الأكاديمي د. عبدالوهاب العوج يكتب لتعز تايم: الأزمة اليمنية والمأزق الأممي.. تحليل لتداعي دور الأمم المتحدة السلبي

أيلول/سبتمبر 03, 2025

تشكل الأزمة اليمنية نموذجاً صارخاً لإخفاق الآليات الدولية في إدارة الصراعات المعقدة، حيث تحول المبعوث الأممي تدريجياً من وسيط فاعل إلى مجرد مراقب هامشي، في مشهد يعكس اختلال موازين القوى الإقليمية وتغليب البراغماتية السياسية على مبادئ القانون الدولي.

التسلسل الزمني لإخفاقات المبعوثين: من التفاوض إلى إدارة الأزمة

ابتدأ المسار الأممي مع جمال بن عمر (2014-2015) الذي فشل في منع انهيار عملية الانتقال السياسي، حيث أسهمت مقاربته التفاوضية في منح الحوثيين شرعية سياسية مكنتهم من تعزيز وجودهم العسكري، مما أدى إلى السيطرة على صنعاء في سبتمبر 2014 (تقرير مجلس الأمن S/2015/217).

ثم جاء إسماعيل ولد الشيخ أحمد (2015-2018) ليواجه واقعاً معقداً بعد التدخل العسكري بقيادة السعودية. وعلى الرغم من صياغته لخارطة طريق سياسية، فإن عهده شهد تصاعداً في العنف ووصولاً إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في ظل عجز واضح عن تنفيذ القرارين 2216 و2140.

أما مارتن غريفيث (2018-2021) فمثل منعطفاً حرجاً عبر اتفاق ستوكهولم 2018 الذي تحول إلى كارثة عملية. فغياب آليات الرقابة الدولية والالتزام الواضح بالجدول الزمني جعل الاتفاق أداة للمماطلة، حيث استغله الحوثيون لإعادة انتشار قواتهم وتقوية مواقعهم، بينما فشلت الأمم المتحدة في إنشاء آلية فعالة للتحقق (تقرير مجموعة الأزمات الدولية 2023).

فترة هانس غروندبرغ (2021-حتى الآن) اتسمت بتركيز على التهدئة المؤقتة أكثر من دفع مسار الحل السياسي. فقد تمكن من رعاية هدنة أبريل 2022 التي ساهمت في تخفيف حدة العمليات العسكرية وفتح مطار صنعاء جزئياً، لكنها تحولت لاحقاً إلى إطار هش للاستقرار أعاد إنتاج موازين القوة الميدانية لمصلحة الحوثيين، الذين استغلوا الهدنة لتعزيز مواقعهم العسكرية والسياسية. ورغم محاولاته الانفتاح على الأطراف كافة، فقد بدا مساره أقرب إلى إدارة التوازنات الإقليمية والدولية، خصوصاً بين الرياض وطهران، دون تحقيق اختراق جوهري في الملف اليمني. وبذلك، ورغم ما بدا من نجاح أولي في وقف مؤقت للتصعيد، إلا أن تقييم دوره حتى الآن يكشف عن عجز في تحويل الهدنة إلى عملية سياسية حقيقية، مما جعله امتداداً لمسار العجز الأممي السابق أكثر من كونه بداية لمسار جديد.

الإشكالية القانونية: بين النصوص الدولية والواقع الميداني

تكشف الممارسة الأممية في اليمن عن فجوة عميقة بين الإطار القانوني الدولي والتطبيق العملي. فالمبعوث يعمل ضمن قيود المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنحه صلاحية التبليغ دون سلطة تنفيذية. كما أن القرار 2216 (2015) ظل حبراً على ورق في ظل غياب الإرادة السياسية الدولية لتطبيقه.

المبعوث الأممي هانس غروندبرغ تحول إلى ساعي بريد يمرر للحوثيين ما يريدون، وبتواطؤ مستمر يثير الاستغراب والدهشة.

واقع الحال يظهر تناقضاً صارخاً مع اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة (1946)، حيث تعرض عشرات الموظفين الدوليين والمحللين للاختطاف والاحتجاز والتعذيب والإخفاء القسري في مناطق سيطرة الحوثيين، دون أن تتمكن المنظمة الدولية من اتخاذ إجراءات ردعية فعالة، وتكتفي بالبيانات والمناشدات (تقرير الأمين العام S/2022/50).

الاختطافات المتواصلة لموظفي المنظمات الدولية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين

تشير التقارير إلى استمرار عمليات اختطاف وإخفاء الموظفين العاملين في المنظمات الدولية من قبل جماعة الحوثي، وذلك من خلال اتهامات بالعمالة والتجسس وغيرها. هذه الممارسات تشكل انتهاكاً صارخاً للقوانين والبروتوكولات الدولية، وقد استمرت نتيجة لرد الفعل الضعيف من المنظمات الدولية والأمم المتحدة، مما قد يشير إلى وجود فجوات في آليات الحماية والإدارة ضمن هذه المنظمات.

إشكالية الحياد: الطائرات الأممية وتصريحات الإرياني الأخيرة

تمثل عملية استخدام طائرات الأمم المتحدة لنقل قيادات الحوثيين إشكالية قانونية وسياسية عميقة. وقد كشف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في 2 سبتمبر 2025 عن جانب خطير من هذا الانحياز، حيث صرح بأن "طائرات الأمم المتحدة استخدمت لنقل قيادات حوثية مصابة في الغارات الإسرائيلية الأخيرة على اليمن"، معتبراً ذلك "انحيازاً سافراً لمنظمة يفترض أن تكون محايدة".

وأضاف الإرياني في تصريحه الذي جاء رداً على حوادث النقل الجوي الأممي الأخيرة: "هذه الممارسات تمنح الميليشيات شرعية دولية غير مستحقة، وتشكل خرقاً صارخاً لمبادئ الحياد التي يفترض أن تحكم عمل المنظمة الدولية" (تصريح للإرياني لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية، 2 سبتمبر 2025).

هذه التصريحات تأتي في سياق متصل مع انتهاكات سابقة، حيث تشبه هذه الآلية إلى حد كبير التعامل مع حركة طالبان في مفاوضات الدوحة، حيث تحولت الوساطة الدولية من أداة لحل الصراع إلى أداة لشرعنة الأمر الواقع (تقرير مجلس الأمن 2019 حول أفغانستان).

الخاتمة: نحو مقاربة جديدة

التحليل المتعمق لتجربة الوساطة الأممية في اليمن يكشف حقيقة مؤلمة: لقد تحولت الأمم المتحدة من وسيط محايد إلى طرف في إدارة الأزمة، حيث أصبحت رهينة التوازنات الإقليمية والدولية. تصريحات الوزير الإرياني الأخيرة تؤكد استمرار هذه الممارسات المنحازة، مما يستدعي ضرورة مراجعة جذرية لآلية العمل الأممي، والانتقال من دبلوماسية إدارة الأزمات إلى دبلوماسية حل الأزمات، مع تفعيل الآليات القانونية الدولية المتاحة وإنشاء آلية رقابة فعالة.

اليمن لم يعد بحاجة إلى وساطة تقليدية، بل إلى إرادة سياسية دولية حقيقية تضع مصلحة الشعب اليمني فوق كل الاعتبارات، وتعمل على تطبيق القانون الدولي بجدية وموضوعية رغم ما يشوب عمل المبعوثين الامميين من تقاطعات لمصالح دول اقليمية و دولية في سير عملهم واختلاله.

Additional Info

  • المصدر: تعز تايم - أ.د. عبدالوهاب العوج أكاديمي ومحلل سياسي يمني
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro