ومؤخرًا شهدت تعز ثلاث جرائم قنصٍ في أسبوع واحد ما أثار قلق المواطنين من هذه الجرائم التي تحولت إلى كابوس يومي يهدد حياة الآلاف من الأسر التي تعيش في نطاق الاستهداف المباشر.
ويوم السبت الموافق 18 من أكتوبر الجاري، أصيبت المواطنة إصلاح عبدالجبار عبيد(36 عاما) برصاصة قناص حوثي أثناء تواجدها قرب منزلها في منطقة الشقب.
وفي اليوم ذاته، وفي المنطقة نفسها، أصيبت المواطنة زينب أحمد عقلان (56 عامًا) أثناء مرورها في الخط العام بحي العقبة وسط الشقب، في حادثة تعكس استمرار الاستهداف المتعمد للمدنيين دون تمييز.
ويوم الجمعة الموافق 24 من أكتوبر الجاري أصيب المواطن محفوظ حمود علي المخلافي (56 عاماً)، أثناء تواجده قرب منزله بحي الأربعين وسط مدينة تعز توفي على إثرها.
*تحت مرمى القناص*
وتُعدّ منطقة الشقب الواقعة في مديرية صبر الموادم جنوب شرق محافظة تعز، من أكثر المناطق تعرضًا لعمليات القنص التي تنفذها مليشيا الحوثي المتمركزة في تبة الصالحين المطلة على المنطقة؛ إذ وصل عدد ضحايا القناص فيها منذ بداية الحرب إلى 283 ضحية.
المواطنة إصلاح عبد الجبار (36 عامًا)، خرجت من منزلها في” نجد المرقب” لمتابعة ماشيتها كعادتها اليومية، قبل أن تخترق ساقيها رصاصةُ قناصٍ حوثي، ممزقة الشرايين والأوردة.
يقول أحمد عبد الجبار، (قريب من الضحية) في حديثه لـ”يمن مونيتور “قناص الحوثي المتمركز في تبة الصالحين لا دين له ولا إنسانية، فهو يستهدف كل من تقع عليه عينه دون تمييز، سواء كان طفلًا أو امرأة أو رجلًا، مسلحًا أو أعزل، إصلاح كانت إحدى ضحاياه، وكادت تفقد حياتها بسبب الإصابة الخطيرة وبعد المنطقة عن المستشفى.”
وأضاف” بعد إصابتها حاولت إصلاح أن تسحب نفسها بعيدًا؛ خوفًا من أن يصاب من يحاول إنقاذها، لكن ذلك أدى إلى تأخر إسعافها وفقدانها كميات كبيرة من الدم، ما ضاعف من سوء حالتها”.
وأشار عبد الجبار إلى أن منطقة الشقب تفتقر إلى المرافق الطبية الأساسية، الأمر الذي يجعل إنقاذ ضحايا القنص أمرًا بالغ الصعوبة، خصوصًا في ظل بعد المسافة عن المدينة وسوء الطرق المؤدية إليها.
*بث الرعب بين السكان*
في السياق ذاته قال العقيد عبدالباسط البحر، الناطق الرسمي باسم محور تعز إن” إن المدينة تشهد خلال الأيام الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في أعمال القنص التي تنفذها مليشيا الحوثي الإرهابية ضد المدنيين، خصوصًا في الأحياء السكنية القريبة من خطوط التماس”.
وأوضح البحر أن” القناصة الحوثيين يتمركزون في التباب والمباني المرتفعة بمناطق الكمب، صالة، الزهراء، كلابة، شارع الأربعين، وعصيفرة شرقًا وشمال شرق المدينة، إضافة إلى منطقة الشقب بمديرية صبر الموادم جنوب شرق تعز، ومقبنة ووادي حذران غربًا، مؤكدًا أن” هذه المناطق تشهد استهدافات متكررة تطال المدنيين والمزارعين”.
وأضاف لـ”يمن مونيتور” القنص الممنهج يهدف إلى بث الرعب بين السكان وزعزعة الاستقرار، وإلى تحقيق أهداف عسكرية بجر القوات الحكومية إلى معارك محددة” مشيرًا إلى أن هذه الممارسات تمثل سياسة حرب ممنهجة ضد المدنيين وترقى إلى جرائم حرب.
وأكد البحر أن” الوضع الميداني ما يزال متوترًا؛ إذ يعيش آلاف المدنيين قرب خطوط النار، في ظل استمرار استخدام سلاح القنص رغم فترات الهدوء النسبي، بينما يحاول الأهالي الاحتماء بسواتر قماشية تعرف محليًا باسم (الطربال)”.
وكشف البحر أن التقارير الحقوقية وثقت آلاف الضحايا بين قتيل وجريح خلال السنوات الماضية، من بينهم 366 طفلًا قُتلوا أو جُرحوا برصاص قناصة الحوثي، لافتًا إلى أن ثلاثة مدنيين سقطوا خلال الأسبوع المنصرم في حوادث قنص متفرقة، إلى جانب استمرار استهداف الأسواق الشعبية بالطيران المسيّر.
وأشار إلى أن” أحدث البلاغات الميدانية تؤكد تصاعد القنص في الجبهة الشرقية وقطاع اللواء 170 دفاع جوي، مع تحركات حوثية في اتجاه الجبهة الغربية، كما سجلت إصابة الطفلة ندى بجاش إثر انفجار مخلفات المليشيا في جبهة الكدحة أثناء جمعها للحطب”.
واختتم العقيد البحر تصريحه بالتأكيد على أن محور تعز ملتزم بحماية المدنيين ومواصلة التصدي للمليشيات الحوثية، داعيًا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التحرك الجاد لوقف جرائم القنص بحق أبناء تعز.
*السكن في خط النار*
ومؤخرًا، اضطر عدد متزايد من سكان مدينة تعز إلى الانتقال للسكن في مناطق قريبة من خطوط النار، نتيجة الارتفاع الحاد في إيجارات المنازل داخل المدينة، وهو ما زاد من مخاوف الأهالي بسبب تكرار حوادث القنص واستهداف المدنيين.
المواطن محمد علي (40 عامًا- يعمل على دراجته النارية) لم يكن أمامه سوى أن ينزح بأسرته إلى منطقة قريبة من خطوط النار في مديرية صالة شرق مدينة تعز، بعدما عجز عن تحمل الارتفاع الكبير في إيجارات السكن داخل المدينة.
يقول محمد لـ”يمن مونيتور” كنت أعيش في شقة بالإيجار داخل المدينة بمبلغ سبعين ألف ريال شهريًا، لكن المالك رفع الإيجار فجأة إلى خمسمائة ريال سعودي، وطالبني بإخلاء السكن لساكن جديد قادر على الدفع، فاضطررت للبحث عن مكان آخر يناسب دخلي المحدود”.
وبحسرة يضيف “بحثت طويلًا عن منزل آمن وبسعر معقول، لكنني لم أجد سوى هذا البيت في منطقة قريبة من خط النار، تطل عليها تبة السلال التي يتمركز فيها قناصة الحوثي، وقد كان الخيار صعبًا، بين خطر الرصاص وضيق الحال”.
ويشعر محمد يوميًا بالقلق على أسرته، خاصة عندما يغادر إلى عمله على دراجته النارية، يتابع” أطفالي يعيشون حالة خوف مستمرة، فكلما سمعوا أصوات الرصاص — سواء من الجبهة أو من ضربات القناص التي تصل إلى الحي — يهرعون إلى داخل الغرفة الصغيرة التي نتخذها ملجأً مؤقتًا”.
ورغم إدراكه للخطر، يؤكد محمد أنه لم يجد خيارًا آخر مثله مثل مئات الأسر التي سكنت مؤخرًا في خطوط النار معلقة أملها بالهدنة الكاذبة، يواصل محمد حديثه لـ” يمن مونيتور” السكن قرب خط النار أقل تكلفة من غيره، لكنه أكثر رعبًا؛ نحن نعيش بين نار الحاجة ونار الحرب، ولا نملك سوى أن نسلم أمرنا لله”.
ويختم حديثه بنبرة يائسة ” كلما سمعت عن ضحية جديدة للقنص، يعتصرني الخوف وتأنيب الضمير، أشعر أنني قصّرت في حماية أسرتي، لكنني ببساطة عاجز — لا عمل، ولا دخل، ولا بديل آمن نستطيع اللجوء إليه”.
-من إفتخار عبده










