وتوظّف المدارس والمساجد ووسائل الإعلام والمناهج الدراسية وخطباء الجوامع وملازم حسين الحوثي والمخيمات الصيفية والدورات التثقيفية والأنشطة الموسمية والمناسبات الدينية
لخدمة أجندتها، وتفخيخ عقول الشباب في تلك المناطق، وتطويعهم للعمل لصالحها، والقتال في صفوفها حسب مواطنين وناشطين.
يقول المواطن والمعلم والشخصية الاجتماعية أبو ضياء لموقع "تعز تايم": "أحدثت جماعة الحوثي في المناطق الخاضعة لسيطرتها بتعز فرزاً اجتماعياً، وأعادت تصدير الشخصيات التي تنتسب لبني هاشم، أو ما يُعرف في أوساط الجماعة بسادة آل البيت، إلى واجهة المشهد، وأوكلت إليهم العديد من المهام، بينها: الخطابة في المساجد، والتعليم، وإدارة المدارس، فضلاً عن الانخراط في أوساط المواطنين للترويج لمفاهيمها وأفكارها، وإقناع الشباب والأطفال بالانخراط في صفوفها".
ويضيف: "تنفذ الجماعة العديد من الأنشطة، وتحيي المناسبات الدينية الخاصة بها، التي لم يكن يألفها الناس في سنوات ما قبل الحرب، ومن بين تلك المناسبات يوم الغدير وعاشوراء وذكرى كربلاء، وغيرها من الفعاليات التي تجبر المواطنين على حضورها، وتبتزهم بالمساعدات الإغاثية، والضمان الاجتماعي، كما تغريهم بشفاعة الإمام علي ودخول الجنة".
وفرضت على مدراء المدارس والمعلمين وطلاب المدارس حضور فعالياتها الدينية والسياسية، كما أجبرتهم على تأدية الصرخة بشكل جماعي والاستماع لخطب عبدالملك الحوثي عبر شاشاتها المتلفزة، التي نصبتها في عدد من المدارس، كما تدخلت في مختلف الأنشطة المدرسية والاختبارات والمسابقات، التي لا تخلو من الأسئلة المتعلقة بخطب زعيمها وشعاراتها وملازم حسين الحوثي التي توزعها بكميات كبيرة.
في مديريتي شرعب السلام، الواقعة شمال مدينة تعز وشرعب الرونة الواقعة في الناحية الشمالية الغربية منها، استطاعت جماعة الحوثي أن تحدث خرقاً في أوساط المجتمع، وتستقطب الشباب والأطفال، وتغسل أدمغتهم، وتجعلهم أكثر عنفاً ووحشية ودموية وإيماناً بفكرها وأهدافها ومشروعها الطائفي، تقول مصادر محلية لموقع "تعز تايم".
- تغيير الهُوية المذهبية
ما يبعث على الذهول هو أن تجد في تلك المناطق شابا في السادسة عشرة من عمره، كمعتصم علي الذي يشكك في الأحاديث النبوية، ويتحدث عن ولاية الإمام علي بن أبي طالب، ويقلل من شأن بقية الخلفاء الراشدين كعمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق وعثمان بن عفان، ويسترسل في الحديث عن العديد من المسائل الدينية، التي يستند فيها على ما اكتسبه في الدورات الثقافية لجماعة الحوثي وملازمها التي قرأها.
يقول الباحث اليمني المقيم خارج البلاد نبيل البكيري، لموقع "تعز تايم": "إن خطورة ما تقوم به جماعة الحوثي في المناطق التي تسيطر عليها في تعز وإب وغيرها من المناطق هو قيامها بعمل منظّم لتغيير الهوية المذهبية لأبناء تلك المناطق".
ويوضح أن الحوثيين "يسعون بكل قوة في التدخل بكل تفاصيل هذه المجتمعات، وفرض نمط واحد من المذهبية الزيدية المتطرّفة، وفرض ذلك على النشء من خلال الجوامع والمدارس والمراكز الصيفية، التي يتم فيها غسل أدمغة الأطفال بالخرافات الطائفية".
وتقود جماعة الحوثي مساعي متواصلة لتغيير التركيبة الديمغرافية في المناطق التي تسيطر عليها، من خلال إحلال سكان جدد من العناصر الموالية لها، والمنخرطة في مشروعها، وخصوصاً القادمين من محافظة صعدة، وغيرها من المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وهو ما يلاحظ في مدينة إب والحوبان، وغيرها من المناطق التي سيطرت فيها الجماعة على الأراضي، وعلى المساكن، وطردت منها سكانها الأصليين، وذلك بطرق عدة، واستخدام الترغيب والترهيب، حسب البكيري.
وضيّقت الخناق على السكان، وفاقمت من وسائلها الترهيبية، كما هجّرت الكثير من الأشخاص، وجففت مظاهر العمل الحزبي، والنشاط السياسي، وكبحت جماح الناشطين السياسيين، وكممت أفواههم، وحظرت إقامة الفعاليات الدينية والسياسية المتعارضة مع توجّهاتها وسياساتها ومشروعها، وهو ما يشير إليه أحد القيادات الحزبية.
- عسكرة الحياة وتصفية المعارضين
يقول ناشط سياسي -دون أن يدلي باسمه- لموقع "تعز تايم": "إن جماعة الحوثي
عسكرت الحياة في مناطق سيطرتها، ونشرت السلاح والمظاهر المسلحة بشكل مخيف، وكثفت من عناصرها المسلحة، كما قمعت كل الأنشطة والفعالية المتعارضة مع نهجها، واعتقلت معارضيها، واستقطبت القتلة واللصوص وقطاع الطرق، ووفرت لهم الحماية".
ويضيف "تخلصت الجماعة من معظم الشخصيات والوجاهات الاجتماعية المؤثرة، واغتالت أو سجنت كل من لم يتماهَ معها ويعمل لصالحها ويذعن لرغباتها وأوامرها وإملاءاتها، كما غيّرت ملامح الحياة، وبثت الرعب والخوف في أوساط السكان، وكثفت من ممارساتها القمعية في محاولة لفرض هيمنتها، وجعلهم طوع أمرها ورهن إشارتها".
من جانب آخر، قامت جماعة الحوثي بتدمير التقاليد المجتمعية والثقافية، التي تتعارض معها، كما روّجت للعديد من البدائل القادمة من عمق فكرها، ولم تستثنِ مناطق سيطرتها في تعز من حملتها الأخلاقية، التي استهدفت محلات الأزياء النسائية وصوالين الحلاقة وأصحاب الحلاقات العصرية.
ويوضح الصحفي سامي نعمان أن جماعة الحوثي "تسعى نحو تطييف المجتمع بشكل عام، لخدمة أجندتها، واستقطاب مقاتلين وحراس لمشروعها، خصوصاً ممن يتجرأون على قتل أقرب الناس إليهم في حال خالفوهم".
ويضيف "تسعى الجماعة أيضاً لخلق أسباب توتر وعنف مستدام، يصعب معه التعايش في حال حدوث أي تغيير في موازين القوى مستقبلاً".
اقتصادياً، كرّست الجماعة سياسة الافقار، وفرضت إتاوات وجبايات تحت العديد من المسميات، كما بسطت نفوذها على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات، وتلاعبت بها، ووزعتها على أتباعها، وحرمان عشرات المحتاجين.
وقامت الجماعة بمضاعفة الضرائب وزكاة الأنفس والممتلكات بشكل كبير، كما خصصت في قانون ضرائب تفصيلي صدر في وقت سابق 20٪ من دخل وعائدات اليمنيين لبني هاشم، أو لآل البيت، طبقاً لمصادر صحفية.
- استعادة الإمامة
وتمهّد جماعة الحوثي لعودة الإمامة الزيدية في البلاد من خلال قمع الحريات المجتمعية والتعليمية، وتكثيف حملاتها وممارساتها الوحشية، وتغيير المناهج الدراسية، التي أضافت إليها دروسا عن قادتها الجدد، وإحياء ذكر رموزها القدامى، بمن فيهم الإمام الهادي يحيى، الذي يعد رأس الإمامة، التي حكمت شمال البلاد من عام 897 وحتى عام 1962.
وتتلاعب بالأيديولوجية الزيدية، وتحاول فرض تفسيرها الصارم لها، وهو فرع من الإسلام الشيعي، للسيطرة على المجتمع. وترتكب، بالتزامن مع ذلك، المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان، ما يؤكد على رغبة الجماعة الكبيرة في تشكيل نظام صارم يتمتع فيه قادتها بالسلطة المطلقة.
يقول مراقبون إن ذلك سيمكّنها من خلق نسخة مشابهة للإمامة الزيدية مع بعض التعديلات المقتبسة من التجربة الإيرانية، التي ستجعل من اليمن جمهورية إسلامية، يكون عبد الملك الحوثي مرشدها العام وحاكمها الفعلي.