وأورد الكاتب نيك تورس عدة أمثلة على ذلك، وتحدث عن حادثة رصد مشاة البحرية الأميركية -قبل نحو قرن- في طائرة مسلحة (من النماذج القديمة) مجموعة من الرجال المدنيين بنيكاراغوا يقطعون الأعشاب ويقلّمون الأشجار على مسافة بعيدة.
واقتناعا منهم بحدوث شيء شنيع، أطلقوا النار دون أن تكلف الولايات المتحدة نفسها عناء إحصاء الجرحى والقتلى.
وقبل عامين فقط، أطلقت القوات الأميركية صاروخا نحو رجل يقود سيارته عبر العاصمة الأفغانية كابل "ظنا منها أنه إرهابي" مما أدى إلى مقتله مع 9 مدنيين آخرين، بينهم 7 أطفال.
وأكد الكاتب أن الجيش الأميركي أظهر خلال القرن الماضي استهتارا مستمرا بحياة المدنيين، وصوّر الناس العاديين أو أخطأ في تعريفهم على نحو متكرر بأنهم أعداء، كما فشل في التحقيق في الأضرار التي لحقت بالمدنيين، وفشل في منع تكرارها أو محاسبة مرتكبيها.
تناقض
وتتناقض هذه الممارسات طويلة الأمد بشكل صارخ مع الحملات العامة التي تشنها حكومة الولايات المتحدة لتسويق حروبها على أنها حميدة، وحملاتها الجوية على أنها دقيقة، واهتمامها بالمدنيين باعتباره طاغيا، ووفاة الأبرياء باعتبارها حالات شاذة "مأساوية".
وأشار الكاتب إلى أن القوات الأميركية هاجمت 67 مدينة في اليابان في أربعينيات القرن الماضي، وأحرقت 180 ميلا مربعا، وقتلت أكثر من 600 ألف مدني، وتركت 8.5 ملايين بلا مأوى. لقد دفع الموت والدمار الهائلان هنري ستيمسون، وزير الحرب، إلى القلق من أن الولايات المتحدة "ستكتسب سمعة التفوق على هتلر في الفظائع".
مع ذلك، وقّع ستيمسون على ضربة نووية على مدينة هيروشيما أسفرت عن مقتل 140 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وضربة أخرى على ناغازاكي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 70 ألف شخص.
وخلال الحرب الكورية، أعلن الجنرال دوغلاس ماك آرثر أنه سيتم تدمير كل مدينة وقرية في الشمال. وتفاخر كيرتس ليماي، الجنرال بالقوات الجوية، لاحقا بأن الولايات المتحدة "قتلت أكثر من مليون كوري مدني وهجّرت عدة ملايين آخرين من منازلهم".
وقبل سنوات من نهاية الحرب، كانت فيتنام الجنوبية مليئة بما يقدر بنحو 21 مليون حفرة، يبلغ قطر بعضها أكثر من 20 قدما. وفي كمبوديا المجاورة، بين عامي 1969 و1973، قتلت الهجمات الأميركية ما يصل إلى 150 ألف مدني.
كما قصفت الولايات المتحدة لاوس الصغيرة بأكثر من مليوني طن من الذخائر، مما يجعلها الدولة الأكثر قصفا في التاريخ، من حيث نصيب الفرد.
عنصر تبرير
وقال الكاتب إن المسؤولين الإسرائيليين برروا مرارا وتكرارا هجماتهم على غزة من خلال الاستشهاد بالأساليب التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد ألمانيا وقوى المحور الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية.
وبخصوص الحرب الجوية الأميركية في الصومال، أوضح أنه بينما يفترض أن يراقب الأميركيون الأهداف من السماء، يجب التأكد من غياب المدنيين، ووجود هدف مطلوب، وذلك قبل شن الضربة. لكن ذلك لم يكن يتحقق في الغالب.
وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة نفّذت، خلال السنوات الـ20 الأولى من الحرب على الإرهاب، أكثر من 91 ألف غارة جوية في 7 مناطق صراع رئيسية هي: أفغانستان والعراق وليبيا وباكستان والصومال وسوريا واليمن، وقتلت أكثر من 48 ألف مدني، وذلك وفقا لتحليل أجرته أيروير عام 2021، وهي مجموعة مراقبة الغارات الجوية ومقرها المملكة المتحدة.
واستعرض الكاتب دراسة نُشرت عام 2020 لحوادث سقوط ضحايا مدنيين بعد 11 سبتمبر/أيلول التي وجدت أن معظمها لم يتم التحقيق فيها.
وعندما يخضعون للتدقيق الرسمي، تتم مقابلة الشهود العسكريين بينما يتم تجاهل المدنيين بشكل شبه كامل.
وحسب تصريحات آني شيل، مديرة الدعم في التربية المدنية في الولايات المتحدة، فإنه من غير المقبول أن يستمر الناجون المدنيون وعائلاتهم في الكفاح من أجل الحصول على أي نوع من الاعتراف من الولايات المتحدة، ودعت وزارة الدفاع إجراء التعديلات التي طال انتظارها بشكل عاجل بالتشاور مع الضحايا.