فقد امتنعت الإمارات مرتين عن التصويت على قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الغزو الروسي، فيما قال الكرملين الروسي (الثلاثاء 1 مارس 2022)، إن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، أكد للرئيس فلاديمير بوتين حق موسكو في حماية أمنها.
وقال الكرملين إن بن زايد اتفق مع بوتين على تنسيق المواقف بشأن إنتاج الخام في إطار تحالف "أوبك +"، وهو موقف سبقه تأكيد سعودي على الالتزام بمقررات التحالف بشأن الإنتاج.
انتقادات غربية
كانت الأزمة الأوكرانية محل نقاشات أمريكية سعودية قبل وقت قليل من بدء الغزو، وقد التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نظيريه في السعودية وقطر، على هامش مؤتمر ميونخ للمناخ، وبحث معهما تطورات الموقف.
لكن الإمارات العربية امتنعت (25 و27 فبراير 2022) عن التصويت على قرار تبنته واشنطن في مجلس الأمن لإدانة روسيا، وقالت إنها خشيت أن تستخدم موسكو حق النقض "الفيتو" على قرار تمديد حظر السلاح على اليمن، الذي تم التصويت عليه (الاثنين 28 فبراير 2022).
أثار الموقف الإماراتي انتقادات واسعة، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية، (الاثنين 28 فبراير 2022)، عن مصدر دبلوماسي غربي قوله: إن الغربيين "أصيبوا بخيبة أمل كبيرة إزاء امتناع الإمارات مرتين".
بصفة عامة، كان الموقف الخليجي المحايد من الغزو الروسي واضحاً، وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية (1 مارس 2022)، إنه يعكس متانة علاقة هذه الدول مع روسيا.
وقالت الصحيفة البريطانية إن بلينكن اتصل بنظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، لتأكيد "أهمية بناء رد دولي قوي لدعم السيادة الأوكرانية، ولكن عندما تعلّق الأمر بالتصويت يوم الجمعة في مجلس الأمن الدولي، تجاهلت الإمارات مناشدات واشنطن".
وأشارت الصحيفة إلى أن موقف القوتين الكبريين في الخليج من الغزو الروسي لأوكرانيا "يبرز كيف تنتهجان سياسات خارجية أكثر استقلالية عن واشنطن، التي سارتا في ركابها طويلاً، بينما تعمقان علاقاتهما مع موسكو وبكين".
علاقات متشابكة
عندما يتعلق الأمر بالإمارات والسعودية فإنهما تتبنيان سياسة خارجية شبة موحدة وهما تخوضان حرباً دامية في اليمن منذ سبع سنوات، فضلاً عن تقاربهما سواء المعلن أو غير المعلن في قضايا مثل العلاقة مع بشار الأسد أو "إسرائيل".
وقد بنت دول الخليج عموماً شراكات سياسية واقتصادية كبيرة مع الروس عندما تأكدوا أن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً يمكن الاعتماد عليه كما في السابق.
ومن ثم فإن السعودية والإمارات تحديداً ستتمسكان بهذه الشراكات، كما تنقل "فايننشال تايمز" عن المحلل السعودي علي الشهابي.
وفيما تقود الرياض وموسكو سوق النفط العالمية عبر "أوبك +"، فإن لدى أبوظبي أيضاً ارتباطات واسعة مع الروس خصوصاً في ليبيا التي تمثل ذروة التفاهم بين البلدين، وفي سوريا أيضاً.
وقد أبقى "أوبك +" في اجتماع (2 فبراير 2022) على سياسة الإنتاج، متجاهلاً التداعيات الكبيرة للحرب على إمدادات الطاقة، فيما أعلنت الولايات المتحدة ودول غربية الإفراج عن 60 مليون برميل من احتياطها.
إعادة تموضع
تذهب أغلب التحليلات إلى أن دول الخليج عموماً لا تريد أن تكون طرفاً في صراع الفيلة الذي أصبحت أوكرانيا عنواناً له، لكن الإمارات تحديداً ومن بعدها السعودية، تحاولان إعادة التموضع بين الكبار على ما يبدو.
العديد من التقارير العالمية أكدت أن موقف الخليج عموماً، وموقفي الرياض وأبوظبي خصوصاً، يعكس عدم ثقة هذه الدول بالولايات المتحدة كضامن للأمن إلى حد بعيد، رغم استمرار الشراكة.
صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية قالت (28 فبراير 2022) إن الإمارات تحديداً حاولت عدم الاصطدام بموسكو التي تمتلك حضوراً عسكرياً قوياً في الشرق الأوسط، فضلاً عن حضورها السياسي في ملف إيران النووي.
ولفتت الصحيفة إلى أن الإماراتيين تحديداً يريدون حسم مفاوضات إيران النووية على نحو يضمن توقف الهجمات التي يشنها وكلاء طهران في المنطقة، والتي طالت أبوظبي ودبي مؤخراً.
وتعتقد الإمارات- كما تقول الصحيفة- أن الوقوف ضد موسكو في أزمتها مع الغرب ربما يدفع فلاديمير بوتين لتعقيد مفاوضات فيينا النووية التي أوشكت على الانتهاء.
أضف إلى ذلك أن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والسعودية وروسيا تنامت جداً خلال السنوات الماضية، وهو أمر ينسحب على دول خليجية أخرى، في مقدمتها قطر.
وفيما يحاول العالم الغربي عزل النظام السياسي الروسي عن العالم، فإن الصحيفة العبرية تؤكد أنباء لقاء وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، نهاية فبراير 2022.
وهذا أول مسؤول عالمي يلتقي لافروف منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وكان بن زيد أكد لنظيره الروسي متانة العلاقات بين البلدين خلال اتصال هاتفي جرى غداة الغزو.
وقال إميل حكيم، خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لـ"فايننشال تايمز"، إن امتناع الإمارات عن التصويت "في وقت إجماع غربي فاجأ بعض المسؤولين الغربيين"، لكنه أضاف أن "سلوك التحوط الإماراتي مستمر منذ مدة".
الباحث في الشأن الخليجي ميثاق جلود يرى أن الحرب الدائرة حالياً بمنزلة شرارة لحرب عالمية جديدة، خاصة أن روسيا تعتمد منطق القوة في التعامل، وأيضاً إذا أضفنا الصين للمعادلة فمن الممكن أن تمتد شرارة القتال إلى الكثير من دول العالم.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال جلود إن خطورة الحرب هي التي دفعت الكثير من الدول للامتناع عن اتخاذ موقف واضح من روسيا، خصوصاً في السعودية والإمارات، اللتين تمتلكان علاقات متصاعدة مع موسكو، في وقت تشهد فيه علاقتهما مع واشنطن فتوراً بسبب الوضع اليمني.
وأضاف جلود: "هذه الدول تتريث في إبداء مواقفها، خصوصاً أنها لم تتعرض لضغوط كبيرة على ما يبدو، بسبب معرفة واشنطن أنها ستكون بحاجة للنفط السعودي حال تصاعدت الأمور".
لكن السعودية تحديداً لن تستطيع الوقوف على الحياد مدة طويلة؛ لأنها تعتمد على السلاح والخبرة الأمريكية بالأساس في جيشها وفي حربها للحوثيين اليمنيين، ومن ثم فإنها ستتدخل قريباً لضبط أسعار النفط باتفاق مع واشنطن، بحسب جلود.
أما الإمارات - يضيف المحلل السياسي- فمع أنها اتخذت موقفاً واضحاً في مجلس الأمن، لن تقف طويلاً في نفس المكان حرصاً على العلاقة مع الولايات المتحدة أيضاً.
وخلص جلود إلى أن الرياض وأبوظبي تراهنان حالياً على انتهاء الأزمة بسرعة ومن ثم لا تحاولان إغضاب موسكو وإثبات نقطة إيجابية عندها، لكونها التي تملك كلمة قوية في طهران، أما واشنطن فخذلت البلدين في اليمن، ولم تساعدهما على حسم الحرب بأكثر من حجة واهية.
هذا الخذلان الأمريكي، بحسب جلود، دفع السعودية والإمارات إلى البحث عن حلول أخرى لأزمة اليمن، لكنهما في النهاية لن تتخليا عن العلاقات مع واشنطن من أجل موسكو، إذا امتدت الحرب الأوكرانية وقتاً أطول من المتوقع.