وأخيرًا، نجحت قوات "المقاومة الوطنية" اليمنية بالتعاون مع خفر السواحل في قطاع البحر الأحمر في اعتراض سفينة خشبية كانت قادمة من سواحل جيبوتي متجهة إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعلى متنها كميات من المواد الكيميائية المهربة.
وبحسب "المقاومة الوطنية"، فإن السفينة المضبوطة تقلّ 24 برميلاً من مادتي "الفينول" و"فورمالدهيد" ذواتا الاستخدام المدني والعسكري المزدوج، بالإضافة إلى ملابس وكمامات خاصة بالعمل في المعامل الكيميائية، وبدلات ومستلزمات عسكرية أخرى.
وأشارت في بيان لها إلى أن المواد الكيميائية تدخل في صناعة الصواريخ من خلال استخدامها لمقاومة الحرارة والعزل، كما تُستخدم المواد المركبة منها في صناعة الهياكل الخفيفة للطائرات المسيّرة.
مضيفة أن التطبيقات العسكرية المتقدمة تستخدم هذه المواد في التخفّي، "إذ تدخل تركيبتها في صناعة مواد ممتصة للموجات الكهرومغناطيسية، لتقليل بصمة رادارات الطائرات والسفن الحربية".
وعلى مدى العامين الماضيين، تزايدت عمليات تهريب المواد والمعدات الكيميائية إلى الحوثيين، مع تنامي حضورهم الإقليمي، وسط معلومات تشير إلى تمكّنهم من الحصول على شحنات تحتوي على نظائر مشعّة وسلائف كيميائية مهرّبة من إيران، بهدف استخدامها في تطوير التقنيات الصاروخية والبحرية والطائرات المسيّرة، طبقاً لتقرير سابق لمنصة "ديفانس لاين" المتخصصة بالشؤون الأمنية والعسكرية.
ونقلت المنصّة عن مصادر أمنية وضباط عملوا سابقاً لدى الحوثيين أن الصواريخ السوفيتية والكورية، التي استولت عليها الميليشيات من مقدرات الجيش اليمني في العام 2015، "لديها القدرة على حمل الرؤوس الكيميائية والعنقودية".
توظيف متعدد
ويرى خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية أن شيوع انكشاف عمليات التهريب الملحوظة وسقوط بعضها في قبضة القوات الحكومية يعود إلى التضييق الدولي المفروض على الحوثيين براً وبحراً وجواً، وارتفاع التعاون الأمني والنشاط الحثيث لتبادل المعلومات على مستوى دول الإقليم والولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية.
وقال الذهب لـ"إرم نيوز" إن انهيار أطراف ما يسمى بـ"محور المقاومة" الممتد من إيران إلى سوريا ولبنان دفع طهران إلى توجيه جزء كبير من ثقلها نحو الحوثيين، "باعتبارهم أقوى حلفائها الذي لم يتأثروا بشكل كبير، وهو ما انعكس على ارتفاع وتيرة تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية والمواد الكيميائية".
وذكر أن الحوثيين يعملون بشكل متواصل على تطوير "قدراتهم الصناعية العسكرية، وهذا ما يعلنون عنه صراحة باستمرار، وفي رأيي قد لا تكون الصناعات التي يتحدثون عنها بالمفهوم المتعارف عليه، بل تكون تجميعية أو تطويرية فحسب".
وأضاف أن استمرار وصول المواد الكيميائية المختلفة إلى الحوثيين قد يمكّنهم من توظيفها في صناعة أسلحة كيماوية، إلى جانب استخدامها في تقنيات عسكرية تتعلق بوقود الصواريخ والمسيرات، واستخدامها في أبدان المقذوفات لجعلها غير مرصودة من قبل الرادارات وأجهزة التتبع.
اعترافات سابقة
وخلال عملية اعتراض أكبر الشحنات العسكرية المهرّبة التي كانت في طريقها للحوثيين منتصف العام الجاري، ضبطت "المقاومة الوطنية" جهازاً لفحص المواد الكيميائية بين كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات المتطوّرة.
فيما كشفت اعترافات أعضاء الخلية المضبوطة مع هذه الشحنة أن عمليات التهريب التي يديرها الحرس الثوري الإيراني شملت شحنات من المواد الكيميائية الحساسة، التي يتم استخدامها في صناعة الصواريخ والمتفجرات.
وأكد 4 من أعضاء الخلية مشاركتهم في عمليات تهريب سابقة للحوثيين احتوت على مواد مخفية بداخل حافظات تبريد يتحكم في درجات حرارتها مختصون من إيران، وأخرى مخزّنة في عبوات حليب وأدوية، وهو ما يضع تساؤلات حول ما هيتها وطبيعة استخدامها، وسط مخاوف من قدرة الحوثيين في الوصول إلى أسلحة أكثر تطوراً وأوسع دماراً.
مشروع إيراني
وقال المحلل العسكري، العميد محمد الكميم، إن شحنة المواد الكيميائية المعلن عن ضبطها أواخر الأسبوع الماضي "تؤكد وجود محاولات واضحة لتوطين الصناعة العسكرية الإيرانية داخل اليمن".
وأضاف أنها "ليست عملية تهريب عابرة، بل مشروع يهدف إلى تحويل اليمن إلى منصّة صناعية عسكرية تهدد أمن الملاحة الإقليمية والعالمية".
وأشاد الكميم بالعملية الدقيقة المشتركة لاعتراض السفينة، باعتبارها "قفزة نوعية في قدرة الاستخبارات والعمليات البحرية في المقاومة الوطنية، من رصد وتتبع المعلومات وصولاً إلى تنفيذ عملية اعتراض بحري منظّم".
وشدد على ضرورة وجود تحول فاعل في الموقف الدولي، لتوفير الدعم العاجل والمباشر للقوات المسلحة اليمنية وخفر السواحل، "وتسريع تنفيذ الشراكة الدولية المعلنة في الرياض، وتحويلها من بيانات إلى تمكين عملي من خلال: التدريب والتجهيز والتبادل الاستخباري وتفعيل الإجراءات القانونية لقطع التمويل واللوجستيات".
معتبراً التهديد الماثل "لا يطال اليمن وحده، بل هو مشروع إقليمي يهدد البحر الأحمر وخطوط الملاحة والطاقة العالمية، ويتطلب تحالفا دولياً حقيقياً ومنسقاً، يضع آليات ردع وملاحقة لشبكات التهريب والجهات الممولة".










