“عندما عرف زوجي بأني حامل غضب وصرخ في وجهي، وأمرني بالإجهاض بأي طريقة، لأن دخله ضعيف جدا، وغير قادر على توفير احتياجات البيت، يالله وهو يقدر يصرّف على طفلينا الاثنين ويوفر احتياجاتهما”، هكذا لخصت سهام حكايتها المؤلمة مع الإجهاض، بصوت حزين وملامح يملأها الندم.
تقول سهام -اسم مستعار- (28عاما)، إنها متزوجة من رجل يعمل بحافلة نقل “باص” في محافظة تعز، تعود ملكيتها لوالده، وتعيش مع زوجها وطفليهما في غرفة بمنزل عمها “والد زوجها”، لأن دخل زوجها ضعيف جدا، ولا يساعدهما على الاستقرار بحياتهما وإنجاب المزيد من الأطفال.
وتضيف في حديثها لـ يمن مونيتور: ” أجهضتُ في البيت باستخدام أعشاب وقهوة وقرفة وعسل، حتى سقط الجنين، لم أتعب كثيرا لأن حملي كان له فترة قليلة، تقريبا شهر ونصف”.
وتوضح، أنها كانت تستخدم غرزة منع الحمل، لكن بسبب استخدامها المتواصل لها ظلت تعاني من انقطاع “الدورة الشهرية” لمدة عامين، فقررت أن تنقطع عنها من أجل استبدال الطريقة بعمل “لولب”، لكنها تفاجأت أنها حامل قبل أن يكتمل الشهر.
تتحسر سهام على حالها، “والله لو أن زوجي يشتغل ومعه مصدر دخل لن أضطر أني أجهض النونو (الطفل)، لأنه حرام وهذه نفس (روح) نتحملها، لكن وضعي المعيشي صعب وعايشين بصعوبة يالله واحنا نوفر لقمة العيش، وزوجي كل الناس تسأله ديون”.
رعب خفي
تتشارك مع سهام هذه المعاناة، الكثير من نساء المجتمع اليمني، حيث أصبح رعب الحمل، وإنجاب طفل مشكلة، من خلال عملية رصد ميدانية لـ يمن “مونيتور” رصد خلالها 10 حالات إجهاض بسبب الوضع المعيشي، إلا أن عملية الإجهاض تتم بصورة خفية في اليمن، كون الإجهاض من المواضيع الحساسة اجتماعيا، حيث يواجه باللوم والاستنكار في حال حدوثه حتى وإن كانت المرأة متزوجة.
على الرغم من أن الإجهاض فعلا محرما دينيا وأخلاقيا ما لم يكن له سبب صحي، إلا أن الفقر والظروف والانهيار الاقتصادي، نتيجة الحرب المستمرة منذ 9 سنوات، أخذت تخلق تعقيدات في تكوين الأسرة، حيث لا ضمانات لمستقبل الأطفال وليس هنالك حلولا أمام أزواج غير قادرين على إنجاب الأطفال في ظل هذه الظروف.
الدافع الأول
في مارس 2023م، ذكر تقرير صندوق الأمم المتحدة والسكان، أن اليمن يعيش واحدة من أعمق الأزمات الإنسانية وأكثرها رسوخًا في العالم، في ظل نزاع مُطَوَّل وطاحِن، وانهيار اقتصادي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث يحتاج 21.6 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، ولا يتمكن 80 في المائة من السكان من وضع طعام على المائدة.
كما تشير البيانات الحكومية الحديثة إلى أن اليمن يواجه منذ أكثر من ثماني سنوات وضعاً صعباً ومعقداً على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والإنسانية، فقد انكمش الناتج المحلي بأكثر من 50% ، وارتفعت نسبة الفقر إلى حوالي 80%، وارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى أكثر من 60% ، وتشرد أكثر من 4.3 مليون نازح. بحسب تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي أكتوبر 2023.
ونتيجة لارتفاع نسبة الفقر في اليمن، تقول الدكتورة “إسراء” -اسم مستعار- وهي طبيبة نساء وولادة في محافظة إب: “تأتيني نساء يردن الإجهاض لأسباب مختلفة وقد تكون أبرزها الأوضاع الاقتصادية السيئة، وكثرة الأفراد بداخل الاسرة الواحدة، أو بسبب نوعية الجنين وأحيانا بسبب نفسية الام، وقد وصلت حالات الإجهاض خلال ٣ سنوات الأخيرة إلى ١٥ حالة تقريبا ً والتي بالفعل تم إجهاضها”.
وتضيف إسراء في حديثها لـ يمن مونيتور: هناك حالات نجري لها عملية الإجهاض بعد سماع الأسباب والمبررات، وهناك حالات أخرى نستطيع إقناع الأب والأم بأنه لا داعي للإجهاض لأي سبب كان.
تتزايد عمليات الإجهاض في اليمن، لكنها تجري بعيداً عن الأنظار، والدافع الأول لها هو الفقر. فمن خلال عملية بحث ميدانية، تمكن موقع “يمن مونيتور” من الوصول إلى عدد 10 نساء لجأن للإجهاض ما بين عامي 2016 – 2023م، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وعدم قدرة الأسر على توفير احتياجاتها الأساسية، في كل من (صنعاء وإب والحديدة وتعز ومأرب).
غالبية تلك الأمهات، استخدمن طرقًا تقليدية للإجهاض، مثل تناول الأعشاب الطبيعية، كالعسل والقرفة، لتحفز بذلك عملية إجهاض أو إسقاط الجنين، وبلا شك قد يسبب ذلك لربما مضاعفات صحية تكون خطيرة في بعض الأحوال، وهنا تضطر الأم للذهاب إلى الأطباء أو القابلات، فيما البعض تلجأ للأطباء وقد يستدعي الأمر تدخلاً طبيًا ينتهي بإجراء عمليات جراحية.
