ولم تحقق أي تقدّم في مسار التحقيقات البطيء، سوى بتقييد الجريمة ضد جماعة الحوثيين، المتهم الأبرز بإجماع كافة شركاء الحكومة المعترف بها دولياً.
ولم تحقق اللجنة الرئاسية التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور هادي برئاسة وزير الداخلية إبراهيم حيدان، وعضوية التحالف العربي، أي تقدّم جوهري.
وعلى مدار الأيام التي تلت الهجوم، كانت التصريحات الصادرة من عدن تكرر الاتهامات لجماعة الحوثيين بالوقوف وراء العملية، وذلك بواسطة 3 صواريخ إيرانية الصنع.
ولطالما كانت اللجان الرئاسية مقبرة لعشرات التحقيقات في هجمات إرهابية أو عسكرية منسوبة للحوثيين وأسفرت عن عشرات الضحايا، على الرغم من أنّ الأهداف التي تشكلت من أجلها تقتضي أيضاً التحقيق في الملابسات الكاملة وتقديم الجهات المقصّرة للعدالة باعتبارها شريكة في الجرائم.
ويبدو واضحاً أنّ المحاصصة التي تهيمن على الحكومة الجديدة ستكبّل مسار التحقيقات الرسمية، وستجعل من الصعوبة التطرق بشكل صريح لأي أطراف يمكن أن تكون ضالعة في الهجوم بناءً على بقايا المقذوفات المحرزة، أو الكشف عن جهات متهمة بالتقصير عبر تسهيل ثغرات أمنية، أو تحديد إحداثيات موقع الأطراف المدبرة للهجوم.
يبدو واضحاً أنّ المحاصصة التي تهيمن على الحكومة الجديدة، ستكبّل مسار التحقيقات
وبالفعل، شنّ قادة وناشطون في "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي أخيراً، هجوماً لاذعاً على المتحدث باسم الحكومة، راجح بادي، على خلفية تصريحات أدلى بها لقناة تلفزيونية محلية، وألمح فيها إلى إخفاق شرطة عدن وقوات "الانتقالي" في تأمين المطار، فضلاً عن قوله إنّ الهجمات تمت بطائرات مسيرة وباستخدام قذائف هاون أيضاً، أي من مناطق قريبة داخل عدن.
وأثار الاستئناف السريع للملاحة في مطار عدن علامات استفهام لدى كثير من المراقبين خشية من طمس معالم الجريمة، لكن مصادر أمنية حكومية أكدت أنّ عودة الملاحة إلى المطار بعد 4 أيام من تعليق الرحلات جاءت بعد استكمال جمع العينات من بقايا المقذوفات، وأنّ التحقيقات ستتم بكل شفافية بعد استكمال فحص الأدلة.
وأشارت المصادر إلى أنّ فريقاً عسكرياً وأمنياً سعودياً هو من يتولى مسؤولية التحقيقات بدرجة أساسية إلى جانب اللجنة الرئاسية، ومن المرجح أن يستعين الفريق بخبراء أجانب خلال الأيام المقبلة.
وبعد أسبوع على الهجوم الذي اعتبرت الأمم المتحدة أنه يرقى إلى جريمة حرب، لم تعقد لجنة التحقيق الرئاسية أي مؤتمر صحافي إلى الآن لكشف ملابسات الجريمة، بعد الاتهامات الفورية لجماعة الحوثيين.
كما أنّ الإدانة الحوثية المتأخرة لما سمتها بـ"العملية الإرهابية الآثمة" زادت من حالة الغموض لقضية تبدو معقدة. وقال وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة، ماجد فضايل، ، إنّ "مليشيا الحوثيين التي لم تتورع عن ارتكاب عشرات الجرائم المماثلة ضدّ المدنيين منذ بدء الانقلاب، هي التي نفذت هجوم مطار عدن المتعمد، وبلا شك هي المستفيد الأول منه".
وأضاف: "فضلاً عن القرائن التي ظهرت منذ وقت إطلاق الصواريخ وحتى سقوطها، التحقيقات جارية وليس هناك أي تلاعب، وستصل بشكل حازم إلى مرتكب الجريمة ونوعية السلاح المستخدم، والذي تؤكد التحقيقات الأولية أنه من طراز بدر بي، وتم إطلاقه بواسطة خبراء إيرانيين".
ومن الواضح أنّ أهالي ضحايا الهجوم الإرهابي، الذي خلّف 26 قتيلاً وأكثر من 110 جرحى وفقاً لإحصائيات رسمية، لن يسمحوا هذه المرة بتمييع ملف القضية كما حدث في مناسبات سابقة، إذ ذهبت بعض الأسر المكلومة إلى رئيس الحكومة، معين عبد الملك في القصر الرئاسي، أول من أمس الإثنين، للمطالبة بضرورة التسريع بالتحقيقات والانتصار للضحايا، وفقاً لوسائل إعلام حكومية. وأبلغ عبد الملك أسر الضحايا بأنّ حكومته ستقوم بـ"تخليد الشهداء ورعاية أسرهم".
كذلك كشف للمرة الأولى عن إمكانية إشراك "جهات خارجية" في التحقيقات الجارية بشكل مكثف، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أنّ "إنصاف الضحايا لن يكون إلا بالنيل من الذين نفذوا وخططوا لهذا الهجوم الإرهابي ومن يقف خلفهم، وهذا عهد في رقاب الجميع".
لا يزال "المجلس الانتقالي" في مرمى الاتهامات
وتتطابق الدعوة الحكومية لإشراك جهات خارجية في التحقيق مع دعوات سابقة أطلقها "المجلس الانتقالي"، الذي ساق أيضاً اتهامات مبطنة لحزب "التجمع اليمني للإصلاح" ومن وصفها بـ"القوى المتضررة من اتفاق الرياض".
ولا يزال "الانتقالي" هو الآخر في مرمى الاتهامات بدرجة كبيرة، خصوصاً أنه المسؤول عن تأمين المطار ومدينة عدن بشكل كامل. فضلاً عن روايات متطابقة تفيد بأنّ الانفجار الثالث الذي طاول مدرج المطار كان أقل دوياً، ومن المرجح أن يكون قد تم بواسطة صاروخ كاتيوشا، أي من منطقة داخل عدن.
وعلى الرغم من الاحتمالات كافة التي قد تشير إلى ضلوع أطراف رئيسية وثانوية في الجريمة التي هزّت اليمن، تمسك رئيس الحكومة طيلة الأيام الماضية بتوجه أصابع الاتهام لجماعة الحوثيين فقط، بناءً على دلائل ونتائج التحقيقات الأولية، وباعتبارها المستفيد الوحيد من ذلك الهجوم الإرهابي. لكن مراقبين يؤكدون أنّ تلك الاتهامات ستظل سياسية، ولا بدّ من الإسراع في كشف الحقيقة.
وفي هذا الإطار، شددت السياسية اليمنية وعضو لجنة صياغة الدستور، ألفت الدبعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أنه "ما لم تسرع الحكومة الحالية بكشف حقيقة الانفجارات، عبر الخروج بتقرير مهني احترافي يوضح طبيعة الهجوم ونوعيته وماهية الجهة المتورطة فيه، فهذا يعني أنّ التهمة التي وجهتها، بناءً على المؤشرات الأولية، إلى جماعة الحوثيين، غير صحيحة". وقالت الدبعي، وهي أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز الحكومية: "نحّمل الحكومة مسؤولية تأخير الخروج بتقرير معلن ونهائي حول الهجوم"، مضيفةً أنّ "أي تأخير سيترك الفرصة لمزيد من تزييف وعي المواطنين وهي الفرصة التي ستستغلها جماعة الحوثيين".
وتابعت: "تستطيع الحكومة الحالية أن تحقق في الأمر وتستعين بخبرات محلية ودولية بشكل سريع وعاجل، ولا وجود لأي إشكالية في ذلك ما دامت اللجنة الأساسية ستكون يمنية. الاستعانة بخبرات دولية تساهم في إضفاء مزيد من المصداقية والمهنية على التقرير، وفي كشف وفضح الجهة المنفذة".
وفي ما يخصّ إمكانية تحويل الهجوم الدامي إلى حافز للحكومة لإثبات وجودها على الأرض، اعتبرت الدبعي أنّ "التعامل الذي أظهرته الحكومة الجديدة مع الموقف وثباتها، كان مبشّراً، وجعل الجميع يستشعرون خطورة التحدي الذي ينبغي مواجهته، والذي لا يمكن إضعافه سوى بوجود عمل موحّد من قبل أعضاء الحكومة التي تمتلك كوادر جيدة أفضل من تلك التي كانت في الحكومة السابقة".
يرى مراقبون أنّ الفرصة سانحة للحكومة الجديدة من أجل ترسيخ وجودها على الأرض
محاولة لتطبيع الأوضاع
وعاشت الحكومة اليمنية، الأربعاء الماضي، لحظات مؤلمة، لا يمكن أن يتم محوها من الذاكرة بسهولة. وخلافاً للرعب الذي أحاط بالمسؤولين الذين ارتصوا أمام الطائرة لاستقبال الوزراء الجدد، عاش الطاقم الحكومي لحظات عصيبة داخل الطائرة وخصوصاً بعد سماع دوي انفجارات متتالية قبل أن يتم إخراجه عبر مخرج الطوارئ.
وقال ناصر شريف، وهو نائب وزير النقل اليمني، وأحد المصابين في هجوم عدن: "كنا نستعدّ نحن وكثير من قيادات الدولة لاستقبال الحكومة، قبل أن نفاجأ بالقصف على صالات ومدرج مطار عدن، وبعدها بدأ الارتباك والتدافع إلى بوابات المطار للنجاة من القصف الغاشم على منشأة مدنية".
ووفقاً للمسؤول اليمني، فإنّ "الحكومة عازمة على تحويل الهجوم الإرهابي، إلى فرصة للبناء بشكل أكبر في المناطق المحررة، واستعادة الدولة، وهو ما أكده رئيس الوزراء في مناسبات عدة".
ومنذ وصولها، عقدت الحكومة الجديدة سلسلة لقاءات، في مسعى منها لتطبيع الأوضاع، فيما بدأت الحياة تعود إلى مؤسسات الدولة الرسمية، عقب حراك نشط للوزراء الجدد، وذلك بعد عام كامل من الشلل جراء سيطرة "المجلس الانتقالي" على عدن. وكانت قالت الحكومة إن "هجوم مطار عدن، يعبّر عن قلق مليشيا الحوثيين من وجود الدولة والحكومة الشرعية على الأرض"، وأنه "لن يثنيها عن القيام بواجباتها مهما كانت المخاطر".
ولم يتوقف رئيس الحكومة عند حدود محافظة عدن، إذ دعا الإثنين الماضي محافظي المحافظات الخاضعة للشرعية إلى "إدارة مختلفة للمرحلة المقبلة وتعزيز اليقظة الأمنية"، لافتاً إلى أنّ الأشهر المقبلة هي "فترة اختبار حقيقي للحكومة أمام الشعب".
وحققت الحكومة، خلال الأسبوع الأول لها في عدن، اختراقات مهمة على صعيد الاستقرار الاقتصادي وكبح تدهور العملة، فضلاً عن تسّلم إدارة شرطة عدن من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، إلا أنّ الاختبار الأبرز سيكون في دمج القوات الانفصالية الأمنية والعسكرية ضمن القوات النظامية.
ويرى مراقبون أنّ الفرصة سانحة للحكومة الجديدة من أجل ترسيخ وجودها على الأرض بشكل أكبر، وطمس الصورة السلبية التي تكرست في أذهان الشعب، بعد أن فضّلت البقاء في المهجر طيلة السنوات الماضية.
ووفقاً للمستشار القانوني اليمني، عبد الكريم سلام، فإنّ "النجاح هو الهدف الذي يجب أن يتحقق للحكومة الجديدة، كاستجابة للتحدي الذي طرحه العمل الإرهابي في مطار عدن".
وقال سلام : "النتائج المتوقعة مستقبلاً، تتوقف على جودة الأداء والحضور الفاعل في كل المرافق التي ظلّت معطلة طيلة الفترة الماضية، وفي مقدمتها الأمن واستعادة الثقة بالدولة التي غُيبّت وغابت، فيما نمت كيانات ما دون الدولة، عندما كان أداء الأخيرة وحضورها باهتاً على مدار السنوات الماضية".