محمد عبد السلام، وفي تصريحات خاصة لصحيفة "الشرق الأوسط"، أشار إلى أمله "أن تُتوَّج هذه المفاوضات بتقدم ملموس في كل الملفات الإنسانية والعسكرية والسياسية، ومعالجة آثار الحرب، وبما يحقق السلام والاستقرار في عموم اليمن ودول الجوار والمنطقة"، مضيفاً "تفاءل دائماً بالخير، والسلام مطلب أساسي لنا وخيارنا الأول الذي نعمل عليه".
هذه اللغة السياسية – الإيجابية من رئيس الوفد الحوثي، تشير إلى أن المباحثات السابقة التي جرت في سلطنة عمان واليمن والأردن، وأيضا الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية في لقائها مع مختلف الأطراف اليمنية التي زارت الرياض وجدة، كل تلك الخطوات أثمرت الوصول إلى تفاهمات حقيقية، وآن وقت جعلها مشاريع عمل تتصف بالديمومة، بحيث يتم تثبيت وقف إطلاق النار وتحويل الهدنة إلى "سلام دائم"، ويتم احترام الحدود واتباع سياسة حسنِ الجوار.
الهدوء العسكري سيقود بشكلٍ تلقائي إلى ترتيب الأوضاع الأمنية، وتخفيف الاحتقانات الداخلية بين الأحزاب والمكونات اليمنية المتنوعة، ويجعل الأجواء أكثر ملاءمة لإيجاد حلول لقضايا ملحة كـ"الرواتب" وصادرات النفط والغاز، وأموال وتحويلات "البنك المركزي"، وفك الحصار عن المدن، والبدء في معالجة الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً المتعلقة بالماء والغذاء والدواء والوقود والكهرباء، إضافة لترتيبات عمليات نقل السلع والبضائع بين المحافظات والمدن المختلفة.
هذه المباحثات السياسية التي تحتضنها السعودية، هي فرصة سانحة لبناء حكومة وحدة وطنية يمنية، يكون الحوثيون جزءا منها، خصوصاً أن هنالك دعما دوليا وإقليميا وحتى يمنيا لجهود الرياض، حيث أشاد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في تصريحات لقناة "العربية" بدور السعودية لإحياء مفاوضات السلام باليمن، مشيرا إلى أن "زيارة وفد الحوثيين للرياض تطور مهم لإنهاء الحرب".
من جهتها، رحبت الحكومة اليمنية بجهود السعودية وعُمان والمساعي الأممية والدولية الهادفة لدفع الحوثيين نحو التعاطي الجاد مع دعوات السلام، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، وفق البيان الذي حصلت "العربية" على نسخة منه، والذي شددت فيه على "استمرار نهجها المنفتح على كافة المبادرات الرامية إلى إحلال السلام العادل والشامل، وفقاً للمرجعيات الثلاث".
في ذات السياق، أكدت "98 منظمة إغاثية دولية ومحلية أن اليمن يقف أمام الفرصة التاريخية للتحول نحو السلام الدائم، وقالت إن المجتمع الإنساني ملتزم بدعم هذا التحول، ونبهت إلى أن اليمنيين يتطلعون إلى المستقبل والابتعاد عن المساعدات الإنسانية نحو الاعتماد على الذات وإعادة بناء بلدهم"، وفق تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط".
هذه الحالُ من "الإيجابية الواقعية" ليست أمنياتٍ حالمة تتجاهل تعقيدات الملفات المتراكمة، خصوصاً تلك التي تتعلق بتبادل الأسرى، أو مكان البنك المركزي، أو التفاصيل الميدانية - الأمنية التي تتشابك فيها عدة عوامل قبلية، وجهوية، وأيضاً وجود تنظيمات إرهابية فاعلة استغلت ضعف الدولة المركزية، كتنظيم "القاعدة"، كل هذه الملفات السعودية والجهات المعنية بالسلام في المين ليست بغافلة عنها، إلا أنها تسعى لأن تخلق أرضية صلبة سياسياً وأمنياً، تساهم في حلٍ يتم على مراحل، بحسب الأولويات التي يتوافق عليها اليمنيون.
لو عاد المراقب للخط الزمني، سيجد أن الرياض عملت بهدوء، بعيداً عن التعجل أو الإعلام، من أجل مد الجسور، ودعم العملية الإنمائية والسياسية.
إبريل الماضي، زار السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، العاصمة صنعاء، وذلك من أجل تثبيت الهدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام.
بدايات أغسطس المنصرم، ومن أجل "معالجة عجز الموازنة الخاصة بالحكومة اليمنية ودعم مرتبات وأجور ونفقات التشغيل ودعم ضمان الأمن الغذائي"، قدمت المملكة دعماً اقتصادياً بقيمة 1.2 مليار دولار للجمهورية اليمنية، وفق ما جاء في نشرة "البرنامج السعودي للتنمية وإنماء اليمن".
المشرف العام على "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" د. عبد الله الربيعة، أشار في وقت سابق إلى أن حجم المساعدات السعودية لليمن تخطى حاجز الـ17.3 مليار دولار أميركي، منها 3.5 مليار قدمت عبر مركز الملك سلمان للإغاثة.
هذا الإنفاق الكبير هدفه دعم الشعب اليمني، والتأكيد على أن العلاقة لا تقتصر على السياسيين اليمنيين وحسب، بل الهدف هو بناء جسور التواصل مع الشعب، وتخفيف المعاناة عن الناس، وتلبية احتياجاتهم الملحة.
قُبيل وصول الوفد الحوثي إلى الرياض، وفي 11 سبتمبر الجاري، جرى اتصال بين وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ورئيس "مجلس القيادة الرئاسي اليمني" الدكتور رشاد العليمي، تم التأكيد فيه على "استمرار المملكة بدعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وحرصها الدائم على دعم كافة الجهود للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، يُحقق الأمن والاستقرار لليمن وشعبه"، وفق ما دونه الأمير خالد بن سلمان عبر حسابه بمنصة X.
التواصل السعودي كان مع الجميع، ولم يعمل على استثناء أحد من الفاعلين السياسيين اليمنيين، وهو ما حدا بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى إصدار بيان جدد فيه "موقفه المرحب بالمبادرة السعودية للسلام التي أعلنت في مارس 2021، في إطار دعمه الدائم لكل جهود السلام".
ما سينتج عن مباحثات الرياض، سيشكل خارطة طريق عملية للسلام في اليمن، وهي عملية تحتاج إلى شراكة حقيقية بين جميع اليمنيين، تغلب المصلحة الوطنية العليا على الحسابات الحزبية أو المناطقية الضيقة.