كانت الطريق الرئيسية بين صنعاء وعدن البالغة نحو 400 كيلو متر، تُقطع خلال فترة زمنية تتراوح بين 7 و9 ساعات، لكن السفر في الوقت الراهن تغير إلى طريق أخرى بديلة، تزيد في عدد الساعات تبعاً لكونها تعبر مسافة أطول.
علاوة على ذلك، فإن قطع هذه الطريق محفوف بالمخاطر؛ جراء ضيقها ووقوعها بين مرتفعات جبلية شديدة الانحدار، كما هو الحال في الطريق بين تعز وعدن؛ إذ يشكو المسافرون من خطورتها، نتيجة وعورتها وامتلائها بالصخور والحُفر التي تتزايد مع هطول الأمطار.
يقول حسن إن الطريق البديلة كانت في السابق فرعية يستخدمها السكان في التنقل بين القرى المجاورة، ولم تكن مهيأة لأن تصبح رئيسية.
ولا يتسع عرض هذه الطريق، بحسبه، سوى لسيارة واحدة في كثير من المناطق، مما يجبر السيارات على البقاء طويلاً في الطريق، خاصة في الأوقات التي تكثر حركة السير فيها.
والطريق بين صنعاء وعدن تعتبر الأكثر حيوية وأهمية على مستوى اليمن، فهي تربط بين أهم مدينتين بالبلاد، وقبل الحرب كانت الحركة بينهما تتم بحافلات النقل الجماعي أو سيارات الأجرة، كما كانت تستخدم الطائرة بين مطاري صنعاء وعدن، ولا تزيد المدة الزمنية للسفر عن 30 دقيقة في هذه الحالة.
حاجة للمعالجة
في هذا الصدد، قال مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن في بيان نشره بتاريخ 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، إن "هناك حاجة إلى العديد من الإجراءات لمعالجة قضية التنقل في اليمن بشكل شامل".
وأوضح أن "متوسط وقت السفر لليمنيين زاد بشكل كبير عما كان عليه قبل الحرب؛ بفعل لجوئهم لطرق أطول وغير ممهدة، وخطيرة تنتشر فيها نقاط التفتيش الأمنية التي يديرها عناصر مسلحة من مجموعات مختلفة، يرتكبون في كثير من الأحيان انتهاكات لحقوق الإنسان".
وعن المعاناة الإضافية أثناء السفر بين المحافظات تحدثت "أمل محمود" (37 عاما) لمراسل الأناضول قائلة:" مع تغير خطوط السفر بسبب الحرب فإن معاناة المسافرين لا تقتصر على طول المسافة في الطرق البديلة، بل إن هناك معاناة أخرى بسبب مخاطر الطرقات الجديدة التي لا تخلو منها أي طريق".
وتتمثل هذه المخاطر بحسبها، إلى "تعرض السيارات للكثير من حوادث السير، كما توجد معوقات أخرى ناتجة عن كثرة الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش التي تتبع أكثر من جهة".
وتشير محمود إلى أن "كل جهة تعمد إلى نصب نقاط التفتيش في مناطق سيطرتها، وتتفاوت طريقة التعامل بين نقطة وأخرى، إلا أنها في الغالب تكون أكثر تشديداً في مداخل المدن الرئيسية".
وتضيف:" على سبيل المثال تكثر إجراءات النقاط في مداخل صنعاء من قبل جماعة الحوثي، فيما تشدد نقاط تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتيا) في مداخل مدينة عدن، وتفعل نقاط التفتيش الحكومية الشيء نفسه في مداخل مدينة مأرب (شرق)".
والمعاناة لا تقتصر على سكان محافظات بعينها، ولكنها تشمل غالبية اليمنيين الذين تضطرهم الظروف للتنقل من محافظة إلى أخرى، وفقاً لـ"خالد ناصر" (26 عاما)، الذي يروي قصة سفره من صنعاء إلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت (جنوب شرق)،
يقول إن "الرحلة أخذت أكثر من 20 ساعة، بسبب اضطراره إلى اتخاذ الطريق البديل، رغم أن السفر كان عبر الطريق الرئيس يأخذ نحو 10 ساعات، لأن مسافة الطريق بين صنعاء والمكلا تبلغ نحو 800 كيلو متر".
يضيف ناصر أنه ومجموعة من المسافرين "استقلوا سيارة أجرة اعتاد سائقها السفر في هذه الطرقات الجديدة، وصارت لديه خبرة في التعامل مع نقاط التفتيش الموجودة على امتداد الطريق".
ويشير إلى أن الرحلة بدأت بعد الخروج من صنعاء بالتوجه جنوباً ثم الانحراف شرقاً في مناطق جبلية تليها مناطق صحراوية ممتدة، وامتد سفرهم ساعات طويلة من العناء، يتخلله التوقف المتكرر بسبب نقاط التفتيش أحياناً، أو تعطل سيارات ووقوفها عائقا بالطريق.
والأمر نفسه ينطبق على السفر بين صنعاء ومدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت، والتي تبلغ مسافة الطريق الرئيسية بينهما نحو 600 كيلو متر، يتم اجتيازها بقرابة 8 ساعات.
أما في الوقت الراهن فلا يمكن الوصول إلى سيئون قبل 15 ساعة من السفر، ذلك أنه يتعين على المسافر قطع أكثر من 800 كيلو متر، في الطرق البديلة، كما يقول ناصر.
السفر داخل المحافظة الواحدة
إذا كان ما سبق يرصد معاناة السفر من محافظة إلى أخرى، وهي في الغالب محافظات غير متجاورة، فإن ما يلي يتناول معاناة التنقل بين مناطق متجاورة داخل محافظة واحدة.
فمحافظة الضالع التي تقع على الطريق الرئيس بين صنعاء وعدن تظهر المعاناة لدى سكانها بشكل لافت؛ إذ أوقفت المواجهات المسلحة المستمرة مع جماعة الحوثي الطريقين الرئيسيين داخل المحافظة، وهما طريق الضالع- إب وطريق قعطبة- دمت.
وتسبب هذا الأمر إلى شطر المحافظة لقسمين، أحدهما شمال المحافظة ويقع تحت سيطرة الحوثيين، والآخر جنوبها ويقع تحت سيطرة القوات الحكومية والمجلس الانتقالي، ويضم مركز المحافظة ومناطق أخرى.
يقول محمد صالح (30 عاما)، من محافظة الضالع إن الانتقال من منطقة في شمال المحافظة إلى أخرى في الجنوب لا يتم إلا بإحدى طريقتين، إما تسلق مرتفعات جبلية طويلة مشياً على الأقدام، أو قضاء رحلة طويلة تكون فيها حركة السير شبه دائرية.
ويجد كبار السن والأطفال في الطريق الأولى (تسلق المرتفعات) صعوبة هائلة عند سلوكها، كما يصعب فيها نقل أي أغراض مع الشخص المسافر لأنه بالكاد يستطيع الانتقال بنفسه، بحسب صالح.
ويوضح صالح أن المسافة (في الطريق الرئيسية) بين مركز المحافظة في الضالع ومدينة دمت الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، على سبيل المثال تبلغ نحو 60 كيلو مترا، يمكن اجتيازها بساعة من الزمن.
لكن اللجوء للطرق البديلة، بعدما أغلقت الرئيسية، يعني قضاء أكثر من 10 ساعات سفر، على مسافة تزيد عن 400 كيلو متر، ما يلزم المسافر من الضالع إلى دمت الخروج من المحافظة ثم المرور بمحافظتي لحج (جنوب)، والبيضاء (شرق)، ثم العودة إلى المحافظة نفسها قبل الوصول إلى الهدف، وفق قوله.
وبهذا الشأن، قال مكتب المبعوث الأممي في بيان، إنه "يجب أن تكون الطرق داخل اليمن متاحة لاستخدام المدنيين، وخاصة الطرق الأساسية التي تعتبر حيوية للسفر بين المحافظات وداخلها، ويجب تأمين هذه الطرق عن طريق إزالة الألغام والتأكد أن نقاط التفتيش آمنة، وأن الجهات الأمنية التي تديرها خاضعة للمساءلة".