قادت السعودية والإمارات حربا غير واضحة المعالم في اليمن قبل ثماني سنوات.
كانت حربا مزيفة الأهداف، وقد مثلت في ساعاتها الأولى بارقة أمل لكثير من اليمنيين، الذين أخضعتهم مليشيا الحوثي لقمعها المفرط.
نتائح الحرب المستمرة كارثية ومدمرة، وليس لها أفق ينذر بتعافي البلد من أزماته الاقتصادية والإنسانية.
أدت الحرب العائمة، أيضا، إلى انتهاكات عديدة ومجازر بشرية ارتكبها تحالف السعودية والإمارات من جهة، ومليشيا الحوثي من جهة أخرى.
الخريطة الحالية ممزقة إلى جماعات ومليشيات متناحرة، وكل مجموعة تمتلك أسلحتها وميزانياتها الخاصة.
حاولت السعودية الإيحاء بأن إنشاء هذه القوى بهدف مواجهة الحوثي، لكن تبين أن ذلك خدعة أخرى تشبه خداع التدخل الجوي لأول مرة في مارس ٢٠١٥.
تعد مليشيا الحوثي أقوى هذه الجماعات المسيطرة على مناطق الكثافة السكانية، التي ورثت تركة دولة كانت قائمة بمخازنها وقياداتها العسكرية الطائفية وترسانة سلاح متطور، أضيف إليه دعم إيران بالخبراء وقطع السلاح.
اعترفت المليشيا، في تصريحات أخيرة، بتسببها في مقتل وإصابة أكثر من رُبع مليون يمني خلال ثماني سنوات من الحرب.
وخارج الحدود، نفذ الحوثيون مئات الهجمات، ما أجبر الرياض على إجراء محادثات ثنائية.
وفي الوقت نفسه، استطاعت الصين النفاذ إلى المنطقة برعاية اتفاق مهم بين السعودية وإيران لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
يقول مسؤول سعودي إن اتفاقهم الأخير مع طهران لا يقضي بدعم جماعة على حساب أخرى في اليمن.
يبدو أن السعودية أُجبرت على تسليم خاصرتها الجنوبية الرَّخوة للحوثيين، فالبلد أو جزء كبير منه واقع فعلا في فلك إيران، وليس في وارد الحوثيين التخلي عن ترسانتهم العسكرية.
من الواضح أن الاتفاقيات الأخيرة ثبتت قدمها على مناطق السيطرة بصورة توضح حجم الكارثة والتلغيم الذي وضعت فيه البلد.
جاء الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران لكي يقايض الدمار الهائل في اليمن مقابل الحصول على أمن السعودية، أو هكذا أرادت الأخيرة، لكن من الواضح أنه شراء مؤقت للأمن.
سواء تُركت اليمن لمصيرها الممزَّق بعناية أو سيطرة شبه كاملة للحوثي، خاصة على مناطق شمال الشمال، فلن يكون ذلك آمنا بالنسبة للرياض على المدى الطويل من عدة جوانب.
على سبيل المثال، ليس في وسع إيران التخلي عن طموحها النووي، أو الهيمنة على المنطقة والتجارب كثيرة.
ترى طهران أن المنطقة تشهد مرحلة مخاض تمضي في صالح مشروعها التوسعي بعد أن سقطت أربع عواصم عربية في فلكها.
إذا كانت طهران تمر الآن بأزمة اقتصادية داخلية، فمن الممكن تقديم تنازلات بسيطة على طاولة التفاوض مع السعودية، لكنها لا تزال تمتلك أوراقها في المنطقة.
مليشيا الحوثي إحدى هذه الأوراق، وبدلا من نجاح السعودية في تحييد قدراتها الصاروخية، نجحت هي في تحييد الضربات الجوية.
منذ سنوات الحرب، والمليشيا وطهران كانتا تحاولان العمل مع المجتمع الدولي من أجل وقف الحرب، الذي يعني -بحسب منظور الحوثي وطهران- توقف الغارات الجوية فقط، من أجل التفرغ للسيطرة على بقية المناطق.
حصدت مليشيا الحوثي هذه الجهود، وكما تشير المصادر المحلية إلى تصعيدها العسكري باتجاه مأرب، خلال الأيام الماضية.
مهما بدت السعودية في مأمن الآن من هذه التطورات، فلن تكون معزولة عن بقاء التهديد في خاصرتها الجنوبية.
يمكن العودة إلى سلسلة تجارب فاشلة، والأيام القليلة الماضية تفصح عن تحشيدات ومناورات عسكرية، بينها الاستعراض بالطائرات المسيَّرة.
تلك الطائرات والصواريخ الباليستية هي من ضربت العُمق السعودي، وأجبرت الرياض على الرضوخ للجلوس على طاولة المفاوضات.
ولن تكون هذه الصورة الأولى، ولا الأخيرة، فمنذ سنوات يقدم الحوثيون أنفسهم كجماعة حرب وسلاح في مواجهة ما تسميه "العدوان".