حيث خرج الملس بتصريحات قبل نحو أسبوع، تحديدًا في 17 من يونيو الجاري، يدعي فيها بأن الحكومة تتنصل عن مسؤولياتها فيما يخص توفير وقود الكهرباء في عدن، ويشن هجومًا حادًا على الحكومة في ظل وجود توترات سياسية تخيم على المشهد داخل مكونات الشرعية.
وقف إيرادات عدن
وتأتي تصريحات محافظ عدن عقب إصداره في 12 يونيو الجاري، قرارًا بوقف توريد إيرادات عدن إلى البنك المركزي اليمني، معتبرًا ذلك بأنه يأتي نتيجة لتخلي الحكومة عن التزاماتها اتجاه كهرباء عدن.
وذكر الملس في تلك التصريحات بأن ذلك القرار الذي اتخذه لم يكن سياسيًا، وإنما هو تعبير عن الرفض التام لعدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها في تشغيل كهرباء عدن، متهمًا الحكومة باستخدام هذه الملف كأداة لمعاقبة المواطن في ظل عدم وضع معالجات لتأمين وقود الكهرباء.
وجاء قرار المحافظ في أوقات تواجه الحكومة مشاكل وضغوطات اقتصادية جراء نقص حاد في مصادر التمويل، إذ خسرت مليارات الدولارات من الإيرادات؛ نتيجةً لتوقف تصدير النفط إثر هجمات الحوثيين على موانئ التصدير الرئيسية في شبوة وحضرموت، إضافة إلى الضغط الدولية بفتح ميناء الحديدة الذي بدوره عطل ميناء عدن.
ضعوطات سياسية
من الواضح أن تصريحات لملس المتلفزة تلك ألقاها تحت ضغوطات كبيرة مورست عليه من قبل أطراف سياسية معينة، خصوصًا وأنها جاءت في وقت شديد الحساسية بين أطراف الشرعية، وفق مراقبون.
وجاءت أيضًا أعقاب هجوم شنه عضو المجلس الرئاسي أبو زرعة المحرمي على الحكومة، ما يؤكد بأن هناك استهداف منظم ومقصود للحكومة لأسباب سياسية يبدو بأنها غير معلنة، لكنها كشفت عن الفساد الكبير المحيط بقطاع الكهرباء بعدن ومحافظات الجنوب ولفتت انتباه الناس لحجم الكارثة التي بدورها أخرجت الحكومة من دائرة الصمت!.
توضيح حكومي
بدأت بعض الأطراف تشن هجومًا حادًا ضد الحكومة على الصعيدين السياسي والإعلامي على وقع تصريحات محافظ عدن، لكن الحكومة خرجت بتوضيحات دقيقة بخصوص ملف كهرباء عدن، فندت فيها جميع الاتهامات التي قادها المحافظ الملس، أعقب ذلك توجيهات رئاسية للأخير بسرعة توريد إيرادات عدن إلى البنك المركزي.
إذ نشرت وكالة سبأ الحكومية قبل ثلاثة أيام في 18 يونيو، تصريحات عن مصدر حكومي مسؤول بيّن فيه حجم الانفاق الحكومي المهول على قطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن، مستغربًا من تصريحات المحافظ الملس الذي ادعاء فيها تنصل الحكومة في خدمة الكهرباء.
وقال المصدر بأن المحافظ يدرك بأن الحكومة عملت ومازالت تعمل بكافة الإمكانيات المتاحة لدعم خدمة الكهرباء في عدن وعموم المحافظات المحررة، مؤكدًا بأنها مسؤولية لن تتنصل عنها الحكومة مطلقًا حتى في أصعب الظروف.
وبحسب المصدر فإن إنفاق الحكومة على كهرباء عدن يمثل نسبة 60% من انفاقها على القطاع بشكل عام في كل المحافظات المحررة، وتعتبر هذه النسبة كبيرة للغاية بالنسبة لمحافظة واحدة، وتستهلك جزء كبير من خزينة الدولة، وهو ما ينفي ادعاءات محافظ عدن بشأن تراخي الحكومة عن توفير وقود كهرباء عدن.
أرقام ضخمة
تستنزف تكاليف تشغيل كهرباء عدن وحدها في الشهر الواحد أموالًا ضخمة للغاية وغير مسبوقة، ووفق ما ذكره المصدر الحكومي، فإن كلفة توليد الكهرباء في المحافظة تبلغ 55 مليون دولار شهريًا في حدها الأدنى فقط، مشيرًا إلى أن هذه الكلفة لا تشمل النفقات التشغيلية والصيانة.
وأكد المصدر بأن الانفاق اليومي لتشغيل الكهرباء ليوم واحد لغضون 8 ساعات فقط، يبلغ قرابة مليون و800 ألف دولار، وتشمل مليون و200 ألف من ذلك المبلغ قيمة مشتقات نفطية من مازوت وديزل، بالإضافة إلى النفط الخام.
ولم يتوقف الأمر هنا فقط، إذ بحسب المصدر فإن ذلك النفط الخام المخصص لتشغيل محطة بترومسيلة في عدن والذي تقدر قيمته ما بين 400 إلى 600 ألف دولار يوميًا بحسب أسعار النفط الخام عالميًا، ويتم توفير 80% منه من حقول نفط مأرب، كما ذكر.
عززت التوضيحات التي سردتها الحكومة وضمنتها بأرقام دقيقة التي كشفت حجم الإنفاق الحكومي لتشغيل قطاع الكهرباء، عززت من الوعي المجتمعي وفندت التضليل الذي ورد فيما يخص ملف الكهرباء عدن، ودحضت الخطاب التحريضي الذي استهدف الحكومة بشكل مباشرة.
حيث كانت قد بدأت أقلام ووسائل إعلام انتهازية بشن حملات إعلامية ضد الحكومة وحاولت من خلالها تشوية صورة الحكومة لدى المواطنين، رافق ذلك نشر العديد من الشائعات والأخبار المضللة.
لكن سرعان ما تراجع محافظ عدن عن القرار الذي اتخذه بمنع توريد إيرادات المحافظة للبنك المركزي، بعد بيان الحكومة الذي كاشفه بكل الأرقام والحقائق فيما يخص كهرباء عدن، في خطوة أشعرته بالحرج وجعلته يمتثل للتوجيهات ويعتدل عن قراره.
إيرادات شبه منعدمة
على الرغم من التكلفة الباهضة والأرقام الكبيرة التي تستهلكها كهرباء عدن، إلا أن عائدات هذا القطاع تبدو شبه منعدمة، حيث أشار المصدر الحكومي إلى أن إيرادات كهرباء عدن الشهرية لا تغطي تكلفة تشغيل يوم واحد.
وفي هذا الصدد، لفتت مصادر خاصة إلى أن الإيرادات التي يتم تحصيلها من قطاع الكهرباء في محافظة عدن لم يتم توريدها إلى البنك المركزي، مشيرًا إلى أنها تذهب إلى حسابات خاصة بقيادات ونافذين هناك.
وذكر المصدر إلى أن الإيرادات العامة للمحافظة يتم توريد منها 20% فقط من حجم الإيرادات الحقيقية التي يتم تحصيلها، لافتًا إلى أن استمرار الفساد يعيق عمليات الإصلاحات الاقتصادية التي تعمل عليها الحكومة والبنك المركزي.
التهام منح المشتقات
من جانب آخر، قال المصدر الحكومي بأن نصيب محافظة عدن من منحة المشتقات النفطية المقدمة من السعودية بلغ نحو 60%، وكانت الأولى منها بقيمة 440 مليون دولار وغطت عامًا كاملاً بفترة مايو 2021 إلى إبريل 2022، والثانية بقيمة 170 مليون دولار غطت الفترة من إكتوبر 2022 وحتى مارس من العام الحالي.
والجدير ذكره، بأنه منذ انتهاء منحة المشتقات النفطية الثانية تلك، في مارس الماضي، انفقت الحكومة من حينها أي خلال الثلاثة الأشهر الماضية فقط وإلى الآن نحو 150 مليون دولار لتوفير وقود الكهرباء في عدن، وهو رقم كبير للغاية ويستنزف موارد الحكومة.
انفاق الحكومة اليومي على الكهرباء في خمس محافظات محررة بلغ أقل، بفارق 20% من حجم انفاقها على كهرباء عدن وحدها، أي تنفق على كهرباء "حضرموت، شبوة، المهرة، لحج، أبين" بشكل يومي بنسبة 80% من حجم انفاقها على كهرباء عدن التي تأخذ أكثر من نصيب خمس محافظات، وفق تقديرات الأرقام الذي ذكرها المصدر الحكومي في خبر وكالة سبأ.
ثقب أسود
تستمر الكهرباء في المحافظات الجنوبية سيما عدن، باستنزاف موارد الدولة بشكل مخيف للغاية، إذ يرى مراقبون بأن ذلك يعيق من عمل الحكومة ويستهلك جزء كبير من انفاقها، لافتًا إلى ضرورة تشكيل رقابة على هذا القطاع ومعالجته والتخلص من بؤر الفساد فيه.
ويرى خبراء اقتصاديون بأن الكهرباء ثقب أسود تلتهم ملايين الدولارات يوميًا، وهو أمر مؤسف بأن يستمر الحال كما هو عليه، مشيرين إلى ضرورة أن يتم حلحلة الوضع
قبل أن تزاد المشاكل الاقتصادية التي تمر بها الحكومة حاليًا تأخذ منحنيات أكثر تعقيدًا.
ووفق الخبراء فإنه إذا جمعنا ما تقدمه الحكومة للكهرباء في كافة المحافظات المحررة إلى جانب عدن فقد يصل إلى 100 مليون دولار شهريًا بمعنى 1.2 مليار دولار سنويًا تذهب إلى الكهرباء، وهذا رقم كبير مقارنة بحجم الإيرادات الحالية الضئيلة التي تتحصلها الحكومة.
ولفتوا إلى أن تعاظم أنفاق الحكومة على الكهرباء إلى أن يصل لنحو 150 مليون دولار خلال أقل من ثلاثة أشهر، وهو رقم كبير جدًا، لا سيما في ظل فقدانها لأهم إيراداتها المتعلقة بعائدات النفط والغاز، والجمارك والضرائب الملاحية.
وفي هذا الخصوص، وأوضح المصدر الحكومي بأن الإيرادات في أكبر المحافظات المحررة سواء المركزية أو المحلية لا يمكنها تغطية النفقات فيها، حيث تتحمل الحكومة والبنك المركزي فوارقها في جميع المحافظات.