مضاعفات صحية ونفسية
في شهرها الثاني من الحمل، أجبرها زوجها على الذهاب إلى الطبيبة وأخذها بيده إليها ليتم إجهاض حملها السابع بسبب وضعهم الاقتصادي المتردي، خصوصا وأن أصبح زوجها عاطلاً عن العمل، بعد سرقة مصدر رزقه الوحيد (الدراجة النارية).تقول “سلوى” – اسم مستعار- من سكان محافظة إب.
وتتابع لـ يمن مونيتور: في البداية عارضت زوجي؛ لكن إصراره عليّ ونتيجة وضعنا المعيشي حتّما علي الموافقة، ولا أخفي شعوري بالحزن والألم النفسي الذي شعرت بهما بعد الإجهاض، خصوصا وأن الحمل حدث بسبب نسياني تناول دواء منع الحمل.
معاناة سلوى في ريف محافظة إب لا تختلف كثيرا عن معاناة “خولة” – اسم مستعار-، في ريف خولان بمحافظة صنعاء، التي دفعها الوضع المعيشي والفقر لاتخاذ قرار الإجهاض، لأن لديها ٨ أطفال، ويصعب عليها وزوجها أن يوفروا لهم المأكل والمشرب، فضلا عن احتياجات الأسرة في ظل هذا الوضع، وإذا قدر الله وحصل لهم مرض يضطرون للبحث عن من يقرضهم المال سلفة لشراء العلاج. تقول خلال حديثها لـ يمن مونيتور.
وتضيف: الإجهاض في المنزل سبب لي نزيف ومضاعفات كبيرة، وكنت بحاجة لإسعاف إلى المستشفى، لأن حالتي الصحية كانت تزداد سوءا، لكن بسبب وضعنا المادي العصب، لم نتمكن من توفير تكاليف السيارة التي ستوصلني إلى المستشفى في المدينة، وأيضا تكاليف العلاج، وأجبرت على مقاومة المضاعفات والنزيف، بأشياء بسيطة في المنزل، وكان لطف الله معي.
الباحثة في علم النفس، شيماء عز، تقول لـ يمن مونيتور، إن الإجهاض قد يسبب آثارًا نفسية مهمة على المرأة بشكل عام، بغض النظر عن حالتها الاقتصادية. ومع ذلك، يمكن أن يتفاقم تأثيره على المرأة الفقيرة بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي قد ترافقها.
وتضيف: قد تعاني الأمهات من الشعور بالذنب أو الخجل بسبب اتخاذها قرار الإجهاض، نتيجة الفقر أو عدم قدرتها وزوجها على توفير احتياجات الأطفال، وهذا قد يؤدي أيضا إلى انخفاض التقدير الذاتي والشعور بالفشل لدى المرأة.
جريمة يعاقب عليها القانون
في حديثه لـ يمن مونيتور، يقول إيهاب الدهبلي – محام ومستشار قانوني يمني -، إنه من المهم الوقوف بشكل حقيقي حول واقعة الإجهاض حيث كيّف القانون اليمني هذه الواقعة بوصفها جريمة وقد تكون غالبية النساء اللواتي يلجأن لها (الإجهاض الرضائي) لا يعرفن بأنها جريمة يعاقب عليها القانون. موضحا، أن الإجهاض ينقسم إلى ثلاثة أنواع.
ويضيف الدهبلي، أن النوع الأول هو الإجهاض الرضائي، ويقصد به لجوء المرأة إلى الطبيب أو القابلة للقيام بذلك، وفي هذه الحالة؛ يعاقب الجاني (الطبيب أو القابلة) بدفع دية الجنين نصف عشر الدية إذا توفي في بطن الأم، أو سقط ميتا.
ويتابع: فيما إذا سقط الجنين حيا ثم مات، فإن الجاني يعاقب بدفع دية كاملة ولا تستحق الأم الدية، حينها وإذا توفت الأم الحامل بسبب الإجهاض الرضائي، فإن الجاني يعاقب بدية الخطأ، والحبس لمدة لا تزيد عن عشر سنوات، أما إذا أجهضت المرأه نفسها فعليها الدية أو الغرة حسب الأحوال.
“فيما يسمى النوع الثاني بالإجهاض بـ غير رضا، وفي هذه الحالة، إذا أُسقط الجنين أو مات في بطن الأم، فإن من تسبب بذلك يعاقب بدفع دية الجنين غرة – أي نصف عشر الدية -، أما إذا انفصل الجنين عن الأم حيًا بسبب الإجهاض ومات بعدها، فإن من تسبب بذلك، يعاقب بدفع دية كاملة وفي كلتا الحالتين يعزر الفاعل بالحبس لمدة لا تزيد عن خمس سنوات” بحسب الدهبلي.
ويقول المستشار القانوني الدهبلي: “إذا نتج عن الإجهاض بـ غير رضا، وفاة الأم الحامل فإن الجاني يعاقب، -طبيبا كان او قابلة- بالتعزير لمدة لا تزيد عن عشر سنوات إلى جانب دفعه دية القتل الخطأ”.
ويضيف، أن “النوع الثالث يسمى الإجهاض الضروري؛ وهو الذي يقرره الطبيب وتقتضيها الضرورة بسبب حالة المرأة الحامل صحيا، ولا عقوبة في ذلك”.
** تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.