وأوضح التقرير أن تلك الحرب تتمثل في نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت وخطاب الكراهية والتطرف، مشيرا إلى أن تلك الأضرار الرقمية لا تؤدي فقط إلى إبطاء الجهود المبذولة للتخفيف من انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، بل أنها تعمق العداوات بين اليمنيين وتعمل على تقويض فرص التسوية السلمية لهذا الصراع.
ويشهد اليمن صراعات دموية منذ اندلاع الحرب الأهلية في العام 2014 والتي سرعان ما تحولت إلى صراع إقليمي بالوكالة بعد أن سيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء، مما أجبر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وإدارته على الاستقالة في عام 2015، وذلك قبل تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية بغية "دعم الحكم الشرعي في البلاد".
حرب من نوع آخر
في وقت مبكر من الصراع، سيطرت المليشيات الحوثية على نطاق الاتصالات "ye"، والذي يمكن للمواقع اليمنية استخدامه بدلاً من النطاق "دوت كوم" "com."، بالإضافة إلى سيطرتهم على مزود خدمة الإنترنت المحلي شركة "يمن نت" من أجل السيطرة على المحتوى وإدارة المواقع المحلية.
وبمرور الوقت، عمد الحوثيون إلى تقييد استخدام الإنترنت من خلال فرض رقابة المواقع وحجب العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالتزامن مع شن حملات إلكترونية لحشد الدعم ضد الهجمات السعودية والضربات الجوية الأميركية وما يصفوه بـ"المؤامرة السعودية الأميركية الإسرائيلية ضدهم".
ويصف السكان المحليون المواقع الموالية للحوثيين بأنها عبارة عن "حرب ناعمة" مدعمة بأفلام وثائقية وقصص إعلامية ورسوم كاريكاتورية ساخرة ومنشورات على الإنترنت لجذب الجمهور.
ومن أجل محاربة المحاولات الأجنبية لعرقلة جهودهم الدعائية المضللة، أقدم الحوثيون على قطع الكابلات البحرية بدعم إيراني.
ويبدو أن تلك الجهود، وفقا لتقرير "فورين بوليسي"، قد ساعدت الحوثيين في السيطرة على تدفق المعلومات والبيانات عبر الفضاء الإلكتروني وعززت دعاية تلك الميليشيات في الخارج، وزادت من "شرعيتهم" في الداخل.
واليوم، من المرجح أن يثق اليمنيون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في وسائل إعلام تلك الميلشيات ويعتبرونها موثوقة حتى لو كانت تنشر معلومات مضللة بشكل واضح وصريح.
وفي هذا الصدد وجدت دراسة استقصائية أجرتها شبكة "DT Global" العام الماضي أن الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يعتبرون قناة المسيرة، الناطقة بلسان الحوثيين المحظورة في عدة دول خارج اليمن، من بين أكثر وسائل الإعلام موثوقية.
وحدد استطلاع سابق في العام 2020 أن ما يقرب من 80 بالمئة من أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون يثقون بمسؤوليهم المحليين، مقارنة بحوالي بـ 25 بالمئة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وفي المقابل سعت الحكومة اليمنية الشرعية، للتصدي لتحركات الحوثيين في العام 2018 من خلال إطلاق مزود الإنترنت الخاص بها "عدن نت" من الأراضي السعودية بغية انتزاع السيطرة من مزودة الخدمة "يمن نت" الذي يسيطر عليه الحوثيون.
وشددت المجلة في تقريرها على أن الاتصال المستمر بالأخبار المزيفة يؤدي إلى اضطراب في البيئات المستقرة، فما بالك في مناطق الحروب حيث يمكن أن تصبح المعلومات المزيفة والمضللة قاتلة، لافتة إلى أن "الوصول إلى المعلومات الموثوقة أمرًا ضروريًا لتجنب المواجهة العنيفة، والحصول على مساعدات الإغاثة، وإرساء السلام والمصالحة في نهاية المطاف".
وكان زعيم المتمردين، عبدالملك الحوثي، قد وصف لعاملين في مجال الإعلام بأنهم "أكثر خطورة" من القوات المسلحة التي كانوا يقاتلونها، وبالتالي هذا يؤشر إلى أن هدف جميع الأطراف المتحاربة هو السيطرة على السرد الإعلامي ومن خلال الحد من الوصول إلى مقدمي الأخبار الدوليين والمحليين والافتراء عليهم، بحسب التقرير.
"جبهة حاسمة"
وتعد سائل التواصل الاجتماعي أيضًا جبهة حاسمة في أي ساحة معارك في القرن الحادي والعشرين، حيث يوجد في اليمن ما يقرب من 3.2 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، أي ما يقرب من 10 في المائة من السكان، وأكثر من ثلثي هؤلاء موجودون على فيسبوك، و24 بالمئة يستخدمون يوتيوب بانتظام، ونسبة أقل بكثير على تويتر، وهنا قد تكثر حملات شيطنة أطراف معينة في الصراع بالإضافة إلى استهداف مجموعات اجتماعية مختلفة.
وتستفيد الجماعات المتطرفة من تعميق التجزئة والاستقطاب عبر الفضاء الرقمي في اليمن، إذ يقدر أحد الباحثين أن أكثر من 50 بالمئة من التغريدات التي يُفترض أنها صادرة عن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" تحاول أن تبرز مدى زيادة شعبية تلك الجماعة الإرهابية وأنها هي "البديل الشرعي لحكومة هادي".
ولكن ولحسن الحظ، وفقا لفورين بوليسي، يتولى جيل من نشطاء اليمن البارعين في مجال التكنولوجيا زمام المبادرة في التصدي للأضرار الرقمية، من خلال استفادة الشباب من إنستغرام وتويتر وتيك توك للدعوة إلى مزيد من الاهتمام بالأزمة، إذ يقوم بعض المستخدمين بنسخ الحقائق والأرقام الثابتة حول النزاع المسلح في مقاطع فيديو مصغرة جذابة تصل إلى مئات الآلاف من المشاهدين.