القناص الحوثي استهدف "سنان العريقي" برصاصة اخترقت عنقه وأردته قتيلاً على الفور، ليلتحق بقائمة طويلة من ضحايا القنص الذين سقطوا خلال سنوات الحرب في محافظة تعز، بينما أصيبت ابنته بصدمة نفسية بعد رؤية والدها يسقط فجأة جوارها، والدماء تنزف بغزارة من عنقه.
-نزعة وحشية
على مدى سنوات الحرب، منذ مطلع العام 2015م، واصل الحوثيون تدريب كتائب متخصصة في عمليات القنص، مستفيدين من خبرة الضباط العسكريين الموالين للنظام السابق، الذين تولوا عملية التدريب، كما عملوا بمعية خبراء إيرانيين على تطوير أسلحة القنص لتصل إلى مدى أبعد وبدقّة أكبر.
وعندما أطبق الحوثيون الحصار على مدينة تعز، نشروا القن\اصة في المرتفعات الجبلية والمباني السكنية، ليبدؤوا فصلاً جديدا من الوحشية وجرائم الحرب بحق السكان المحاصرين داخل المدينة.
ويظهر القناصة الحوثيون نزعة لا إنسانية في عمليات الاستهداف، حيث يتعمّدون قتل المدنيين بجميع فئاتهم (نساء وأطفالا ومسنين وشبابا) دون تمييز ودون التزام بأخلاقيات الحرب والقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين.
"تعز تايم" قام برصد وتوثيق جانبا من تلك الجرائم بحق سكان تعز ضمن ملف خاص تنشر قصصه الخبرية وتحقيقاته الموسعة خلال الفترات القادمة مع التأكيد بأن عملية الرصد لا تشمل ضحايا الجرائم الحوثية الأخرى كالقذائف والصواريخ الباليستية والألغام والتعذيب حتى الموت، إذ اقتصرت عملية الرصد والمتابعة على جرائم القنص التي تعمَّد خلالها قناصة جماعة الحوثي استهداف المدنيين بشكل مباشر، رغم عدم علاقة الضحايا بأطراف الحرب.
-الطفولة في مرمى القناص
يرتكب قناصو الحوثي المحترفون جرائم مستمرة في المناطق القريبة من مواقع التماس بمحافظة تعز، أو التي يصل إليها مدى السلاح المستخدم من قِبل القناصة، وضحايا القنص غالبا هم من المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال.
بينما كان الطفل هزاع سلطان (12 عاماً) عائداً من مدرسته في حي "المفتش" بمنطقة عصيفرة شمالي مدينة تعز، في 27 ديسمبر من العام الماضي، لم يمهله قناص الحوثيين المتمركز في جبل الوعش حتى العودة إلى المنزل لتسقطه رصاصة القناص على الأرض ملطخاً زيه المدرسي بالدماء.
يقول أحد المسعفين لـ"تعز تايم" إن مشهد الطالب وهو مضرج بالدماء ودفاتره المدرسية متناثرة جواره ما يزال عالقا في ذاكرته، متسائلاً: "ما الذي يدفع إنساناً لقتل طفل عائد من المدرسة؟".
لم يكن الطفل هزاع سلطان وحده ضحية القناصين الحوثيين في حي "المفتش" بعصيفرة، حيث سبق وقتلت الطفلة "نهال عبده قائد الشرعبي" (5 أعوام) -مطلع يناير 2021م- برصاصة قناص حوثي أقعدتها في العناية المركزة 20 يوماً، إلا أن إصابتها كانت بالغة الخطورة.
وخلال العام 2021م، رصد "تعز تايم" 27 ضحية استهدفهم الحوثيون قنصا في محافظة تعز من بينهم 7 أطفال، تركّزت الإصابات في مناطق خطيرة من الجسم، الأمر الذي جعل محاولات إنقاذ بعض المصابين غير مجدية من قِبل الأطباء، فيما فارق آخرون الحياة بعد إصابتهم في الرأس أو القلب.
وبالنظر إلى إجمالي ضحايا القنص من الأطفال، الذين سقطوا إثر استهدافهم من قِبل قناصي الحوثيين البالغ عددهم 274 طفلاً منذ اندلاع الحرب عام 2015م بينهم 161 قتيلاً، بحسب ما رصده "تعز تايم" وتقارير حقوقية، فإن الإحصائية تشير إلى إصرار الحوثيين على استهداف الأطفال بشكل يظهر مدى وحشية القناصين.
ورغم هذه الوحشية غير المسبوقة تجاه الأطفال إلا أن الضغوطات الأممية والدولية ليست كافية للحد من الاستهداف الحوثي الممنهج للأطفال، وخاصة في محافظة تعز، التي تتكرر فيها عمليات القنص، إذ لا يكاد يخلو أسبوع واحد من تسجيل ضحايا.
-القناص قاتل النساء
عند النظر إلى جرائم القنص الحوثية، يبدو للمتابع وكأن هناك سباق بين القناصين، وكل واحد منهم يحاول ارتكاب جريمة أكثر وحشية من الآخر، ولم تكن النساء في تعز بمنأى عن هذا السباق الإجرامي.
في عزلة بلاد الوافي - شمال مديرية جبل حبشي- التي شهدت خلال العام 2021م تصاعد عمليات القنص واستهداف المدنيين، كانت "زكية محمد سعيد" (60 عاما) في مرمى القناص الحوثي بمظهرها الذي يبيّن أنها مسنة، إلا أن ذلك لم يغيّر من قرار القناص الذي أرداها قتيلة، مساء الأحد 10 أكتوبر 2021م.
ورصد "تعز تايم" 14 عملية قنص استهدفت النساء في تعز خلال العام الماضي من إجمالي 27 عملية استهداف طالت المدنيين، أسفرت عن مقتل خمس نساء وإصابات بليغة لتسع نساء أخريات بعضهن تعرضن لإعاقات دائمة، كما قتل أربعة رجال آخرين بعمليات القنص، وأصيب اثنان.
هذه الجرائم رفعت أعداد ضحايا القناصين الحوثيين في تعز من النساء، منذ مارس 2015م إلى نهاية ديسمبر 2021م، إلى 156 امرأة، منهن 77 امرأة قُتلت جراء الاستهداف المباشر من القناصين، فيما ارتفع أعداد الضحايا المدنيين بالمجمل إلى 718 مدنيا، بينهم 378 قتلوا بعد استهدافهم.
وتستوجب جرائم القنص، التي ترتكبها جماعة الحوثي في تعز، خطوات جادة وفعّالة من مجلس الأمن والمجتمع الدولي، من شأنها إجبار الحوثيين على وقف استهداف المدنيين في عموم المحافظات، وإحالة ملف اليمن إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في كل الجرائم، التي من أبرزها جرائم القنص، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكابها.