بالنسبة لليمنيين، اختلاق الأزمات في ظلّ غياب مؤسسات دولة رقابية عارضٌ معتاد ومتوقع من تجّار جشعين، حتى وإن كان السبب يعود إلى عاصفة ثلجية ضربت دولة مجهولة لم تقرر بعد اختيار علمها الوطني، فكيف والحدث الحاصل قد خضّ العالم أجمع وجعله يدخل في حالة طوارئ؟
غداة بدء الضربات الروسية في أوكرانيا الخميس الماضي، كانت الأسعار تشتعل تلقائياً في العاصمة اليمنية صنعاء وباقي مدن اليمن، شمالاً وجنوباً. حالة هلع سادت من نفاد المخزون التمويني، واختفاء مادتي البنزين والغاز المنزلي، وتدهور أسعار الصرف، وكأن اليمن قد تبادل موقعه في الخريطة مع بولندا الحدودية مع أوكرانيا، أو أنه أصبح هدفاً محتملاً للغزو الروسي، مثله مثل دول البلطيق.
لا يتوقف الأمر عند تداعيات فورية تجعل المواطن اليمني "الغلبان" هدفاً لحيل من النهب، تحت مسّميات البورصة والارتفاع العالمي للأسعار وتوقف استيراد القمح من أوكرانيا وروسيا، ولا عند حسرة الشارع اليمني وهو يشاهد القيادة الأوكرانية، من الرئيس فولوديمير زيلنسكي إلى أعضاء الحكومة والبرلمان، يتقدمون صفوف المعركة، فيما قيادات الحكومة "الشرعية" اليمنية تبدو مثل "شاهد ما شافش حاجة".
الخطر الحقيقي للأزمة الأوكرانية يكمن في أنها خطفت أنظار العالم سياسياً وإنسانياً وإعلامياً، وجعلت اليمن منكوباً مرتين. كارثة داخلية وتجاهل دولي قد يجعلان التهديدات الأممية بخطر وشيك للمجاعة تتحول إلى حقيقة ملموسة خلال هذا العام المشؤوم بكل المقاييس.
منذ بدء الانقلاب الحوثي قبل أكثر من سبع سنوات وتوسع رقعة الحرب من صنعاء إلى كافة المدن اليمنية، ظلت أزمة اليمن مجرد نزاع ثانوي في أجندة المجتمع الدولي، إن لم تكن منسية في غالب الأوقات.
خلال العامين الماضيين، تزايد التجاهل الدولي للأزمة، وتحديداً في المؤتمرات التي تخصّصها الأمم المتحدة لدعم خطة الاستجابة الإنسانية السنوية، حيث تقلصت تمويلات المانحين إلى النصف عما كانت عليه. فبعد تمويلات غير مسبوقة بلغت 3.6 مليارات دولار في عام 2019، تراجع الرقم إلى ملياري دولار في خطة 2020، وإلى نحو ملياري دولار ونصف مليار في العام الماضي.
ومن سوء حظ اليمنيين، أو الأمم المتحدة بشكل أدق، أن الدب الروسي أخرج مخالبه وأربك العالم قبيل أيام من انعقاد مؤتمر المانحين بخصوص اليمن، والذي تنظمه حكومتا السويد وسويسرا في 16 مارس/آذار الحالي.
هذا العام، كانت الأمم المتحدة قد رفعت سقف طموحاتها عالياً، وطالبت بتعهدات مالية تصل إلى 3.9 مليارات دولار لخطة العام 2022. ويبدو أنها لن تحصد سوى الخيبات، مع نشوب صراع غير مسبوق لن يجعل المجتمع الدولي يلتفت لأزمات دول العالم الثالث، حتى وإن مات الملايين وتم دفنهم في مقابر جماعية.
هناك أولويات ملحّة لن تجعل المجتمع الدولي يكترث للتصريحات التي أطلقها المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، الثلاثاء الماضي، وحذر فيها من "جحيم على الأرض وأخذ الطعام من الجياع لإطعام الجياع" إذا لم يتم توفير تمويلات عاجلة.
صحيح أن التهديد الذي تتعرض له أوروبا هو الأخطر، لكن لو أن الدول الكبرى استنفرت 5 في المائة فقط من ردّ فعلها مع أوكرانيا في الأزمة اليمنية، لكان الوضع قد تغير عما هو عليه الآن.
لا يطمح اليمن إلى المساواة مع أوكرانيا. الطموحات متواضعة: مجرد اهتمام جاد، حتى وإن كانت النتيجة انتقالاً إلى حرب جديدة لا تجعله عالقاً في حرب 2015 منذ ثماني سنوات.