في 25 آذار/مارس، نظم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى منتدى سياسياً افتراضياً بعنوان "أبعاد الحملة العسكرية الأمريكية الجديدة في اليمن"، بمشاركة نخبة من الباحثين البارزين في المعهد، وهم: إليزابيث دينت، ومايكل نايتس، ونعوم رايدان. دينت هي كبيرة باحثين في المعهد وهي المديرة السابقة لشؤون الخليج وشبه الجزيرة العربية في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
أما نايتس، فهو أحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة على الميليشيات" التي تقدم تحليلاً متعمقاً للتطورات المتعلقة بالميليشيات المدعومة من إيران. أما رايدان، فهي ايضا من كبار الباحثين في المعهد، وتكتب في "أَضواء على الملاحة البحرية" حول المواضيع المتعلقة بصناعات الطاقة والشحن في الشرق الأوسط.
فيما يلي ملخّص توثيقي لأهم تصريحاتهم:
•إليزابيث دينت
على غرار إدارة بايدن، تعتبر إدارة ترامب تهديدات الحوثيين أولوية استراتيجية. ومع ذلك، ثمة اختلافات حادّة في أسلوب التعامل مع هذا التحدي. فقد التزمت إدارة بايدن بالدبلوماسية متعددة الأطراف للحفاظ على حرية الملاحة، من خلال إنشاء تحالف الدفاع الدولي "حارس الازدهار" وتعاونها مع الأمم المتحدة لتعطيل خطوط الإمداد الحوثية.
وفي أعقاب الهجمات التي شنّها الحوثيون على سفن حربية أميركية وبريطانية في كانون الثاني/يناير 2024، نفّذت واشنطن ولندن ضربات مشتركة ضد مواقع حوثية، فيما قدم الشركاء الآخرون دعماً غير عملياتي. كما واصلت إدارة بايدن البحث عن وسائل إضافية لإضعاف قدرات الحوثيين بشكل أكثر فاعلية، وقدمت خططاً بهذا الشأن إلى فريق ترامب.
وبعد يومين فقط من تولّيه المنصب، أصدر الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. وفي الأسابيع التالية، استأنف الحوثيون هجماتهم، بما في ذلك ضد مواقع عسكرية أميركية، كردّ فعل على التطورات في غزة. وفي 15 آذار/مارس، أعلن الرئيس إطلاق حملة جديدة ضد الحوثيين، جاءت نتيجة جهود مكثفة استمرت لأكثر من عام من قبل الجيش وأجهزة الاستخبارات.
وقد تميزت هذه الحملة عن الضربات السابقة بثلاث نقاط رئيسية:
1. اتّساع النطاق الجغرافي للأهداف.
2. الاستمرارية في تنفيذ الضربات.
3. تفويض قائد القيادة المركزية الأميركية بالتحكم في توقيت الضربات وإيقاعها.
وفي الوقت ذاته، أمر وزير الدفاع الأميركي "بيت هيغسيث" بإرسال مجموعة حاملة طائرات إضافية إلى المنطقة، وتعزيز قاعدة "دييغو غارسيا" لضمان استمرار الحملة.
ورغم أنّ من المبكر تقييم مدى نجاح الحملة، إلا أنّ وتيرة الضربات وشموليتها تثير القلق بشأن جاهزية القوات الأميركية ومخزونها من الذخائر. ولتحييد التهديد الحوثي بفعالية، تحتاج واشنطن إلى تنسيق مساهمات الشركاء وتعزيز عمليات اعتراض السفن التي تحاول تزويد الحوثيين بالإمدادات.
•مايكل نايتس
تأتي الحملة الجديدة بعد قرابة عقد التدخل السعودي العسكري في اليمن، وتجد الولايات المتحدة نفسها الآن تكرّر المهمة السعودية في تحديد وضرب أهداف حوثية، ولكن مع تركيز خاص على التهديد البحري. وكان من الممكن احتواء هذا التهديد قبل عشر سنوات لو زاد الانخراط الأميركي في التدخل الخليجي، لا سيما أن هجمات الحوثيين على الملاحة بدأت منذ عام 2019.
تشمل الحملة الحالية أربعة أنواع رئيسية من الأهداف:
1. استهداف القيادات: شنّت القوات الأميركية ضربات على قيادات عسكرية عليا حوثية، مما أدى إلى مقتل 15 ضابطاً برتبة عقيد وما دون، إضافة إلى تقنيين من المستوى المتوسط. ومع ذلك، لم يتم القضاء على القيادة الوطنية للجماعة، مما يشير إلى أن الحوثيين يتمتعون بأمن عملياتي متقدم مقارنة بجماعات مثل "حزب الله ".
2. أهداف في صعدة: شهدت المحافظة الأم للحوثيين ضربات دقيقة استهدفت منشآت لتصنيع الأسلحة تحت الأرض، في تناقض واضح مع العمليات السعودية السابقة التي شملت قصفاً جماعياً لمجمعات سكنية
3. أهداف ساحلية: تم ضرب رادارات متنقلة ومخازن أسلحة متقدمة وغيرها من الأصول الساحلية، ما أضعف قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة. وتُعد السيطرة على سواحل البحر الأحمر الهدف الأبرز في هذه الحملة.
4. أهداف في الأطراف: شملت مناطق تقع اسماً تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، حيث تم رصد مشرفين وقادة ميدانيين حوثيين، إلى جانب أنظمة دفاع جوي.
وفي حال استمرار الحملة، بشرط أن تترافق مع اعتراض أكبر لجهود التسلح الإيرانية، وضغوط متزايدة على طهران، فمن المحتمل أن تتراجع القدرات الهجومية للحوثيين. لكن إرغام الجماعة على الإعلان عن وقف الهجمات سيبقى أمراً شبه مستحيل، نظراً لقدرتها على الصمود في وجه القوى الغربية على مدى عقدين. ومع تصاعد الضغط الأميركي، قد تلجأ الجماعة إلى مهاجمة السعودية، مستغلة نقطة ضعف استراتيجية أميركية. وفي هذه الحالة، ستُضطر واشنطن إلى إثبات قدرتها على حماية المملكة بنفس الحزم الذي تحمي به إسرائيل، وهو ما سيُعد نصراً استراتيجياً كبيراً.
•نعوم ريدان
منذ أن صعّد الحوثيون حملتهم ضد السفن في عام 2023 رداً على حرب غزة، نفّذوا أكثر من 100 هجوم على سفن حربية وتجارية باستخدام طائرات من دون طيار، وصواريخ باليستية وجوالة، وزوارق غير مأهولة. وفي كانون الثاني/يناير، ومع إعلان وقف إطلاق النار في غزة، زعمت الجماعة أنها ستوقف الهجمات على السفن "غير الإسرائيلية". غير أن بيانات الرصد الصادرة عن "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" أظهرت أن الحوثيين لا يميزون بدقة بين السفن، إذ استُهدفت سفن لا علاقة لها بإسرائيل أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
ونتيجة لذلك، سجّلت حركة العبور الدولية عبر مضيق باب المندب أدنى مستوياتها منذ عام 2023. وحتى خلال إعلان وقف الهجمات، ترددت معظم الشركات الملاحية في المرور عبر المضيق. وقد عبرت بعض ناقلات النفط خلال فترة التهدئة، مستفيدة من انخفاض أقساط التأمين، وتمكنت من نقل وقود الطائرات والديزل من الهند إلى أوروبا. إلا أن شركات الشحن العملاقة مثل "ميرسك" و"إم إس سي" لم تعُد إلى هذا المسار.
ولا تزال الأزمة التي يسببها الحوثيون تشكّل تحديات اقتصادية كبرى لأوروبا. فوفقاً لبيانات شركة "كيبلر" المتخصصة في تحليل أسواق الطاقة، يُشحن النفط المتجه إلى أوروبا حالياً من محطة البصرة في العراق عبر رأس الرجاء الصالح بدلاً من البحر الأحمر، مما زاد تكلفة البرميل بنحو دولارين.
وقد أطلق "الاتحاد الأوروبي" في شباط/فبراير 2024 عملية "أسبيديس" لتأمين الملاحة عبر البحر الأحمر من خلال مرافقة السفن. وتبيّن أن معظم السفن التي لا تزال تمر عبر باب المندب ترتبط بالصين وروسيا، حيث كشفت تقارير إعلامية عن تفاهمات بين بكين وموسكو والحوثيين لضمان عبور آمن. وتقوم هذه السفن بإرسال إشارات تُظهر أن الطاقم أو البضائع تعود لتلك الدول. كما لم تتراجع شحنات النفط الروسي المتجهة إلى الهند.
في المملكة العربية السعودية، لم تتأثر حركة النفط بشكل كبير بفضل خط الأنابيب شرق – غرب الذي يصل إلى موانئ البحر الأحمر، ما يسمح للمملكة بتصدير النفط إلى أوروبا دون الحاجة إلى المرور عبر باب المندب. ومع ذلك، فإن مشاريعها الاقتصادية الكبرى تعتمد على أمن الملاحة، ما يجعل استمرار التهديد الحوثي مصدر قلق بالغ.
أما في مصر، فقد تأثرت بشدة بسبب اعتمادها الكبير على رسوم عبور قناة السويس، والتي انخفضت بنسبة تفوق 50٪ خلال الحملة الحوثية. وتفاقمت الأزمة مع ارتفاع فاتورة الطاقة، إذ تواجه القاهرة صعوبات في إنتاج النفط محلياً وتضطر إلى استيراد الغاز المسال، مما يجعل خسائر رسوم العبور تهديداً مباشراً لاستقرارها الاقتصادي.
وفي حال استمر الحوثيون في تطوير ترسانتهم بدعم إيراني، فقد تكون التداعيات شديدة الخطورة على مصالح الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وحلفائهما. فإلى جانب تهديد حرية الملاحة، قد يُغري هذا النفوذ المتزايد الجماعة بمحاولة توسيع دورها خارج سياق الحرب في غزة.