على الجانب الإقليمي، تحرص المملكة العربية السعودية على الخروج من اليمن وذلك فقط إذا تمكنت من ضمان نتائج معينة. فعندما دخلت المملكة العربية السعودية الحرب في مارس 2015، كان هدفها المعلن هو إخراج الحوثيين من صنعاء وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، ولكن مع مرور الوقت تطورت هذه الأهداف وذلك مع إثبات الجيش السعودي أنه أقل قدرة مما كان متوقعاً.
ثم رحل هادي، وازاحته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في أبريل 2022، ويبدو أن الأولى الآن مستعدة لقبول حكم الحوثيين في شمال اليمن.
ومع ذلك، فإن ما لا ترغب السعودية في قبوله هو جنوب يسيطر عليه المجلس الانتقالي الجنوبي بالكامل، الأمر الذي من شأنه أن يترك عدداً من الحلفاء السعوديين في العراء. وبدلاً من ذلك، تصر المملكة العربية السعودية على أن مجلس القيادة الرئاسي وهو تجمع غريب من ثمانية رجال من الخصوم السياسيين تم تشكيله في أعقاب استقالة هادي يحكم الجنوب بشكل مشترك.
ليس من الغريب أن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك السابق للمملكة العربية السعودية على الرغم من تزايد منافستها في اليمن، فإنها تتخذ وجهة نظر مختلفة، وتدعم بقوة المجلس الانتقالي الجنوبي وتعارض بشدة حزب الإصلاح الذي يشغل مقعداً في مجلس القيادة الرئاسي وينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها الإمارات منظمة إرهابية.
وقد تم تصميم مجلس القيادة الرئاسي للتغطية على التصدعات التي ظهرت في التحالف المناهض للحوثيين، حيث اختارت كلاً من السعودية والإمارات أربعة أعضاء، حيث دعمت المملكة العربية السعودية في المقام الأول المرشحين الشماليين: رشاد العليمي وزير الداخلية السابق الذي تم تعيينه رئيسًا لمجلس القيادة الرئاسي، وكذلك سلطان العرادة محافظ مأرب، و عبد الله العليمي (لا علاقة له برشاد) عضو حزب الإصلاح، وعثمان مجلي عضو البرلمان اليمني عن محافظة صعدة.
ومن جهة أخرى، دعمت الإمارات ثلاثة مرشحين جنوبيين وواحد شمالي مقره الجنوب: عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وفرج البحسني محافظ حضرموت آنذاك ، وعبد الرحمن المحرمي قائد كتائب العمالقة المدعومة إماراتيا، إلى جانب طارق صالح، ابن شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
وبالنظر إلى الأهداف السياسية المختلفة للمجموعات الممثلة ، فإنه لماذا من الغريب أن مجلس القيادة الرئاسي فشل في تقديم جبهة موحدة ضد الحوثيين. وبدلاً من ذلك، انقسم المجلس حيث تناور كل مجموعة لتعظيم موقفها.
يدعو المجلس الانتقالي الجنوبي إلى دولة جنوبية مستقلة، الأمر الذي يتعارض مع الأهداف المعلنة لمجلس القيادة الرئاسي.
فإن عبد الله العليمي _من الإصلاح_ ورشاد العليمي وصالح جميعهم يتشدقون بفكرة الدولة اليمنية الموحدة، لكنهم جميعاً يعملون لضمان أن مجموعتهم - المعارضة للاستقلال في الجنوب - تأتي في المقدمة.
وعلى هذه الخلفية، اتخذ الزبيدي خطوته في أوائل مايو.
وفي نهاية مؤتمر استمر أربعة أيام في عدن، أعلن الزبيدي أنه يعيد تشكيل قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
بالطبع سيبقى الزبيدي رئيساً لكن بدلاً من نائب واحد كما كان الحال في الماضي، عيّن ثلاثة نواب للرئيس: البحسني والمحرمي واللواء أحمد سعيد بن بريك.
البحسني والمحرمي يعدون عضوان أيضاً في مجلس القيادة الرئاسي، مما يعني أن المجلس الانتقالي الجنوبي يضم الآن عدداً كبيراً من الأعضاء في المجلس الرئاسي. وهذا يعني أيضاً أن الحلفاء الجنوبيين الثلاثة المواليين للإمارات العربية المتحدة هم الآن، ظاهرياً على الأقل، في نفس الجانب.
ورحب عبد الخالق عبد الله _المعلق الإماراتي البارز والمستشار الحكومي_ بالخطوات قائلاً إنها أرست الأساس لدولة جنوبية مستقلة.
شيئين آخرين يُبرِزان اختيار الزبيدي للبحسني كواحد من نوابه يعطي المجلس الانتقالي الجنوبي حليفاً مهماً في حضرموت _وهي محافظة جنوبية رئيسية بها حقول النفط والغاز_ والتي سيحتاجها المجلس الانتقالي الجنوبي إذا كان يريد تحقيق حلمه بدولة جنوبية مستقلة.
ويدعم ضم المحرمي _قائد لواء العمالقة_ الجناح العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي من المرجح أيضاً أن يلعب دوراً مهماً في مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي من أجل الاستقلال.
واصل الزبيدي حشد الدعم في حضرموت، ووضع أسس الاستقلال من خلال تسمية صالح القعيطي _نجل آخر سلاطين القعيطي_ في حضرموت، مستشاراً وممثلاً خاصاً للشؤون الخارجية. وفي أعقاب ذلك الإعلان في أواخر مايو، أعلن والد صالح القعيطي (غالب القعيطي) عن دعمه للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وقد تراجعت المملكة العربية السعودية، المتاخمة لحضرموت والتي أدركت أهمية تحركات الزبيدي، من خلال إنشاء المجلس الوطني في حضرموت في أواخر يونيو. وبذلك فإن المجلس الوطني في حضرموت هو مجرد محاولة اخيرة من قبل المملكة العربية السعودية لتطعيم رؤيتها لليمن على الدولة نفسها.
فبالأغلب، سواء مع مجلس القيادة الرئاسي أو المجالس المحلية الأخرى، لم تنجح هذه المحاولات بشكل جيد. وقد يميل السكان المحليون إلى رفض التجمعات والقيادة على أنها اشترتها ودفعت ثمنها المملكة العربية السعودية.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إنشاء السعودية لقوات درع الوطني، والقوات التي أعلن عنها في أواخر كانون الثاني / يناير، والتي تتبع مباشرة لرشاد العليمي _رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
على الرغم من أن هذه القوات تهدف إلى مواجهة الحوثيين، إلا أنها قد تجد نفسها في نهاية المطاف في صراع مع المجلس الانتقالي الجنوبي، لا سيما إذا استمر الزبيدي في تقويض رشاد العليمي ومجلس القيادة الرئاسي في سعيه نحو الاستقلال.
فقد كان الزبيدي واضحاً منذ لحظة تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2017 أنه لن يقبل بأقل من دولة جنوبية مستقلة. فلسنوات، ونظراً للقتال ضد الحوثيين، بدا هذا الهدف مستحيلًا. ولكن الآن بعد أن اقتربت الحرب ضد الحوثيين من نهايتها، يقوم الزبيدي بترتيب رقعة الشطرنج وتشكيل الحلفاء.
قد لا يكون الأمر سهلاً، ومن المحتمل أن ينطوي على قتال مع زملائه الأعضاء في مجلس القيادة الرئاسي، ولكن للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين ونصف، أصبح استقلال الجنوب أكثر من مجرد حلم.