنية، وتنازل من أجلها الجنوب عن دولة ذات سيادة وحضور فاعل في الإقليم والعالم".
ويتابع الكاتب اليمني، "في مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2013، الذي جاء بعد ثورة الشباب 2011، أدركت القوى السياسية اليمنية ولو متأخرة حقيقة فشل المشروع السلمي للوحدة وذهبت للبحث عن خيارات أخرى أو صيغة بديلة لها، وتم الاتفاق على الدولة الاتحادية، وهذا بحد ذاته يعد اعترافا صريحا منها بذلك الفشل".
والحوار الشامل الذي عقد بالعاصمة صنعاء 2013–2014، وشاركت فيه كل مكونات المجتمع اليمني السياسية الحزبية والمستقلة بما فيها ممثلين عن الحراك الجنوبي، أفضى إلى تحديد شكل الدولة اليمنية القادمة (دولة اتحادية من عدة أقاليم)، وتم رفضه من قبل جماعة الحوثي التي انقلبت على الحكومة الشرعية لاحقا.
ويرى العبد، "أن خارطة الحل الأمثل تبدأ من استعادة الدولة اليمنية وفي إطارها يمكن حلحلة كل القضايا وفي المقدمة منها إشكالية الوحدة على قاعدة احترام الإرادة الشعبية التي كفلتها التشريعات الدولية".
ويشير إلى أن "اليمن يحتاج اليوم إلى حليف صادق يساعده للخروج من مشاكله، لا أن يختلق له مشاكل وأعباء إضافية تزيد من تعقيداته وتنتهك سيادته وتعمل على تمزيق ما تبقى من نسيجه الاجتماعي".
"الوحدة مصير شعب"
من جهته، يعتبر الكاتب السياسي حسين البهام، أن "الوحدة اليمنية خيار ومصير شعب عاش على أمل تحقيقها وقدم قافلة من الشهداء من أجل ذلك الهدف السامي".
ويقول في حديثه"مؤسف أن نرى اليوم وبعد تحقيق هذا الحلم المنشود أن تخرج لنا بعض الأصوات المشبوهة لتنادي بالانفصال، بل وتقود حملة ضد احتفال الشعب بوحدته".
ويؤكد البهام أن "الوحدة لم تكن خيار مكونات أو قيادات سياسية أو أفراد، ولكنها التئام شعب مع بعضه، فليس من السهولة التخلي عنها أو التفريط بها"، موضحا أن "الشعب اليمني سيدافع عنها مهما كانت التضحيات".
الانتقالي يجدد دعوة الانفصال
وعلى الرغم من مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثلًا برئيسه عيدروس الزُبيدي في مجلس القيادة الرئاسي في إطار الدولة اليمنية، إلا أن المجلس جدّد دعوته بفك الارتباط وانفصال جنوب اليمن عن شماله.
وحيّت هيئة رئاسة المجلس في اجتماعها المنعقد أمس السبت، برئاسة عيدروس الزُبيدي، الحشود الجماهيرية الكبيرة التي خرجت في عموم محافظات الجنوب (السبت)، لإحياء الذكرى 28 لإعلان فك الارتباط.
وعبّرت، عن "تقديرها لتلك الحشود التي خرجت لتعبر عن إرادة شعب الجنوب وتمسكه بحقه في تقرير مصيره واستعادة دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة".