الغاز المنزلي في تعز..رحلات البحث والعناء مستمرة(فيديو)

تشرين2/نوفمبر 19, 2021

يصعب على المواطنين في تعز توفير الغاز المنزلي بسهولة، إذ يتطلب شراء هذه المادة المهمّة في حياتهم خوض رحلة بحث شاقة وسباق جماعي يومي، والانتظار عدة أسابيع، والتردد على وكالات ومحلات بيعها لعدة مرات في اليوم الواحد، والتزاحم عند أبوابها، والاصطفاف أمامها في طوابير طويلة وتحت أشعة الشمس الحارقة، وهي معانات يومية ومتعددة الأوجه، يعيشها الباحثون عن الغاز.

ابتياع إسطوانة الغاز في المدينة المحاصرة صار أمراً عصياً ومكلفاً ومجهداً لجيوب سكانها، ويتجاوز قدراتهم الشرائية المتواضعة وأوضاعهم المادية والمعيشية المتردية، ويستنزف معظم دخل البعض، ويدفع بآخرين نحو الاقتراض، أو بيع المدخرات، أو العمل لعدة أيام لتوفير قيمة الإسطوانة الواحدة وشرائها بثمن باهظ.

يستدعي خوض تلك المهمة الصعبة تحمّل عناء ومشقة البحث الطويل والتجوال بين الشوارع والأحياء، وتكبد أجور النقل والمواصلات المكلفة، وبذل المزيد من الجهد والتفكير والإجهاد الذهني، وتتكرر ملامح ذلك المشهد في ظل الأزمات المتواترة للغاز المنزلي، وندرته في الوكالات والأسواق، وغلاء أسعاره بشكل جنوني، يفوق قدرة الكثيرين على الاحتمال.

يشكل هماً شاغلاً بالنسبة للموظف والسائق والعامل بالأجر اليومي، والعاطل عن العمل، والبائع المتجول، ومصدراً لمعانات متعددة الأوجه، وإنهاكا اقتصاديا وإنسانيا حادا، كما يفتح الباب على المزيد من الأسى والحزن والحرمان وشدة الفاقة والحاجة، ويوسّع دائرة العجز عن دفع إيجارات السكن، وتوفير القُوت الضروري، ونفقات التعليم والعلاج، وغيرها من المتطلّبات.

يفاقم شراء الغاز المنزلي معانات البسطاء، ويجعلهم يخوضون معارك جانبية متعددة، بينها البحث عن عمل، ومزاولة أشغال شاقة، وجمع المال بصعوبة، ثم البحث لأسابيع عن إسطوانة واحدة وشرائها بثمن باهظ، في حين يواجهون صعوبة شديدة في دفع إيجارات السكن المتزايدة، والإيفاء بالتزاماتهم نحو أسرهم، وتأمين بعض المتطلبات الأساسية البسيطة واستثناء أخرى من قائمة اهتمامهم.

وصلت مؤخراً قيمة الإسطوانة الواحدة إلى 22 ألف ريال، وهو مبلغ يفوق طاقتهم، ويزيد من مستوى عجزهم عن تأمينه، لانقطاع الرواتب، وتدني مستوى الدخل، وندرة الأعمال، وغلاء الأسعار والمعيشة، وانهيار قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل مهول، يقول مواطنون لموقع "بلقيس".

 إنهاك

على غير العادة تَدافع الأطفال والنساء، خلال الأشهر الأخيرة، على وكالات ومعارض بيع الغاز، واصطفوا في طوابير طويلة، في حين توجّه آخرون نحو الاحتطاب من الأشجار المتواجدة في شوارع المدينة، وهي مشاهد عدّها ناشطون -في أحاديث متفرّقة - مأساة حقيقة، وصورة حيّة للواقع المُرّ والمعانات الشديدة التي يكابدها هؤلاء المثخنون بالبؤس والشقاء والعوز والحرمان، وبالغ التجاهل الحكومي، وإهمال السلطات المحلية في المحافظة.

يتخلل تلك الصفوف أجساد منهكة، وعيون دامعة، وملامح كالحة، وأشخاص مثقلون بالعجز عن تدبر المال اللازم لشراء الغاز، الذي استنزف قدرات أم هيثم (41 عاماً) الماديّة، ودفعها هذه المرّة إلى بيع خاتم ذهب كان في حوزتها منذ 15 عاماً.



تقول أم هيثم: "بعت خاتمي كي أوفّر قيمة إسطوانة الغاز، وبعض الاحتياجات  الضرورية، وليس لديّ خيار آخر، فزوجي عاطل عن العمل، ولم أجد أحدا لأستلف منه فلوس".   

تضيف: "الغاز غير متوفّر وغالي جداً، والناس تعبت، ووضعها صعب جداً، وصارت تبيع وترهن ممتلكاتها، ومقتنياتها وأسلحتها الشخصية، من أجل شراء هذه المادة، التي لا نحصل عليها إلا بشق الأنفس، وبعد بحث وانتظار وحجز وتسجيل أسماء، وتردد على المحلات لأكثر من شهر".

يشكّل الغاز المنزلي مصدراً للمعانات، والإنهاك المادي والمعيشي، بالنسبة للموظف الحكومي عبد العزيز الحميدي (45 عاماً)، الذي يعيل أسرة مكوّنة من زوجة و8 بنين وبنات، وتستهلك في الشهر الواحد عدة إسطوانات غاز، الأمر الذي يستنفد معظم راتبه، الذي يشكّل مصدر دخل وحيدا بالنسبة له، ولعائلته.

يذكر الحميدي، مدرس في إحدى المدارس الحكومية،: "راتبي 90 ألف ريال، وأصرف منه 66 ألف ريال لشراء 3 إسطوانات غاز في الشهر الواحد، وبالتالي يتبقّى من راتبي 24 ألف ريال، وهو مبلغ ضئيل، ولا يكفي لتغطية بقية الالتزامات من إيجار سكن، وشراء المواد الغذائية، وتوفير نفقات ومصاريف التعليم لأبنائي وبناتي".

يشعر بالأسى، وهو يستعرض أبرز ملامح المشهد المأساوي، الذي رافق أزمات الغاز المتكررة، ويحزنه كثيراً حال النساء والأطفال الباحثين عن الغاز، المتراصين في طوابير انتظاره الطويلة، وتحت أشعة الشمس الحارقة.

معانات مركّبة

شراء الغاز مشكلة مزدوجة بالنسبة لمالكي وسائل النقل والمواصلات، التي تعمل بهذه المادة، التي تفاقم معانات الشاب محمد يحيي (35 عاماً)، الذي يخوض رحلة بحث مزدوجة عنها، وذلك من أجل تأمينها لباص الأجرة الذي يملكه، وينقل به الرُّكاب تارة، ولمنزله تارة أخرى.


تتراوح عائداته اليومية بين 4 آلاف و5 آلاف ريال، وهو مبلغ غير كافٍ لتأمين الغاز لباصه، والقوت الضروري لعائلته، التي يتطلب تزويدها بإسطوانة غاز واحدة العمل لخمسة أيام متتالية لتوفير ثمنها، إلى جانب عدّة أسابيع من البحث والانتظار.

يفاقم غلاء الغاز وندرته من معاناته، ويضطره إلى تزويد باصه بكميات متواضعة، تتناسب مع مستوى دخله اليومي، لكن ذلك قد يصعّب عليه أحياناً، ويجبره على إيقاف الباص إلى حين توفّر الغاز في المحطات، كما يذكر لموقع "بلقيس".

سكان المناطق المحيطة بمدينة تعز ليسوا بمنأى عن المعانات، التي ترافق البحث والانتظار الطويل للغاز وشرائه، بعد تحمّل مشاق توفير ثمنه، إذْ يصعب على مجدي سعيد (32 عاماً)، الذي يعمل في البناء مقابل أجر يومي 6 آلاف ريال بالعملة المتداولة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين، شراء إسطوانة غاز واحدة، كون ذلك يتطلب منه العمل لأيام متتالية لتوفير ثمنها، ثم البحث عنها لأسابيع وشرائها.

يعد الغاز مصدراً لمعانات جماعية مركّبة ومعقّدة للغاية، ويشكِّل واحدة من أبرز المشاكل اليومية، والهموم التي يجمع عليها المواطنون، وتتصدر اهتماماتهم ونقاشاتهم وأحاديثهم في المنازل، والمجالس، والشوارع، والأحياء، ومواقع التواصل الاجتماعي، التي يستعرضون فيها تفاصيل معاناتهم، ويستغيثون، وينتقدون الحكومة الشرعية، والسلطات المحلية، والجهات المختصة في المحافظة.

 استنفار

قد تخلو منازل المواطنين من الغاز لشهر ونصف، ما يجعلهم  يعيشون في حالة استنفار جماعي، وبحث مستمر، وذلك على مستوى الحي الواحد، طبقاً للخمسيني محمد قائد، الذي يفقده غياب هذه المادة مع عائلته وأهالي حيّه، الواقع وسط مدينة تعز، راحتهم واستقرارهم وطمأنينتهم.

يتنقّل قائد بين محلات ومحطات تعبئة الغاز عدة مرات في اليوم الواحد، للاستفسار عنه، كما يوصي جيرانه بإخباره في حال توفّره، فالحاضر يُعلِم الغائب، ويبادر بالمرور على منازل جيرانه، ويطرُق أبوابها، ويصرخ بأعلى صوته وينادي كل واحد باسمه، ويردد "الغاز وصل.. الغاز وصل".

Additional Info

  • المصدر: تلفزيون بلقيس
Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأحد, 21 تشرين2/نوفمبر 2021 15:09
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro