وهذا التوجيه هو الثاني من نوعه هذا العام والذي يطالب المسؤولين بالعودة إلى عدن وممارسة مهامهم منها. ففي مطلع أغسطس الماضي أصدر مكتب رئاسة الجمهورية تعميماً إلى وزراء الحكومة ونوابهم والوكلاء والمحافظين يطالبهم بسرعة العودة إلى عدن والمحافظات المحررة، وأداء مهامهم من داخلها. وكان التعميم الصادر في أغسطس عن مكتب رئاسة الجمهورية قد أمهل المسؤولين أسبوعاً لتنفيذه، وإلا سيتم اتخاذ الاجراءات اللازمة، لكن مرّ عليه نحو ثلاثة أشهر من دون تنفيذه، ومن دون اتخاذ أي إجراء.
تساؤلات عن أسباب عدم عودة المسؤولين لليمن
وتأتي هذه التوجيهات في الوقت الذي يقضي فيه رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ورئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء والوكلاء ومحافظي المحافظات معظم أيامهم في الخارج، وبالتحديد في السعودية ومصر وتركيا وينشغل الكثير منهم بشراء العقارات والشقق الخاصة بمئات الاف الدولارات والعمل على استقرار أسرهم وتوفير التعليم لأقاربهم.
وتثار الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي تحول دون عودة المسؤولين إلى الداخل. وتعد الرواتب التي يقبضها المسؤولون الموجودون في الخارج بالعملة الصعبة في مقدمة الأسباب، إذ تُصرف لهم هذه المرتبات من إيرادات النفط والغاز المودعة في البنك الأهلي في السعودية. ويخشى المسؤولون من صرف مستحقاتهم بالريال اليمني في حال عودتهم إلى الداخل، ما يجعلهم يرفضون فكرة العودة.
ومن ضمن الأسباب التي يتذرع بها المسؤولون الوضع الأمني في عدن، والذي يرون أنه غير مستقر في ظل سيطرة "الحزام الأمني" التابع لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" على عدن، والتي ينفجر فيها الوضع الأمني بين الحين والآخر.
مسؤول في الحكومة: المسؤولون الموجودون خارج البلاد لم يستلموا رواتبهم منذ حوالي عام
أحد المسؤولين في الحكومة اليمنية قال مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن الحكومة عجزت عن توفير غرفة له في عدن، كما أنه خلال الفترة منذ تعيينه وحتى الآن لم يصرف له ليتر محروقات، متسائلاً ما جدوى عودة المسؤولين إلى عدن في ظل وضع كهذا؟ وما الذي يمكن أن ينجزه المسؤول من خلال وجوده في العاصمة المؤقتة؟ وأشار إلى أن المسؤولين الموجودين خارج البلاد لم يستلموا رواتبهم منذ حوالي عام، ويعانون من أزمة مالية، وهي من أسباب عدم العودة للداخل. كما تحدث مصدر حكومي آخر عن أن رواتب المسؤولين غير منتظمة.
وبحسب رصد فإن الوزراء يكثرون التنقل بين عدن والعواصم العربية، وعدد منهم يقضون معظم أيامهم خارج البلاد، وعلى رأسهم وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، ووزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، ووزير الشباب والرياضة نائف البكري، ووزير الصناعة والتجارة محمد الأشول، ووزير المياه توفيق الشرجبي. ويضاف إليهم رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، ورئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر، وعدد كبير من أعضاء المجلسين يقيمون خارج البلاد بشكل شبه دائم.
بالتوازي مع ذلك، هناك وزراء موجودون بشكل شبه دائم في عدن، وعلى رأسهم وزير الخدمة المدنية عبد الناصر الوالي، ووزير الصحة قاسم بحيبح، ووزير الإدارة المحلية حسين عبد الرحمن.
أالتزامات مهمة للحكومة اليمنية
المحلل السياسي رماح الجبري قال إن "الحديث عن عودة المسؤولين اليمنيين إلى الداخل متشابك، وكثير من المتابعين يعتقدون أن المسؤولين اليمنيين جميعهم لا يزالون خارج اليمن وهذا غير صحيح، كون غالبية الوزراء ورئيس الوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات موجودون في عدن، ويمارسون مهامهم من هناك"، مضيفاً "من تبقّى هم بعض وكلاء الوزارات وأيضاً الإعلام التلفزيوني الرسمي وإذاعة صنعاء ووكالة سبأ، ولم تتهيأ الظروف الأمنية لعودتهم".
ولفت الجبري إلى أن تعميم مدير مكتب رئاسة الجمهورية في أغسطس/ آب الماضي، أكد ضرورة عودة جميع مسؤولي الدولة واستثنى من هم مكلفون بمهام رسمية، وبالفعل تحركت الأجهزة الرقابية بما فيها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والخدمة المدنية، ورفعت تقاريرها خلال الأشهر الماضية لرئيس مجلس القيادة بعدد المسؤولين الذين يمارسون مهامهم من مقار أعمالهم، متوقعاً أن يتخذ المجلس "الإجراءات المناسبة حيال الرافضين للعودة لممارسة مهامهم".
وأشار الجبري إلى أن مجلس القيادة الرئاسي أمام التزامات مهمة ولا سيما للمانحين والداعمين للحكومة، بما فيه الدعم السعودي الأخير المقدر بـ1.2 مليار دولار، والمرتبط بإصلاحات إدارية واقتصادية في منظومة الدولة، معتبراً أن المجلس سيكون أمام خيارات إجبارية لاتخاذ إجراءات بحق من لم يعودوا لممارسة مهامهم وتعيين البدائل.
وأكد الجبري أن "الظروف الأمنية ونفوذ التشكيلات العسكرية في عدن لم تعد مبرراً لبقاء مسؤولي الدولة في الخارج، ولأن اليمن لا يزال يعيش ظروف الحرب فهو بحاجة لمن لديه الاستعداد للتضحية ومواجهة المخاطر للقيام بواجبه تجاه البلد، لا من ينتظرون الظروف المثالية للقيام بواجباتهم"، متابعاً: "من المهم أن يخاطب المسؤولون الرأي العام بما يقومون به وينجزونه، وأيضاً إذا كانوا يواجهون أي عراقيل تمنعهم من ممارسة مهامهم وأعمالهم".
من جهته، قال الكاتب الصحافي صلاح الواسعي، إن عودة الحكومة إلى عدن ومزاولة عملها من داخلها مهمة جداً وضرورية لأجل استتباب الأمن وعودة الخدمات وحل كافة المشاكل الحكومية.
وأضاف: "لا يمكن القول بيمن قوي بدون حكومة في الداخل، ففي الخارج فقط وزارة الخارجية، أما الداخل فهو لكل الحكومة اليمنية". وبرأيه، فإنه "قبل سنوات كانت هناك مبررات أمنية، أما اليوم فلم تعد هناك مبررات، وعلى الحكومة العودة، ومن المهم أن يكون هناك قانون يعاقب أي مسؤول لا يباشر عمله من الداخل اليمني".
وحول الجانب الأمني في عدن، رأى الواسعي أن عدن مهيأة لأن تكون مقراً للحكومة اليمنية، وهي الآن أكثر أماناً من السنوات السابقة، وطالب "بتنفيذ القوانين واللوائح بشأن الرافضين للتوجيهات بالعودة، في هذه الحالة سيُجبَر المسؤول الحكومي الجاد على العودة، والخائف سيقدم استقالته، مع أنه ليس هناك ما يدعو إلى الخوف"، مضيفاً "التهديدات الأمنية أصبحت غير موجودة مقارنة بالسنوات الست الماضية، لذلك يجب على الحكومة اتخاذ تدابير لضمان عودة المسؤولين إلى عدن ومباشرة عملهم على أكمل وجه ممكن".