ومع استمرار الحرب وتعطل صادرات النفط والغاز، تحولت تحويلات المغتربين من شريان حياة للاقتصاد إلى ساحة للمضاربة والاستنزاف، في مشهد يتقاطع بشكل لافت مع التجربة اللبنانية رغم اختلاف السياقات السياسية (World Bank, 2023; IMF, 2022).
لقد حذرت في مشاركاتي المتعددة على القنوات الفضائية اليمنية خلال الأسابيع الماضية من مخاطر قيام الصرافين باستغلال أي تحسن محتمل في قيمة العملة الوطنية (الريال اليمني) مقابل الدولار الأمريكي والريال السعودي، حيث أن غياب الإصلاح الهيكلي الحقيقي يخلق بيئة خصبة لاستمرار هذه الممارسات.
تعكس أزمة المضاربات في اليمن اختلالات هيكلية عميقة، تتمثل في:
1. انهيار الإيرادات السيادية: توقف تصدير النفط والغاز وخروج مصفاة عدن عن الخدمة، مما أفقد الدولة مصدريها الأساسيين للعملة الصعبة.
2. الانقسام المؤسسي: تعدد السلطات النقدية وتضارب السياسات، مما خلق فجوة سعرية تجاوزت في بعض الفترات 100% بين مناطق السيطرة.
3. ضعف النظام المصرفي: تراجع دور البنوك الرسمية لصالح قنوات الصرافة غير المنظمة، التي سيطرت على سوق الصرف والتحويلات.
4. استنزاف التحويلات: تحولت تحويلات المغتربين (التي تقدر بنحو 4 مليارات دولار سنوياً) إلى هدف للمضاربة، حيث يتم شراؤها بأسعار متدنية وبيعها بفوارق سعرية كبيرة.
تعمل مضاربات الصرافين عبر آليات معقدة، منها:
· استغلال الفجوة بين الأسعار الرسمية والموازية
· التحايل على نظم التحويل الرسمية
· تهريب العملة الصعبة بين مناطق السيطرة
· استغلال حاجة المستفيدين للسيولة السريعة
يمكن للدعم الخليجي، particularly من السعودية ودول مجلس التعاون، أن يلعب دوراً محورياً في تثبيت الاقتصاد اليمني عبر:
1. الدعم المالي المباشر: إيداعات سيادية تدعم احتياطيات العملة الصعبة
2. تمويل المشاريع الحيوية: إعادة تأهيل مصفاة عدن والموانئ النفطية
3. الدعم الفني: مساعدة فنية في إصلاح النظام النقدي والمصرفي
4. الضغط للإصلاح: ربط المساعدات بتنفيذ إصلاحات حقيقية
أوجه التشابه مع لبنان:
· انهيار ثقة الجمهور بالمؤسسات النقدية
· تعدد أسعار الصرف وانتشار المضاربة
· استنزاف المدخرات والتحويلات
· ضعف الرقابة والمحاسبة
أوجه الاختلاف:
· اليمن يعاني من انقسام مؤسسي وجغرافي أعمق
· الاقتصاد اليمني أقل تعقيداً وأكثر اعتماداً على التحويلات
· وجود موارد نفطية يمكن أن تشكل رافعة للتعافي
التوصيات:
أولاً: إصلاح نقدي ومصرفي عاجل:
· توحيد المؤسسات النقدية تحت إدارة فنية مستقلة
· تطوير أنظمة التحويل الرسمية التنافسية
· تعزيز الرقابة على شركات الصرافة
ثانياً: إصلاح مالي وهيكلي:
· استئناف تصدير النفط والغاز تحت إدارة شفافة
· إصلاح النظام الضريبي وجباية الإيرادات
· ترشيد النفقات وضبط الصرف
ثالثاً: تعزيز الحوكمة:
· مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية
· بناء أنظمة محاسبة ورقابة فعالة
· إشراك المجتمع الدولي في دعم الإصلاح
تشكل الأزمة اليمنية فرصة تاريخية لإعادة بناء النظام الاقتصادي على أسس سليمة، عبر توحيد المؤسسات وإصلاح السياسات وبناء نظام شفاف يحفظ حقوق المواطنين ويوفر الأسس لاقتصاد مستقر ومزدهر.