صحيح أنّ الوضع لم يكن أفضل حالاً قبل اندلاع النزاع الحالي، بما أنّ المجتمع الذكوري محكوم بالتقاليد القبلية، غير أنّ الأعوام السبعة الماضية شهدت تفاقماً قياسياً لمعاناة اليمنيات، وباتت المرأة فريسة سهلة لتحديات مركّبة. وفي ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، كشف اتحاد نساء اليمن عن تزايد نسب الطلاق في عدن (جنوب) لتبلغ مستويات مقلقة، إذ رُصدت ما بين 15 إلى 20 حالة طلاق يومياً لفتيات تتراوح أعمارهنّ ما بين 17 و30 عاماً. وبحسب الاتحاد، فإنّ الحالات كافة ترفض الصلح وتطالب بالانفصال والطلاق من جرّاء المعاناة المعاشة في المنزل الزوجي، وهو ما ينذر بكارثة اجتماعية بالغة التعقيد في حياة الأطفال والنساء خصوصاً.
ولا يقتصر الأمر على مدينة عدن فحسب، إذ في مدينة تعز (جنوب غرب) تزايدت كذلك معدّلات الطلاق المبكر بشكل لافت. ويشير المحامي عبد الله العزعزي إلى أنّ "مئات من حالات الطلاق وصلت إلى المحاكم، وقد لجأت الزوجات فيها إلى القضاء لطلب الخلع". ويؤكد العزعزي أنّ "سبب حالات الطلاق بغالبيتها يعود إلى العنف الأسري الذي يمارسه الزوج، والقضايا بمعظمها تعود إلى من هنّ حديثات الزواج"، لافتاً إلى أنّ "ما يحدث ظاهرة مفزعة".
وتقف الظروف المعيشية للأزواج كسبب رئيسي في تسمّم العلاقة بين الزوجين، فالحرب قذفت ملايين اليمنيين إلى البطالة، في حين تزايدت متطلبات الحياة بشكل قياسي، نظراً إلى الانهيار الاقتصادي وتدهور سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
ونظراً إلى تزايد حالات الطلاق، لم تعد اليمنيّات يخشينَ من وصم المجتمع ونظرات الناس كما كان الأمر في الأعوام الماضية. وبحسب باحثين اجتماعيين، فإنّ عشرات اللواتي صرنَ مطلّقات في سنّ مبكرة، تغلّبنَ بشكل سريع على الظروف الصعبة، خصوصاً اللواتي صرنَ أمّهات. فقد وجدت المطلّقات أنفسهنّ أمام تحدّ لإثبات ذواتهنّ، ولجأن للبحث عن فرص عمل أو أيّ مصدر دخل بمساعدة منظمات محلية ودولية، كذلك صار أطفالهنّ الاستثمار الأهمّ الذي تقوم عليه حيواتهنّ بشكل كامل.
وتفيد بيانات الأمم المتحدة بأنّ نحو 6.1 ملايين فتاة وامرأة يمنية في حاجة ماسة إلى خدمات الحماية، خصوصاً النازحات اللواتي يشكّلن نسبة 73 في المائة من بين أكثر من سبعة ملايين نازح على مستوى البلاد. وفي مخيمات النزوح، تفتقر الفتيات والنساء إلى الخصوصية والسلامة، الأمر الذي يجعلهنّ أكثر عرضة للعنف والإيذاء، خصوصاً أولئك اللواتي فقدنَ معيلي أسرهنّ من جرّاء الحرب ووجدنَ أنفسهنّ أمام مسؤوليات جسام تستوجب تكيّفهنّ مع آليات سلبية من أجل البقاء على قيد الحياة.
ونتيجة الفقر والنظرة السلبية للمرأة، تزايدت نسبة زواج الصغيرات بطريفة لافتة في عام 2021 الذي يوشك على الانتهاء. وبحسب دراسة أعدّتها اللجنة المعنية باللاجئات التابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان وجامعة "جون هوبكينز" في ثلاث محافظات يمنية، كُشف عن حالة زواج واحدة لفتاة يتراوح عمرها ما بين 10 أعوام و19 عاماً من بين كلّ خمس فتيات نازحات، في حين تُسجَّل حالة واحدة من بين كلّ ثماني فتيات في المجتمع المضيف. وتشير الدراسة نفسها التي اطلعت عليها "العربي الجديد" إلى أنّ الفتيات المتزوجات عانينَ كذلك من النتائج المؤثّرة سلباً على صحة الأمّ، فيما تشمل آليات التكيّف السلبية المحتملة الأخرى الإكراه على العمل في مجال الجنس والتسوّل وعمالة الأطفال والاتّجار بالبشر ومحاولة الانتحار وغيرها.
ويعود تزايد حالات العنف الاجتماعي ضدّ الفتيات والنساء اليمنيات إلى انهيار مؤسسات الدولة والتشريعات القانونية وغياب آليات الحماية غير الرسمية.
وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في اليمن، فإنّ الخدمات العامة للناجيات من العنف مثل المأوى للواتي يحتجنَ إلى حماية، وكذلك الدعم النفسي-الاجتماعي، والدعم النقدي الطارئ للحماية الأساسية، تكاد تكون معدومة. وأعاد المكتب ذلك إلى نقص في تمويل برامج حماية المرأة. ففي حين فقدت 350 ألف امرأة يمنية في عام 2020 إمكانية الوصول إلى خدمات خاصة بضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي بعد إغلاق 12 مساحة آمنة للفتيات والنساء بسبب نقص في التمويل، لم تتلقَّ الأمم المتحدة حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2021 سوى 54 في المائة فقط من مبلغ 27 مليون دولار أميركي مطلوب لتنفيذ برامج حماية المرأة بموجب خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2021.
ويؤكد المكتب ضرورة توسيع نطاق خدمات حماية المرأة التي تشمل المساعدات الطبية والدعم النفسي الاجتماعي والمأوى الطارئ والمساعدة القانونية وخدمات الصحة النفسية-الاجتماعية المتخصصة، وذلك لتلبية الاحتياجات المتزايدة، مع توسيع التغطية الجغرافية وتعزيز القدرات لمقدّمي الخدمات.
ومنذ أواخر عام 2020، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تطبيقاً خاصاً للهواتف المحمولة بهدف تقديم إرشادات الحماية للناجيات من العنف ضدّ المرأة في كلّ أنحاء اليمن، وذلك في ظلّ ارتفاع معدلات ذلك العنف بنسبة 63 في المائة منذ بداية الحرب في عام 2015. لكنّه ونظراً إلى الأميّة التكنولوجية في مجتمعات النازحين والبلدات الريفية، يبدو هذا النوع من الحماية محدود الانتشار في أوساط اليمنيات المعنّفات، فضلاً عن رغبة كثيرات في تسوية مشاكلهنّ بعيداً عن المنظمات المحلية أو الدولية.
تجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب باحثين اجتماعيّين، ثمّة مئات من حالات العنف ضدّ الفتيات والنساء تظلّ طيّ الكتمان. ولا يمكن أن تظهر علناً سوى الحالات التي تُسجَّل في المجتمعات الحضرية أو في أوساط المتعلّمات اللواتي يلجأنَ إلى طلب الدعم من منظمات معنيّة أو من القضاء.