التصعيد العسكري في مأرب وتعز وحجة.. لماذا الآن؟

نيسان/أبريل 01, 2021
التصعيد العسكري في مأرب وتعز وحجة.. لماذا الآن؟ ابعاد التصعيد العسكري في اليمن

مع بدء الحديث عن مساعٍ دولية لعملية سلام جديدة في اليمن، تصاعدت وتيرة الحرب بين الحكومة المعترف بها دوليًّا، وجماعة الحوثي كما لو أن هذه الحرب في سنتها الأولى، وكان ذلك في ثلاث محافظات يمنية، هي: مأرب، وتَعِز، وحَجة، إلا أن مأرب كانت الأُولى والأعنف في المواجهة. وقد استؤنف القتال فيها في الأسبوع الثاني من فبراير/شباط 2021، ثم تلتها المناطق الأخرى في نطاقات محدودة منها.

يستعرض هذا التقرير، بمنهجية تحليلية، أبرز مناطق التصعيد العسكري، خلال ثلاثة الأشهر الأولى من عام 2021، والعوامل الثابتة والطارئة التي أدت إلى التصعيد، وأهداف كل طرف من وراء ذلك، مع تحديد ميزان القوة العسكري للجانبين في إطار الصراع، والتحديات التي يواجهها كل منهما، وأبرز التداعيات السياسية، والعسكرية، والاستراتيجية الناشئة، ويختم بطرح تصورين لاتجاه التصعيد الحاصل.

أولًا: مناطق التصعيد العسكري
استأنف الحوثيون هجماتهم الشرسة على محافظة مأرب، في منتصف فبراير/شباط 2021، وكادوا أن يُلحقوا بالقوات الحكومية هزيمة ماحقة، لولاء صمود هذه القوات، ومساندة القبائل، وما تلا ذلك من تعزيزات دُفع بها من محافظة شبوة المجاورة، ومحافظات أبين وتعز والحديدة، وتحريك جبهات القتال في محافظة الجوف المجاورة لمأرب، وفي محافظتي حجة وتعز؛ مما أدى إلى خفض وتيرة الهجوم، وتراجع التهديد مع حلول منتصف مارس/آذار 2021، وفيما يلي استعراضٌ لذلك.

-  مأرب والجوف

توزعت مناطق الاشتباكات في مأرب، الواقعة ضمن المنطقة العسكرية الثالثة، على طول القوس الممتد من جنوبيها إلى شمالها الغربي، في ماهلية، وجبل مراد، وصرواح، وجبل هيلان، والمشجح، والجدعان (مِحزام ماس، ورَغوان، ومَدغَل)، والمخدرة، والكسارة، والعلَم، وهذه الأخيرة تقع شمال شرقي مدينة مأرب بنحو 70 كلم، وتعد أقرب نقطة إلى منطقة صافِر النفطية؛ لذلك يستميت الحوثيون للوصول إليها عبر صحراء الجوف، من اتجاه موقعي النضود ودحيضة، إلا أن الطبيعة الصحراوية، وتحصن القوات الحكومية والقبائل (قبائل عبيدة)، والاستنزاف الذي تعرض له الحوثيين فيها، كله حال دون بلوغ ذلك(1).

على الرغم من أن مناطق مما سبق ذكرها تدور فيها المعارك منذ ست سنوات، وتراوح بين الكرِّ والفَرِّ، إلا أن الحوثيين تمكنوا من تحقيق تقدم محدود فيها، كما حدث في جبهات الكسارة، والجزء الشرقي من جبل هيلان المطل على الطريق الرابطة بين صنعاء ومأرب، ثم جبهات صرواح، وباتت مدينة مأرب مهددة من محوري تقدم، يبدأ الأول من جهة مديرية صرواح غربًا، بنحو 20 كلم تقريبًا، ويبدأ الثاني من جهة مديرية مدغل في الشمال الغربي، بنحو 35 كلم تقريبًا(2).

