تُعتبر مدينة المهرة من المدن اليمنية القليلة التي لم تدخل ضمن إطار الصراع الدائر حالياً، إلا أنها لم تسلم من تنفيذ أنشطة عسكرية تُديرها دول التحالف وبعض الدول الغربية. فالحوثيون مثلاً منذ انقلابهم على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر/أيلول 2014 حتى اللحظة لم يستطيعوا الوصول بقواتهم العسكرية إلى المدينة. بل إن المدينة ومنذ سنوات ما قبل الحرب لم تشهد أي صراع مسلَّح من أي نوع يُذكَر.
وعلى الرغم من ذلك يوجَد عديد من القواعد العسكرية التابعة للقوات المسلحة السعودية في المدينة، التي تتكون من مئات الجنود السعوديين وعديد من قواعد الطيران الحربي، التي أنشأتها السعودية بعد تدخُّلها في اليمن ضمن العملية العسكرية التي تُسمَّى "عاصفة الحزم"، والتي اندلعت في 25 مارس/أذار 2015 ضد الحوثيين. بالإضافة إلى وجود فصائل مدعومة من الإمارات مثل "النخبة المهرية" التي تنشط من حين إلى آخر في المدينة.
وبما أن النشاط العسكري والاستخباراتي لدول التحالف في المدينة قد يُعتبر وجوداً طبيعياً بحكم التنسيق المسبق مع الحكومة اليمنية، فإن وجود قوات عسكرية بريطانية وأمريكية في هذه المنطقة كان مفاجئاً لدى المجتمع المهري بخاصة، والمجتمع اليمني ككل. فخبر وجود عسكري واستخباراتي لدول غربية لم تكن ضمن الدول المشاركة رسمياً في العملية العسكرية في اليمن، أثار عديداً من التساؤلات لدى الشارع اليمني عن سبب وجود هذه القوات ومن المستهدف منها.
السفير البريطاني لدى اليمن مايكل أرون وفي تصريحات سابقة له في 29 يونيو/حزيران 2021، أكد أن بلاده تمتلك قوات عسكرية في محافظة المهرة، وأوضح أن هدف وجود هذه القوات هو مكافحة الإرهاب والتهريب. وكانت الحكومة البريطانية ادّعَت اعتداء الحوثيين على سفينة بريطانية قبالة سواحل المهرة، الأمر الذي عزّز موقفها تجاه إرسال قوات عسكرية بريطانية إلى المدينة. في المقابل لم تُصدِر الحكومة اليمنية أي تصريحات مؤيدة لوجود هذه القوات أو تكشف عن أي تعاون عسكري بينها وبين بريطانيا سواء في مدينة المهرة أو غيرها من المدن اليمنية.
في هذا الصدد صرّح الناشط السياسي ياسين التميمي بأن "ادعاءات وجود هجمات على السفن من جهة المهرة ستزيد الأمر تعقيداً بدخول عنصر آخر يتعلق بنشاطات التهريب متعددة الدوافع، وأخطرها تهريب الأسلحة والمخدرات".
وأضاف: "لقد ظهر النشاط العسكري والاستخباراتي الأمريكي البريطاني في محافظة المهرة البعيدة عن منطقة المواجهات العسكرية، عبر الطائرات المسيَّرة التي سقط بعضها فوق منازل المواطنين في مدينة الغيضة عاصمة المحافظة، ووقوع هجمات خطيرة على السفن التي تمر قبالة شواطئ المحافظة".
وأضاف التميمي أن "لإعادة توجيه المكانة الحيوية لمحافظة سقطرى لصالح قوى دولية وإقليمية مخطَّطاً، خصوصاً في ظل ضعف الدولة اليمنية المركزية والحرب التي تعصف بهذه الدولة حاليّاً. لذلك نرى كيف تتزايد ادعاءات ارتباط المهرة بأنشطة ذات طابع إرهابي، بما يجعلها عمليا مستباحة ويحوّل اليمن إلى طرف في التهديد الظاهري الذي تتعرض له الملاحة الدولية في المنطقة".
ويفسر الشيخ الحريزي بأن "أهمّ أسباب الوجود العسكري التابع لكل هذه الدول في المدينة هو الموقع الجغرافي المهمّ الذي تتمتع به المدينة، بالإضافة إلى امتلاكها عديداً من الثروات الطبيعية كالمعادن والنفط والغاز.
وهذا ما شكّل حالة من الرغبة لدى هذه الدول في استغلال وجودها العسكري تحت شعار مكافحة التهريب والإرهاب ومواجهة التمدد الإيراني في المدينة".
ويرى مراقبون أن النشاط العسكري البريطاني والأمريكي في اليمن بات واضحاً ولا يقبل الإنكار، ومهما يكُن حجم هذه القوات وتحت أي اسم فإن بقاءها داخل الجغرافيا اليمنية، بخاصة في مناطق لم تبلغها آثار الحرب المدمرة سيخلق أزمة أمنية كبيرة على المدى القصير في اليمن، بخاصة مع الرفض الشعبي الكبير لوجود هذه القوات.
ومهما تكُن صحة الادّعاءات التي تتبنَّاها أمريكا وبريطانيا والتي بنَت عليها ادعاءاتها من أجل الوجود في مدينة المهرة وتنفيذ أنشطتها العسكرية، فقد كان الأولى بهذه الدول حسب مراقبين، تمكين الجيش اليمني ودعمه لحفظ الأمن العام داخل الدولة، والسعي لتأهيل القوات المسلحة اليمنية لتمكينها من حماية طرق الملاحة الدولية ولتفادي أي أعمال إرهابية مستقبلاً.