وتبرز الجمعيات التعاونية الأهلية في المناطق المحلية وتقوم بجهود بالغة الأهمية، خلال الفترة الماضية، لتنفيذ مشاريع وأعمال من اختصاص الدولة والسلطات الحكومية التي تخلت عن جزء كبير من مهامها في توفير الخدمات العامة.
ترصد "العربي الجديد" تنامي دور التعاونيات في أكثر من محافظة ومنطقة في اليمن بعد أن تخلت السلطات العامة عنها، ومعاناتها من تبعات جسيمة بفعل الحرب والصراع في البلاد، إذ يلاحظ تركزها بدرجة رئيسية في خمس محافظات أهمها ريمة شمال غربياليمن، والتي تسجل قصص نجاح لافته في شق الجبال والصخور وتعبيد الطرقات وإيصالها إلى مناطق جبلية شاهقة.
يقول مسؤول جمعية تعاونية في ريمة، منصور أبو الفضل، لـ"العربي الجديد"، إن الأهالي والتعاونيات في مثل هذه المناطق قرروا القيام بدور الدولة، بعد أن وصلت معاناتهم إلى ذروتها في وعورة الطرق وصعوبة التنقل.
في حين يشير المواطن علي فاخر، من سكان منطقة دمت التابعة لمحافظة الضالع جنوبي اليمن، إلى أن الناس كانوا يتنقلون بواسطة "الحمير" من منطقة إلى أخرى بعد أن قطعت الحرب أوصال هذه المحافظة التي يتقاسم طرفا الصراع السيطرة عليها، مضيفاً أن المشاريع الخاصة للأهالي ساهمت في تخفيف حدة مشكلة التنقل بنسبة تزيد على 55%.
تعتبر اليمن بلداً يغلب عليه الطابع الريفي بالنظر إلى أن ما يزيد على 65% من السكان يقطنون المناطق الريفية، 90% منهم فقراء، وهو ما يجعلهم بحاجة دائمة للتنقل والوصول إلى الأسواق والمرافق الصحية والتعليمية وفرص العمل، ناهيك عن أن هناك 12 محافظة يمنية معظم مناطقها جبلية.
ويعد ملف الطرق من أكثر الأزمات المعقدة في اليمن بفعل الحرب والصراع وما رافقهما من انقسام وتعدد السلطات الحاكمة، وتحكمها في خطوط السير والتنقل وتعقيدات النقل التجاري الداخلي وتدهور وتأكل الطرق التي لم تخضع لأي أعمال صيانة وتجديد وتحديث منذ ما يزيد على ثماني سنوات.
الخبير الهندسي في مشاريع الأشغال العامة أكرم الشلفي يؤكد، لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة لا تقتصر على المواد والأدوات المستخدمة، وذلك بسبب تركيز البعض على التكسب من وراء هذه المشاريع بدلاً من التخطيط السليم والصحيح لها، والتي تتجسد في أشياء عديدة أهمها القصور الفني وعدم إيجاد مصارف للمياه، الأمر الذي يؤدي إلى تجمعها في الشوارع وخطوط السير، وبالتالي تأكلها واندثارها.
وتؤرق هذه المشكلة السلطات المحلية في اليمن بشكل كبير، ويظهر ذلك في ارتفاع وتيرة الاجتماعات والتحركات والجهود، خلال الفترة القليلة الماضية، التي تبحث استفحال هذه الأزمة المستعصية عن الحل وما تتسبب به من هدر مالي وفساد، إذ عقدت الجهات المختصة في العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية عدن، مؤخراً، الاجتماع الطارئ الثاني في أقل من شهر لمناقشة قضية اختلالات مشاريع الطرقات.
حسب مصادر مسؤولة في صندوق صيانة الطرق والجسور الحكومي، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن هناك خططاً مستخلصة من هذه التحركات والجهود للقيام بإصلاحات البنية التحتية لطرقات المدن، مثل عدن، من أجل تسهيل حركة النقل والمواصلات، إضافة إلى صيانة وتأهيل وسفلتة خطوط السير والشوارع الرئيسية والفرعية الحيوية التي يجب أن تشمل المدن والمناطق الأخرى التابعة لإدارة الحكومة اليمنية.
وانعكس تفاقم هذه الأزمة والملف المستعصي عن الحل في ارتفاع تكاليف المواصلات والنقل التجاري في اليمن بنسبة تفوق 500%، بينما يشكو تجار ومسافرون على الطرق الداخلية الوعرة الرابطة بين المدن والمناطق اليمنية ومنافذ الاستيراد من التجاهل المتعمد الذي تظهره أطراف الصراع في اليمن.
من جانبه، يتطرق المحلل الاقتصادي جلال عبد القادر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن انشغال الجهات الحكومية المعنية والمختصة والسلطات المحلية بالترقيع المستمر للحفريات في الشوارع والطرقات واختلالات تنفيذ مثل هذه المشاريع، جعلها تهمل المناطق المحلية وطرق الخطوط السريعة مع تضخم تكاليف تدهورها وخسائرها الاقتصادية والتنموية.
ويقول الباحث الاقتصادي صادق علي، لـ"العربي الجديد"، إن الصراع في اليمن تسبب في تدمير جزء كبير من الطرقات وخطوط السير بين المدن وشبكة النقل الخاصة بالإمدادات الغذائية والدوائية، ما يجعلها أحد أهم العوامل التي فاقمت الأزمة الاقتصادية والمعيشية والإنسانية في البلاد.
وتشدد الجهات والدوائر الحكومية المختصة بالأشغال العامة وصيانة الطرق على ضرورة التدقيق في مناقصات عمل المشاريع والالتزام ببنودها، من حيث جودة العمل ومتطلباته والوقت المتفق عليه ومتابعة ومراقبة سير العمل والتعامل مع المخالفات بحزم وجدية وفق النظام والقانون.
الجدير بالذكر أن إجمالي طول شبكة الطرق البرية في اليمن، بحسب الإحصائيات الرسمية، يبلغ نحو 50,000 كيلومتر، منها 16,000 كيلومتر طرق معبدة "إسفلتية"، و36,000 كيلومتر عبارة عن طرق حصوية وعرة.