ولماذا بعد كل هذه الدماء ما زلنا نخشى السلام؟ هل هو الخوف من التسوية المُعدّة ببلاهة الخليج، وعنجهية الانقلاب؟
هل هو الخوف على رهاننا الخاسر مع الشرعية ذات الزخم الكبير والأثر المفقود؟
هل هو الخوف على ما تبقى لنا من جمهورية في مناطق الشرعية، اللاجئة إلى أحضان الشيف سيئ الصيت، من أن تبتلعها شراهة الخرافة تسليماً وبلا حرب؟
لماذا بعد عقد من الحرب ما زلنا نخاف السلام، ولسنا مستعدين له؟
هل هي التجارب المريرة مع تدخلات الشقيقة في حل أزماتنا الأزلية مع شقاة الخارج؟
هل هي العُقدة الدائمة من تعامل الملك مع اليمن كفيدٍ خاص، أو ملك شخصي، يقسمه مع كل أزمة على هواه؟ أم هو الإقرار بأن مَن خذلنا بالأمس، وسلمنا للانقلاب لن يكون اليوم هو المنقذ؟
لماذا نخشى السلام المُعد اليوم سريعاً؟ هل هي المفاوضات التي تنتهي دوماً بتحقيق رغبات الانقلاب، التي ترفع دائماً من سقف أطماعه، وتضع جانباً كل متطلبات الشعب على حساب إرضاء أقلية صارت بيوم وليلة سلطة أمر واقع في لحظة غباء وانتقام خليجية من الثورة؟
هل هو اليقين المسبق بأن ما أضغناه من أيدينا لن يعود إلا بأيدينا؟ وبأن السلام المُعد اليوم ما هو إلا تأجيل لحرب لم ولن تنتهي؟ أم هو الإيمان بأن ما تفعله سيعود عليك خيراً كان أو شرا، والدولة والجمهورية، التي رمى بها خليج الشؤم في غيابات جب الحرب العبثية، لن تكون لهم أبداً جواراً حسنا؟
لماذا ما زالت فكرة السلام بعد كل هذا العناء مرعبة؟
نعم، مُرعبة إذا لم تكن من أولوياتها عودة الجمهورية بكل قوتها وسلطتها شمالاً وجنوباً، وبكل سيادتها من حضرموت وحتى صعدة. نعم فكرة السلام اليوم مُرعبة بعد الفاتورة الباهظة، التي دفعها الجميع، خاصة وقد بانت ملامح السلام المُعد على عجالة بسلام مشابه صنعه راعي الأمس، ومفاوض اليوم في اتفاق الطائف في تسعينات القرن بين فرقاء الحرب اللبنانية اتفاق أنهى فيه الحرب اللبنانية بمخرج جمهورية المرشد، فكانت النتيجة بعد سنين بلا سلطة، ولا سيادة دولة فاشلة، وتداعيات انهيارها مدوّ حتى اليوم، ولأنهم لا يجيدون إلا الفشل ها هم اليوم يصنعون لنا تلك الجمهورية نفسها؛ كونهم ملّوا الحرب، ويريدون الخلاص من "عوار الرأس"، والتفرّغ لفعاليات الترفية، وقربان هذا الترف والترفيه سيكون -للأسف- اليمن كل اليمن.
إن الشعور بالرّعب والخوف من السلام اليوم مبرر، وأكثر من ذي قبل تحديداً بعد جريمة رداع، التي فتحت أعيننا، وللمرة المليون، أن لا سلام مع المليشيات، ولا قانون في ظل حكمهم، وتفجير اليمني الآمن في بيته سيكون هو مصير كل يمني اليوم أو غداً، ودعاية نصرة غزة كان لا بُد لها من نهاية، ولكن الثمن كان باهظاً بدماء أطفال ونساء ورجال دفنتهم المليشيا في بيوتهم، بعد نية الصيام.
وبدون أن ترف لها عين، فجرت المنازل بساكنيها، ثم أطلقت صرخة الموت، نجح مليشيا الحوثي -بهذه الجريمة- في إيقاظ بعض البسطاء، الذين انخدعوا بمهازل الاستيلاء على السفن، ومسرحية تهديد الملاحة البحرية الدولية؛ انتصارا لغزة.
للأسف، ومع كل ذلك مازال الإقليم والعالم يبحث عن تسوية يسلمنا فيها للبارود والموت، متجاهلا مطالب اليمنين كافة باستعادة الدولة والحكم الجمهوري.
لكن لا غرابة، فالعرب الذين خذلوا غزة، وباركوا الإبادة الجماعية فيها والدمار، بالتأكيد لن يشغلهم تفجير مئات من اليمنين بمنازلهم صباح رمضان؛ لأنهم هم ذاتهم من يحاصر ويموّل الحرب على غزة؛ بغية الخلاص من حماس، وهم من أدخلوا اليمن في هذه الحرب العبثية بغية الخلاص من جمهورية الثورة، التي ستهدد جوارهم الملعون، وأنظمتهم إذا ما كُتب لها النجاح.
يا وطني الغارقَ في دمائهِ
يا أيها المَطْعُونُ في إبائهِ
مدينةً مدينةً..
نافذةً نافذةً ..
غمامةً غمامةً..
حمامةً حمامةً..
مئذنةً مئذنةً..
أخافُ أن أُقرِئَكَ السلامْ ..