وبناءً على مصادر خاصة وأخرى مطلعة وضحايا فإن سماسرة محليين وروس يقومون بعمليات تجنيد واسعة، بحق يمنيين يتم استقطابهم من داخل وخارج البلاد إلى سلطنة عمان ومنها إلى دبي ومن ثم إلى العاصمة الروسية موسكو.
وفق هذه المصادر فقد لقي العشرات من الذين تم استدراجهم الى روسيا، مصرعهم عقب استدراجهم للمشاركة في هذه الحرب بطرق ووسائل شتى.
عشرات الشبان اليمنيين الذين تم توريطهم، ظهروا في فيديوهات متعددة، مختلفة، وهم يناشدون الجهات المعنية، بالعمل على إعادتهم إلى الوطن، مؤكدين تعرضهم للخداع من السماسرة والمعاملة القاسية من قبل جهات التجنيد الروسية.
أحد الضحايا
حسين المحيا، شاب من محافظة تعز، لم يمضِ على خطوبته سوى شهرين حتى لقي حتفه في هذه الحرب التي لا علاقة له بها، بعد أن تم استدراجه بوعود كاذبة من سماسرة يدعون توفير فرص عمل مجزية في شركات أمنية بروسيا.
والمحيا ينتمي إلى محافظة تعز (جنوب غرب البلاد)، وهو واحد من مئات الضحايا الذين تم استغلالهم واستقطابهم من قبل سماسرة الداخل والخارج، ودفعوا للقتال مع روسيا تحت ذرائع ومسميات مختلفة، تاركين خلفهم قصصاً مفزعة لذويهم في اليمن.
المحيا كان قد أعلن خطوبته على صفحته بـ"فيسبوك" في تأريخ 26 يوليو الماضي، وفي أغسطس وسبتمبر، نشر صور يتحدث فيها عن تواجده في سلطنة عمان والأراضي الروسية، وكان مع شاب آخر يدعى "سعد الزنجير"، الذي قُتل أيضاً في المعارك الأخيرة، وفقاً لما ذكرته مصادر مطلعة.
آلية تجنيد غير مشروعة
المواطن "ع.خ" الذي يسكن في صنعاء أكد لمحرر "المصدر أونلاين" استقطاب إحدى الشركات في سلطنة عمان عشرات اليمنيين من الداخل عبر سماسرة محليين، في إطار عمليات تجنيد غير مشروعة.
وأوضح المواطن أن هذه العمليات تبدأ بأخذ جوازات السفر لفترة تتراوح بين شهر و40 يوماً، لإتمام المعاملات في السفارة الروسية بمسقط واستخراج تأشيرات السفر إلى روسيا.
"ع.خ"، الذي فضل عدم ذكر اسمه، كشف للمحرر عن رسائل ومحادثات وصور مع زملائه الذين وصلوا روسيا دفعة واحدة بعد تنسيق مع الوسطاء في عمان، حيث استقلوا طائرة روسية ومروا إلى دبي ومنها الى موسكو، لكنه رفض نشر أي من هذه الرسائل والصور.
وأشار إلى أنهم تلقوا وعوداً بعمل مجزي في شركات لتنفيذ مهام حراسة أمنية لكنها سرعان ما تتحول إلى تشغيلهم كمقاتلين "مرتزقة في الحرب"، ومنحهم مبالغ مالية ما بين 5 إلى 7 آلاف دولار عند الوصول إلى موسكو، مع وعود برواتب شهرية تصل إلى 2000 دولار وحصولهم على الجنسية الروسية بعد عام من القتال في صفوفهم.
قال "ع.خ" إنه يتم استبدال جوازات السفر اليمنية بوثائق روسية تحتوي على معلوماتهم الشخصية، ومن ثم يتم توجيههم إلى ثكنات عسكرية قريبة من جبهات القتال بحدود أوكرانيا لتلقي التدريب العسكري وأساسيات اللغة الروسية في فترة قصيرة لا تتجاوز أسبوعين، ومنها الى مناطق التماس.
وأفاد "ع.خ" بأن هذه المعلومات وصلته من زملائه الذين تحدثوا معه خلال رحلتهم التي بدأت من اليمن مرورا بمسقط ودبي حتى روسيا، مشيراً إلى أن أغلب من كانوا في تلك الدفعة مواطنون عادوا قسراً من الاغتراب في دول الجوار وفقدوا الأمل في إيجاد عمل مناسب داخل اليمن.
كما أكد "ع.خ" أن أغلب المستهدفين من التجنيد يأتون من محافظات تعز، إب، صنعاء، وعدن، لافتاً إلى أن هذه العمليات كانت تجرى بسرية تامة في السابق، ولكنها توسعت بشكل كبير منذ بداية عام 2024. ولفت إلى أنه تراجع عن الانضمام لهؤلاء في اللحظة الأخيرة بعد ضغوط من أسرته التي رفضت الفكرة.
مراحل الاستقطاب
بدأت السلطات الروسية في استقطاب اليمنيين المقيمين على أراضيها، وهم غالباً من الطلاب، عبر إغرائهم بمنح الجنسية الروسية وتصحيح أوضاع إقامتهم، بالإضافة إلى وعود بتقديم رواتب لهم، مقابل مشاركتهم المحدودة في القتال إلى جانب القوات الروسية في النزاع العسكري مع أوكرانيا.
ومع مرور الوقت، تحول الأسلوب من الإغراء إلى التهديد والإجبار، حيث تعرض من وافقوا على المشاركة لضغوط كبيرة، ووجهت تهديدات بفرض عقوبات صارمة على من يرفض التعاون.
بحسب مصادر مطلعة فقد اضطر بعض اليمنيين المشاركين إلى تعليق دراستهم في الجامعات الروسية، نتيجة عدم قدرتهم على التوفيق بين متطلبات الدراسة والقتال، في حين أشارت الى أن هناك من تم سجنهم على ذمة هذه الحرب.
وتفاقم الوضع لاحقاً، حيث امتدت عمليات الاستقطاب لتشمل يمنيين مقيمين في دول أخرى، من بينهم عشرات الطلاب والمغتربين، قبل أن تتوسع تلك العمليات لتشمل مئات اليمنيين الذين جُلبوا من داخل البلاد على دفعات متتالية عبر سماسرة بعد أسابيع من ترتيب سفرهم.
تقوم القوات الروسية بتوزيع وتفريق المجندين اليمنيين الذين تم استدراجهم على مجموعات صغيرة، يتم نشرها في متارس متفرقة على خطوط المواجهة الأمامية مع القوات الأوكرانية.
رعب ومأساة
في الأيام الماضية، تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لمجموعات مختلفة من اليمنيين الذين تم استقطابهم، حيث يناشدون الجهات المعنية لإنقاذهم من المأزق الذي وقعوا فيه بعد التغرير بهم من قبل سماسرة في الداخل والخارج.
أحد الفيديوهات يظهر مجموعة مكونة من خمسة شبان يمنيين من مناطق مختلفة في أحد خنادق القتال، مضربين عن الطعام للتعبير عن رفضهم المشاركة في القتال والضغط من أجل إعادتهم، أحد هؤلاء قال مصدر محلي إنه يدعى "غنام أحمد شريم"، مساعد طبيب من محافظة البيضاء. المتحدث في الفيديو أكد أن القوات الروسية تعاملهم بالإهانة والتعذيب، وتقصّر في توفير الغذاء والسلاح لهم.
مصادر مطلعة أفادت أن الروس يستخدمون اليمنيين والمجندين من جنسيات أخرى كدروع بشرية في خطوط التماس، لأنهم في الغالب غير جاهزين للقتال لعدم إعدادهم عسكرياً أو تسليحهم بشكل مناسب.
وأظهرت فيديوهات نحو 10 فيديوهات متعددة لمجموعات مختلفة معاناة هؤلاء اليمنيين الذين تعرضوا للتهديد بالقتل والإجبار على القتال في صفوف القوات الروسية.
ومن خلال فيديو آخر، ظهر سبعة يمنيين كانوا يعملون في سلطنة عمان، تم التغرير بهم من قبل شركة قالوا إنها تسمى "الجابري"، وهي التي وعدتهم بوظائف أمنية برواتب مغرية، ولكنهم فوجئوا بوضعهم في معسكرات روسية قرب أوكرانيا، ولم يحصلوا إلا على جزء صغير من المبالغ الموعودة، وأكدوا أن 25 من زملائهم قُتلوا في الجبهات ولم يتبقَ منهم أحد.
مجموعة أخرى أفادت أن القوات الروسية تخطط لاستخدامهم كطعم للقوات الأوكرانية والاحتماء خلفهم بعتادهم الكبير، مشيرين إلى مقتل وأسر عدد زملائهم، ومطالبين بترحيلهم إلى اليمن، وداعيين النشطاء والإعلاميين الى التفاعل مع قضيتهم.
جميع الفيديوهات أظهرت مجموعات اليمنيين، وهم يرتدون الزي العسكري الروسي مع بعض الأسلحة الخفيفة، وقد نشر آخرون مقاطع أخرى تظهر عدد منهم وهم في الغابات ومساحات القتال، ومقاطع أخرى تم تداولها وقادة الكتائب الروس يجبرونهم على التوجه الى المعارك، وناشد جميع من ظهروا بالفيديوهات وهم مخفيين لصورهم تخوفاً من أي عواقب، رئاسة الجمهورية، المجلس الرئاسي، الحكومة اليمنية ووزارة الخارجية، السفارة اليمنية في موسكو، والقنصلية، متابعة قضيتهم والعمل على إنقاذهم وإعادتهم إلى البلاد.
واتهم مجموعة من اليمنيين العالقين في روسيا ثلاثة أشخاص بالتغرير بهم عبر عقود مزورة، ووعدوهم بجنسيات ورواتب عالية، لكنهم وجدوا أنفسهم في جبهات القتال بأوكرانيا بعد وصولهم إلى موسكو، مع انقطاع مخصصاتهم إلا من مبالغ محدودة لا تتجاوز 250 دولار كل شهر.
تجربة مؤلمة
معتصم الحميدي، شاب يمني من محافظة إب كان يعمل في سلطنة عمان، قدم شهادة مروعة عن بعض من لقوا حتفهم، حيث قال على صفحته بـ"فيسبوك" إنه تم اقتياد أكثر من 20 شاباً بقوة السلاح إلى الجبهات، وقُتل العديد منهم في معارك لا تعنيهم.
وأشار الى أنه تم نقل الشباب على متن ثلاث عربات عسكرية، العربة الأولى دخلت في خط النار وتم حصارهم داخل مبنى حيث قُتلوا بدم بارد بعد أن حاصرهم الجيش الأوكراني.
وأضاف: أما العربة الثانية، فقد انفجرت بعد أن اصطدمت بلغم أرضي، ما أدى إلى هروب من تبقى على قيد الحياة إلى مكان آمن، في حين تعرضت العربة الثالثة لهجوم مفاجئ، يُعتقد أنه بطائرة مسيرة أو صاروخ، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين.
الحميدي أضاف في رسالة له رداً على من سخر منهم "الحياة والموت بيد الله... نحن شباب خُدعنا من قبل شركة عمل باعتنا مقابل المال، ورفضتُ المشاركة في حرب ليس لي علاقة بها".
متهمون
الحميدي أكد أن السماسرة الذين خدعوهم حصلوا على مبالغ تصل إلى 15 ألف دولار مقابل كل شاب يتم تجنيده لصالح وزارة الدفاع الروسية.
وأشار الى أن أبرز المتهمين هم "عبدالولي عبده حسن الجابري"، برلماني في مجلس النواب التابع لسلطات الحوثيين في صنعاء ويقيم في سلطنة عمان، وشقيقه "عبدالواحد الجابري" الذي يشغل منصب مدير مديرية المسراخ في سلطات الحوثيين. بالإضافة إلى "هاني محمد علي الزريقي" المقيم في روسيا منذ سنوات و"محمد قاسم مهيوب العلياني" المقيم في عمان، وقد نشر الحميدي صور وأرقام هؤلاء المتهمين على صفحته في "فيسبوك".
تجنيد قسري
ومنذ بدء الحرب مع أوكرانيا، قامت السلطات الروسية بتجنيد واسع من المهاجرين الأفارقة والجالية العربية، مع تزايد التجنيد القسري لليمنيين.
وتأتي هذه العمليات وسط تقارير عن محادثات بين الحوثيين وروسيا، برعاية إيرانية، للحصول على أسلحة متطورة من موسكو.
وسبق للمصدر أونلاين أن نشر تفاصيل مقتل أربعة يمنيين كانوا مقيمين في روسيا بينهم دبلوماسي سابق في البعثة اليمنية، عقب إغرائهم من قبل السلطات الروسية للقتال في صفوف قواتها بالمال ومنح بعضهم الجنسية.