في محافظة الجوف، الواقعة ضمن المنطقة العسكرية السادسة، والمجاورة، جغرافيًّا، لمأرب من شمالها وشمالها الغربي، تُشكل مواجهات الطرفين فيها جبهة مساندة لعمليات كلا الطرفين في مأرب، إلا أن العودة القوية للقوات الحكومية فيها، بعد منتصف فبراير/شباط 2021، مثَّلت استجابة واضحة للهجمات الشرسة التي شنَّها الحوثيون على مأرب، وقد تمكنت هذه القوات من استعادة منطقة الجدافر، والاقتراب من معسكر اللبنات الاستراتيجي، أما مدينة الحزم (مركز محافظة الجوف)، وما وراءها، فباقية في قبضة الحوثيين(3).

- حجة

تدور العمليات في ثلاث مناطق من هذه المحافظة، الواقعة، عسكريًّا، ضمن المنطقة العسكرية الخامسة، وجغرافيًّا شمال غربي البلاد، وهذه المناطق هي: مُستبأ، وعَبس، وحَرَض، وقد كانت البداية حين فاجأت القوات الحكومية مناطق تحصن الحوثيين في مديرية مستبأ، وتقدمت في العمق، فاصلةً الجبهات الشمالية والشرقية للحوثيين عن الجبهة الجنوبية، والسيطرة على طريق الإمدادات بينهما. وتُماثل عمليات القوات الحكومية في هذه المناطق، ما قامت به قوات الحكومة في الجوف، فضلًا عن سعيها لتحقيق مكاسب مختلفة داخل محافظة حجة، لتُضاف إلى مناطق سيطرتها في الجزء الساحلي للمحافظة، ممثلة بميناء مِيدي، وأجزاء داخلية من مديريتي حرض وحَيران(4).

-  تعز

أحرزت القوات الحكومية في الأرياف الغربية لتعز، تقدمات عديدة أحدثت فارقًا في خريطة السيطرة التي ظلت ثابتة، نسبيًّا، طوال ثلاث سنوات، وكان المكسب الأبرز في ذلك، فك الحصار، جزئيًّا، عن مركز المدينة. وقد تمركز القتال في جبل حبشي (منطقة العنين(، والأشروح، ومقبنة، والكَدحة، وجبل غُباري المطل على منطقة البرح التي تمر بها الطريق الإسفلتية الرابطة بين تعز والحديدة، أما منطقة الأحكوم، جنوبي تعز، فقد استعادها الحوثيون، بعد انسحاب القوات الحكومية منها، نهاية مارس/آذار 2021(5).

ثانيًا: العوامل الثابتة والطارئة للتصعيد العسكري

ارتبط استئناف الحوثيين هجماتهم العنيفة، الواسعة النطاق، على مدينة مأرب، بعدة عوامل ثابتة وأخرى طارئة، مثَّلت الأخيرة حافزًا قويًّا لهذا الاستئناف، ولم تكن المحرك الرئيس له(6). وكان من أبرز العوامل الثابتة تحول مأرب إلى حاضنة عسكرية، واقتصادية، وسياسية، للحكومة المعترف بها دوليًّا، عوضًا عن العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون أنفسهم، وعن مدينة (ميناء) عدن، التي تخضع للمجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)، على الرغم من تمركز الحكومة فيها امتثالًا لاتفاق الرياض، عام 2019(7).

من الناحية العسكرية، تتمركز في مأرب القيادة العليا (الفعلية) للقوات المسلحة، ممثلة بوزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، وهيئات ودوائر الإدارة، والتنظيم، والمالية، والسيطرة، والدعم اللوجستي للقوات، علاوة على ما يمثله جوار مأرب الجغرافي لمحافظة صنعاء من تهديد للمعقل السياسي للحوثيين (العاصمة صنعاء)، وكل ذلك يستدعي القضاء عليه، مع ما يترتب على نتائجه من كسر لنسق الدفاع الأول عن محافظتي شبوة وحضرموت اللتين تُشاطئان المحيط الهندي، وتتمركز فيهما حقول وموانئ تصدير النفط والغاز(8).

لا شك أن وجود حقول النفط والغاز في مأرب، مع تحكمُها في شبكة الطرق الرابطة بين شبوة وحضرموت والمهرة، والمؤدية إلى عُمان والسعودية، كل ذلك ظل دافعًا ثابتًا ومؤجلًا للحوثيين للسيطرة على مأرب، منذ سيطرتهم على صنعاء، عام 2014، ولما تمثله كذلك من مصادر مالية غزيرة، بجانب عوائد النشاط التجاري الناتج عن الكثافة السكانية (نحو مليون نسمة)، وما يمكن أن ينجم عن جذب رؤوس الأموال إليها(9).

في سياق عوامل التصعيد الطارئة، يبرز التقدم الميداني الذي حققه الحوثيون، خلال الأربعة عشر شهرًا الماضية، واستكمالهم السيطرة على محافظتي صنعاء والبيضاء، واقتطاعهم مساحات واسعة من محافظتي الجوف ومأرب؛ حيث أغراهم ذلك بمحاولة الوصول إلى مدينة مأرب، في ظل الفراغ الدفاعي الذي أحدثه انسحاب الدفاعات الجوية الاستراتيجية التابعة للتحالف من مأرب، أمام هجماتهم الصاروخية وبالطائرات غير المأهولة، وتراجع دور طائرات التحالف، مطلع عام 2021(10).

على المستوى الدولي، ازداد حماس الحوثيين للهجوم على مأرب، مع إعلان إدارة الرئيس الأميركي، جون بايدن، في 6 فبراير/شباط 2021، تدارُس رفع تصنيف جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، بوصفها "منظمة إرهابية أجنبية"، بعد أقل من أسبوعين على إدراجها في ذلك، نهاية الأسبوع الأخير من ولاية الرئيس، دونالد ترامب؛ حيث أبطلت وزارة الخزانة الأميركية هذا التوصيف، في منتصف فبراير/شباط 2021، بينما كان الحوثيون يشنُّون هجمات شرسة على مأرب(11). ويبدو أن الولايات المتحدة أدركت أن الحوثيين استغلوا هذه الخطوة، فدعتهم إلى وقف كافة عملياتهم التي تهدد مساعي السلام(12).

مثَّل استئناف عملية السلام التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، في إطار الخطة الموسومة بالإعلان المشترك، ثم المبادرة التي أعلن عنها مبعوث الولايات المتحدة إلى اليمن، تيموثي ليندر كينغ، دافعًا جديدًا آخر لتصعيد الحوثيين على مأرب، وبدا ذلك كما لو أنه استباق لمفاوضات يعلمون بها؛ قاصدين بذلك فرض واقع ميداني جديد في مأرب، بما من شأنه التأثير في المسارات السياسية والعسكرية المستقبلية للحرب؛ حيث زار مبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، كلًّا من الرياض وطهران، خلال مارس/آذار 2021، بوصفهما المحركيْن الإقليميين لطرفي الصراع الرئيسيين، وفي أثناء ذلك ضاعف الحوثيون من هجماتهم على مأرب من مختلف الجهات، عدا الجهة الشرقية(13).

ثالثًا: أهداف أطراف الصراع من التصعيد العسكري

لا شك أن المغريات الاقتصادية التي يراها الحوثيون في مأرب، تمثل هدفًا رئيسًا لمحاولاتهم السيطرة عليها، غير أن الهدف الرئيس والأبرز يكمن في إصرارهم على إخضاعها بأي ثمن؛ لأنها تمثل الرافعة الأقوى للحكومة المعترف بها دوليًّا، في المحافظات الشمالية؛ حيث تأتي مأرب في الترتيب في المقدمة، فيما تحل تعز بعدها، لكن بمراحل(14).

بالنظر إلى ما يمكن أن يتحقق للحوثيين من سيطرة كلية على ما تبقى من مأرب، أو اقتطاع أجزاء مهمة منها، فقد مثَّل ذلك هدفًا لتعزيز موقفهم في المفاوضات، التي سبقتها جهود أميركية وبريطانية، بقصد التهيئة لها. وربما كان الهدف التوسع جنوبًا؛ لأن الغاية الأساسية المعلنة للحُوثيين التوسع فيما بعد مأرب من المناطق، وليس التوقف عندها، كأولوية استراتيجية مؤجلة أخرتها ظروف حاكمة لاتجاه الجهد الرئيس للمعركة، وقيود إقليمية ودولية لم تكن لتتيح تحقيق ذلك. وقد عبَّر عن هذا المعنى المتحدث عن جماعة الحوثي، عبد السلام فليتة (محمد عبد السلام)، فأشار إلى أنه لا حدود أمام طموحهم داخل اليمن(15).

بالنسبة إلى إيران، بوصفها الداعم الأبرز للحوثيين، فإن هذا الأمر أو ذاك سيعزز موقفها في مفاوضاتها مع الولايات، المتحدة بشأن الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة ترامب عام 2018؛ حيث ترفض إيران محاولة واشنطن توسيع اتفاق فيينا النووي عام 2015، ليشمل "السلوك الإيراني الإقليمي المزعْزِع للاستقرار، وتطوير الصواريخ الباليستية"، مقابل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق(16)؛ وبذلك يمثل الحوثيون إحدى أوراق إيران التفاوضية في هذه العودة، وفقًا لشروطها، مثلما فعلت ذلك في المفاوضات ذاتها، عام 2015، ولعل مما يؤكد ذلك، إرسال إيران سفيرًا لها إلى الحوثيين، قبل انتهاء ولاية ترامب، ببضعة أشهر، واضطلاعه بأدوار موجهة لسياساتهم، العسكرية والسياسية، ولا أدلَّ على ذلك من استباقه، قبل الحوثيين أنفسهم، الرد على المبادرة السعودية بشأن السلام في اليمن(17)؛ حيث نعتها بأنها "مشروع حرب دائم، واستمرار للاحتلال وجرائم الحرب، وليست إنهاءً للحرب"(18).

في جانب الحكومة المعترف بها دوليًّا، وحلفائها الإقليميين، خصوصًا السعودية، فإن الغاية من التصعيد في مأرب، الحفاظ على ما تبقى من مساحة جغرافية فاعلة، اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا، في المناطق الشمالية، بعد خسارة الكثير من الأرض، منذ أواخر عام 2019، وحتى منتصف عام 2020، في كل من صعدة، وصنعاء، ومأرب، والجوف، والبيضاء؛ فلم يعد طموح هذه الحكومة العودة إلى صنعاء، بل التشبث المستميت بما تبقى لديها من الأرض. أما الجبهات التي انتعشت في تعز وحجة والجوف، فيمكن تصور الهدف الرئيس من وراء التصعيد بأنه محاولة لتخفيف ضغط هجمات الحوثيين على مأرب، مع تحقيق مكاسب ميدانية لاستكمال استعادة المناطق الواقعة تحت سيطرتهم(19).

أما السعودية، فإن سقوط مأرب في قبضة الحوثيين، يمثِّل خسارة لأحد أقوى أوراق حلفائها، مع ما يقابله من صعود للتهديد الإيراني، الذي سيزداد قوة مع كل نصر يحرزه الحوثيون على هؤلاء الحلفاء؛ لذلك بدت عمليات التحالف الجوية، في شدتها وغزارتها، وكأنها في السنة الأولى للحرب؛ حيث بلغت الغارات الجوية، خلال الثمانين يومًا الأولى من عام 2021، نحو 1000 غارة، معظمها في مناطق التصعيد(20).

رابعًا: ميزان القوة العسكري وتحدياته في أطراف الصراع

تكشف هجمات الحوثيين البرية، وهجماتهم بالصواريخ الباليستية، وبالطائرات غير المأهولة (المُسيرة دون طيار)، على مأرب، والجوف، وتعز، وحجة، فضلًا عن هجماتهم على المصالح الاستراتيجية في العمق السعودي، أن قدراتهم العسكرية في وضع أفضل من ذي قبل، ومن قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، لاسيما تلك التي تواجههم في هذه الجبهات، ولا يشمل هذا التوصيف قدرات القوات الخاضعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات حراس الجمهورية التابعة للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي (التهامي)، نظرًا إلى غياب مشاركتها المباشرة في الجبهات محل نقاش هذا التقرير.

وكشفت معارك الحوثيين في مأرب وتعز، خلال مارس/آذار 2021، عن امتلاكهم أسلحة ثقيلة من عتاد الجيش السابق، مثل الدبابات T72، وعربات المشاة القتالية "بي إم بي-1"، و "بي إم بي-2"، وعربات "بي تي آر"، والمدفعية ذاتية الحركة، ومدفعية الميدان الثقيلة، والمدفعية الصاروخية (كاتيوشا)(21). وأن قدراتهم في مختلف الأسلحة لم تتأثر كثيرًا بعد مرور ست سنوات من الحرب، بل تمكنوا من الحصول على أسلحة نوعية لم تكن ضمن ما استحوذوا عليه من عتاد الجيش السابق، مثل الصواريخ الحرارية الموجهة، وأنواع من الصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة، والبنادق القناصة، وتقنيات التصويب الليلية والضوئية، وتقنيات الاتصالات الحديثة، وأن معظم هذه الأسلحة والتقنيات تعاظم رصيدها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة للحرب، وتنوعت مصادرها الداخلية والخارجية، وبطرق عديدة(22).

في كل الأحوال، فإن افتقار الحكومة المعترف بها دوليًّا، إلى استراتيجية متماسكة وشاملة، تضم كافة الوحدات المسلحة المنضوية تحت مظلتها، أدى إلى تعزير قوة الحوثيين، مع ما يشكله النفوذ الحزبي فيها من إضعاف لتماسكها(23)، مع ضعف قدرات التسليح الثقيل، وتقادم واستهلاك المتاح منه، والنقص الحاد في وسائل الدفاع الجوي، والطائرات غير المأهولة، وأسلحة القناصة، وضيق مجالات التعويض؛ بسبب شح الموارد، والقيود التي يفرضها التحالف(24). ولا يخفى دور تأخر صرف الرواتب، والمخصصات التشغيلية، في تراجع الدافعية في القتال، والانتظام في المعسكرات، وانتظام برامج التدريب.

خامسًا: تداعيات وسيناريوهات التصعيد العسكري
يمكن إبراز تداعيات التصعيد والسيناريوهات المتوقعة في السياقات التالية:

1-  التداعيات

تجلت أبرز التداعيات في المجالات التالية:

- المستوى العسكري

أعادت المواجهات المختلفة تعريف المعركة من جديد، فتنوعت معها الاستراتيجيات المتبعة، وتكتيكاتها، وأدواتها، وتجلى ذلك في غزارة استعمال الحوثيين للطائرات غير المأهولة، والصواريخ الباليستية، ولم يقتصر ذلك على جبهات التصعيد، بل والأهداف الحيوية في العمق السعودي، كما أبرز ذلك لجوء الحوثيين إلى استراتيجيتين في آن معًا، هما: استراتيجية مراكز الجاذبية (الضرب حيث يؤلم)، واستراتيجية الردع(25). وهكذا فعل التحالف في هجماته على الحوثيين، أما القوات الحكومية فسلكت ذلك، إلى حدٍّ ما، في مأرب، باللجوء إلى الطائرات غير المأهولة(26).

على خريطة السيطرة حدثت تحولات تكتيكية، قد تقود، لاحقًا، إلى تحولات استراتيجية؛ إذا ما تحقق لأي طرف، على سبيل المثال، احتلال مراكز المدن في المحافظات، أو السيطرة على الطرق الرئيسة، أو مصادر إنتاج الطاقة، أو التوسع خارج الحدود الإدارية للمحافظات التي يجري فيها التصعيد، وهنا يحضر الحوثيون بقوة. والواقع أنه لم يثمر التصعيد سوى سيطرة طفيفة متبادلة، كما في مأرب، وهي أهم منطقة تصعيد، فيما اتسعت خريطة سيطرة القوات الحكومية، اتساعًا محدودًا، في تعز، وحجة، والجوف. وخسر الطرفان كثيرًا من القادة، ولاسيما الحوثيين، علاوة على خسائرهم في المعدات؛ جرَّاء هجمات طائرات التحالف على طول محاور التقدم، ومراكز وخطوط الإمداد(27).

- المستوى السياسي

دفعت نتائج التصعيد أطراف الحرب وداعميهم الدوليين، نحو طريق السلام، وإنْ على مضض؛ فقد رحبت الحكومة اليمنية، عبر وزارة خارجيتها، بالمبادرة السعودية، وأعلنت، كبادرة حسن نية، السماح (واقعيًّا بإرادة التحالف) للناقلات النفطية المتوقفة في عرض البحر، بدخول ميناء الحُديدة؛ استجابة لطلب الحوثيين، الذين انخرطوا بعدها في مشاورات مستقلة مع السعودية، برعاية عُمانية، ودعم مبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، والمبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندر كينغ(28).

ويبدو أن نتائج التصعيد في تعز، وتجاهُل مطالب ما يُسمى المقاومة الوطنية في الساحل الغربي (التهامي)، بالمشاركة في القتال بمأرب، وما قد تفرضه مفاوضات السلام النهائية؛ كل ذلك دفع المقاومة الوطنية للإعلان عن تأسيس مكتب سياسي، في مقر تمركز قيادتها بمدينة (ميناء) المخاء، المشاطئة للبحر الأحمر، في 25 مارس/آذار 2021، وبرئاسة العميد طارق محمد عبد الله صالح، الذي يشغل، كذلك، منصبي قائد هذه المقاومة، وقائد جناحها العسكري المعروف بقوات حراس الجمهورية، ليقوم هذا المكتب بتمثيل المقاومة الوطنية، سياسيًّا، في أي مفاوضات نهائية بين الأطراف اليمنية، وقد يكون لذلك دوافع أخرى في إطار الصراع القائم على السلطة(29).

- المستوى الاستراتيجي

على الرغم من أن الحوثيين لم يحققوا النصر الذي أمَّلُوه من التصعيد في مأرب، إلا أن إصرارهم على البروز بمظهر الطرف الأقوى داخليًّا، منحهم القدرة على التأثير خارجيًّا، عبر هجماتهم العنيفة والمتواصلة، بالطائرات غير المأهولة والصواريخ الباليستية، على المصالح الاستراتيجية السعودية، وقد كان لهذا كله صدى قوي لدى دعاة إيقاف الحرب، خصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا؛ ما أتاح لهما مضاعفة الضغط على السعودية لاتخاذ مواقف أكثر مرونة تجاه الحوثيين، ودفعها لإطلاق مبادرتها للسلام(30).

2-السيناريوهات

بناء على المعطيات السياسية والعسكرية والاستراتيجية، يمكن تصور مستقبل التصعيد العسكري، فيما يلي:

- السيناريو الأول: المفاوضة مع التقدم

يُتوقع أن يحدث هذا السيناريو في المدى القريب، ويقوم على استراتيجية عنوانها "الحرب الدبلوماسية" أو "المفاوضة مع التقدم". ووفقًا لهذا التصور، فقد يلجأ الحوثيون إلى المفاوضات الأولية بشأن المبادرة السعودية، مع بقاء التقدم نحو مأرب قائمًا، لفرض تعديلاتهم على هذه المبادرة، والمتمثلة في أن أي إيقاف شاملٍ لإطلاق النار، لابد أن يسبقه إيقاف عمليات التحالف الجوية، ورفع القيود المطروحة بشأن فتح مطار صنعاء، مع فرضهم فتح ميناء الحديدة، فإذا لم تحقق لهم المفاوضات هذه المطالب، فإن الخيار العسكري سيكون حاضرًا.

قد يتحقق هذا السيناريو إذا ما توقفت عمليات التحالف الجوية، وضعفت القدرة الدفاعية لدى القوات الحكومية؛ لأن أبرز ما يعيق تقدم الحوثيين نحو مأرب، تعرضهم لضربات طائرات التحالف، ومناطق التقدم المكشوفة.

-السيناريو الثاني: التريث لإعادة بناء القوة

يمكن أن يقع هذا السيناريو في المدى المتوسط وفوق المتوسط، ويقوم على استفادة الحوثيين مما قد تحققه لهم المفاوضات الأولية والنهائية من تعاظم في قدراتهم العسكرية، المادية والبشرية، والانفتاح على الخارج بعد رفع القيود المفروضة على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة؛ إذ من غير المتوقع تنفيذ الحوثيين أي اتفاق، إلا بما يحقق بقاءهم كقوة أولى حاكمة، وفقًا لنهجهم التفاوضي منذ تمردهم على النظام الحاكم، عام 2004، وحتى اتفاقية ستوكهولم، عام 2018.

يدعم هذا السيناريو التطور الذي قد ينشأ في قوتهم، ووقوع تحولات حرجة في رأس هرم السلطة الشرعية، أو في مكوناتها، مثل نشوب صراع عنيف في أوساطها، بما يفضي إلى إضعاف القوات المدافعة عن مأرب والجيش بشكل عام، ويعد هذا السيناريو أقرب إلى الوقوع إذا ما تهيأت له الظروف.

خاتمة

أثار هذا التقرير التصعيد العسكري بين أطراف الصراع في اليمن، الذي عاد بقوة، في فبراير/شباط 2021، وتراجع مع ختام العام السادس لتدخل التحالف العربي، الذي بدأ في 26 مارس/آذار 2015. واستعرض في سياق ذلك أبرز مناطق التصعيد، وأبعاد وأهداف أطراف الحرب من ورائه، وكيف يبدو ميزان القوة العسكري لهذه الأطراف، والتداعيات الناشئة، والسيناريوهات المتوقعة، على المستويين، القريب والمتوسط.

توصل التقرير إلى أن محافظة مأرب تمثل أشد مناطق التصعيد العسكري، وأن التصعيد في بقية المناطق مثَّل استجابة لتعرض مأرب لهجمات الحوثيين، مع ما يمثله التصعيد في تلك المناطق من محاولة لمضاعفة سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا. وكان من أبرز تداعيات التصعيد تغير خريطة السيطرة على الأرض لكل طرف؛ بحيث حازت القوات الحكومية نطاقات أكبر، لاسيما في تعز وحجة، وأقل من الحوثيين في مأرب.

أما أبرز السيناريوهات المتوقعة للتصعيد في مأرب، فترتبط بنوايا الحوثيين تجاهها، بوصفهم الطرف الذي يهاجمها، وأول هذه السيناريوهات يقوم على المزامنة بين المفاوضات والتقدم العسكري الميداني، أما السيناريو الثاني، وهو الأقرب إلى الوقوع، فيعتمد على التريث بقصد إعادة بناء القوة، عبر استغلال كافة الثمار المكتسبة من أية عملية سلام، وانتهاز التحولات الحرجة الناشئة لدى طرف الحكومة المعترف بها دوليًّا.

Additional Info

  • المصدر: مركز الجزيرة للدراسات - الخبير العسكري علي الذهب
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro