يكشف "تعز تايم" في هذا التقرير، تفاصيل الانتهاكات الجسيمة، التي تعرض لها الصحفي المياحي وأسرته وأقاربه، أثناء وبعد حادثة الاختطاف، والاستهداف الممنهج لحرية الصحافة في اليمن.
مداهمة عنيفة وصادمة
في الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة، اقتحم طقم عسكري مكون من ستة أفراد مدججين بالأسلحة، منزل الصحفي محمد دبوان المياحي، ترافقهم امرأة تابعة للشرطة العسكرية التابعة لجماعة الحوثي، بطريقة عنيفة وصادروا أجهزة إلكترونية تشمل جهاز الحاسوب، وهاتف الصحفي، وهاتف زوجته، وفق ما أفادته أسرة الصحفي لـ تعز تايم.
وفي حديثها لـ تعز تايم، قالت زوجة المياحي، إن المرأة المرافقة للعناصر المسلحة قامت بصب الماء عليها أثناء عملية تفتيش المنزل وهي تقول لها بطريقة تهكمية: "زوجك صحفي!"، الأمر الذي سبب لها حالة من الذعر هي وطفلها.
عقب الحادثة اقتادت العناصر المسلحة الصحفي المياحي، إلى جهة مجهولة. بملابس النوم، دون السماح له بتبديل ملابسه، وظل مخفي قسريًا لمدة خمسين يوماً.
سبب الاعتقال
جاء اعتقال المياحي على خلفية منشور كتبه في صفحته على "فيسبوك"، انتقد فيه جماعة الحوثي وسياساتها. وتزامنت عملية الاعتقال مع حملة واسعة شنتها الجماعة في سبتمبر الماضي، تزامناً مع الاحتفالات بالذكرى الـ 62 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، في محاولة منها لتقويض رمزية الثورة من خلال قمع الأصوات المعارضة.
وكانت نقابة الصحفيين اليمنيين، عبّرت عن قلقها لظروف الاختطاف القاسية للكاتب الصحفي محمد المياحي في معتقلات جماعة الحوثي، مطالبة بإطلاق سراحه وكافة الصحفيين المختطفين في صنعاء وعدن.
وأوضحت النقابة، أن المياحي لا يزال في معتقل حوثي، منذ 20 من سبتمبر الماضي، في ظل ظروف اعتقال سيئة، مجددة إدانتها لهذا النهج القمعي بحق صحفي لا يحمل سوى قلمه ورأيه، محملة الحوثيين مسؤولية سلامة المياحي وكافة المختطفين لديهم.
استمرار الترهيب وملاحقة الأسرة
لم تتوقف انتهاكات الجماعة عند الاقتحام والترهيب والاعتقال. ففي اليوم التالي، عاودت القوات الحوثية تفتيش منزل المياحي مرة أخرى، وسط محاولات متكررة لملاحقة زوجته.
في حديثها لـ تعز تايم، تقول سالي -اسم مستعار-، وهي إحدى أقارب أسرة الصحفي المياحي، إن ملاحقة الحوثيين لزوجة المياحي دفعتها لترك منزلها خوفاً على سلامتها وسلامة أطفالها، قبل أن يسمح لزوجها التواصل معها والسماح لها بزيارته في السجن.
فيما قالت عائشة - اسم مستعار-، وهي إحدى جارات المياحي، إن "عاقل الحارة المدعو "صالح قصيلة" جاء عدة مرات بغرض تفتيش المنزل والبحث عن زوجة المياحي، وهو ما أثار حالة من الرعب في الحي."
ملاحقة المقربين
بعد يومين من اعتقال محمد دبوان، قامت قوات الحوثيين باختطاف شقيقه عماد المياحي من منزله في محافظة إب. واستمر التحقيق معه لمدة أسبوع، حيث تعرض لمعاملة وحشية قبل أن تكتشف القوات هويته الحقيقية، ورغم ذلك، أُجبر على دفع مبلغ مالي قدره 100 ألف ريال بالعملة القديمة (700 ريال سعودي) مقابل الإفراج عنه.
لم تتوقف الانتهاكات وأعمال القمع عند العائلة فقط، بل امتدت إلى شباب القرية التي ينتمي لها الصحفي محمد المياحي، في مديرية فرع العدين بمحافظة إب، حيث تعرض العديد منهم للاعتقال بسبب تضامنهم معه. وتم ابتزازهم ماليًا، حيث اضطر كل فرد لدفع مبلغ 100 ألف ريال لإطلاق سراحه.
الشاب "محمد" (20 عاماً) من أبنا مديرية فرع العدين يقول لـ تعز تايم: "بسبب منشور تضامني مع محمد دبوان على فيسبوك، تم اقتيادي إلى الاحتجاز. خضعت لتحقيق استمر ثلاثة أيام، حيث تمت مصادرة هاتفي، وطلبوا مني دفع مبلغ 50 ألف ريال لإطلاق سراحي."
ظروف قاسية في المعتقل
يعاني الصحفي محمد دبوان المياحي، داخل السجن من انتهاكات وتعاملات قاسية وفقاً لشهادات سجناء كانوا محتجزين في المعتقل ذاته.
في حديثه لـ تعز تايم، يوضح "علي" -اسم مستعار-، وهو أحد السجناء، أن "المياحي كان محتجزاً في زنزانة انفرادية لمدة شهر كامل. لم يُسمح له بالخروج إلى الشمس مثل بقية السجناء. ولم يرَ زوجته إلا من خلف الزجاج، ودون أن يسمع صوتها."
فيما "خالد" -اسم مستعار-، سجين آخر، وصف السجن الانفرادي بأنه جحيم: "قضيت عشرة أيام فقط في زنزانة انفرادية، وكانت أصعب أيام حياتي. المكان مظلم تماماً، والهواء لا يدخل إلا من فتحة صغيرة. كان يتم تقديم قرص خبز صغير فقط يومياً بطريقة مهينة، حيث يُركل من تحت الباب."
وأضاف خالد في حديثه لـ تعز تايم: "المياحي قضى 30 يوماً في هذا الجحيم، بينما بقية السجناء لم تتجاوز مدة احتجازهم الانفرادي 20 يوماً."
فيما أفاد مقربون من المياحي، أنه بدأ إضرابا عن الطعام ، حتى يتم تحويله للمحاكمة أو إطلاق سراحه.
وضع الأسرة الحالي
أكدت مصادر مقربة من أسرة الصحفي محمد دبوان المياحي، أن أسرة المياحي لا تزال تعيش في قلق بالغ بسبب استمرار اعتقاله وعدم السماح لهم بزيارته، باستثناء زوجته، التي تلتقيه في ظروف قاسية.
في ظل هذه الانتهاكات الجسيمة، تناشد الأسرة المنظمات الحقوقية والجهات المعنية بالضغط على جماعة الحوثي للإفراج الفوري عن الصحفي محمد دبوان المياحي، ووقف الانتهاكات التي تستهدف حرية الصحافة وكرامة الإنسان.
تعد قضية الصحفي محمد دبوان المياحي ليست مجرد حادثة اعتقال، بل هي نموذج صارخ للواقع الذي تعيشه حرية الصحافة و التعبير في اليمن. حيث أصبح الصحفيون هدفًا للقمع والترهيب، في محاولة لفرض صمت على الأصوات المطالبة بالعدالة والحرية.
اليوم، يقف العالم أمام اختبار أخلاقي، وسط تساؤل ما إذا كانت هذه الانتهاكات ستستمر دون محاسبة؟ لا سيما وأن حرية الصحافة ليست امتيازًا يُمنح، بل حق أصيل يجب أن يُصان، واعتقال محمد دبوان لن يُسكت الكلمة الحرة، بل يزيدها صلابة.