الغاز المنزلي في تعز.. الحلم البعيد والمعاناة اليومية لسكان المدينة

آب/أغسطس 24, 2021
الغاز المنزلي في تعز.. الحلم البعيد والمعاناة اليومية لسكان المدينة جانب من طوابر الغاز المنزلي في تعز - تويتر

تعود شحة الغاز المنزلي وغلاء أسعاره بذاكرة مدينة تعز إلى سنوات ما قبل الحرب، التي كانت فيها هذه المادة وافرة ورخيصة وسهلة المنال، وتأتي إليهم دون أي جهد وبحث وانتظار وعناء، كما كانت متواجدة وبكثرة في محلات ووكالات بيعها، وذلك خلافاً لسنوات الحرب، التي أضحت فيها غير متوفّرة وباهظة الثمن، ويتطلب الحصول عليها بحثاً طويلاً، وتردداً مستمراً على معارض بيعها، وذلك على مدى أسابيع.

يتذكر المواطن عبده محمد (40 عاماً) تلك الأيام الماضية التي كان فيها بائع الغاز يجوب بعربيته حيّه والأحياء المجاورة، ويُعرِّف نفسه بطريقته الخاصة، إذْ يقرع على إسطواناته مصدراً طنيناً حاداً ليعلم السكان بقدومه، الأمر الذي كان يتذمّر منه محمد وغيره حينها، ويعتبرونه إزعاجاً، في حين يحنُّون اليوم لتلك المظاهر والأيام التي كان فيها الغاز المنزلي سهل المنال ومتوفراً في المحلات، وعربات الباعة المتجولين، وبسعر زهيد.

يبتسم كلَّما تذكر باعة الغاز المتجولين، الذين كان يمرون بعربياتهم على منازل الحي، ويصيحون بصوت مرتفع: "الغاز، الغاز".. "الدبة ب350 ريالاً".

يقول: "كنا نتذمّر من هؤلاء الباعة، وننزعج من الأصوات التي يصدرونها، ومع ذلك كنا نشتري الغاز منهم، أو من المحل المجاور، وذلك بطريقة مبسَّطة ومباشرة، ودون بحث وانتظار، وطوابير طويلة، وتسجيل لدى الوكلاء وعُقال الحارات".

ويضيف: "عملية شراء الغاز المنزلي اليوم معقّدة، وتتطلب ترددا مستمرا على السوق السوداء، والكثير من محطات التعبئة والمحلات، التي نحجز لديها مسبقاً، ونتزاحم أمامها، ونقف في طوابير طويلة، كما ننتظر أكثر من شهر".  

يستثير ذلك في نفسه ذكريات الماضي، ويشده حنينه لتلك الأيام التي كان ينتشر فيها الباعة المتجولون في الأحياء، ويترددون على المنازل عدة مرات في اليوم، مُحدثين ضجيجاً وجلبة لطالما أثارت حنق وتذمّر السكان، الذين كانوا يعتبرونها سلوكيات منفِّرة ومزعجة، وهو ما لم يدمْ مع مرور الأيام، إذ أضحت تلك المظاهر تفاصيل عالقة في ذاكرتهم، وصفحة مُميزة في ماضيهم، وحياة شكّلها باعة بسطاء بعفويتهم وأصواتهم ومظاهرهم المتواضعة وصدى إسطواناتهم.

 مفارقات

يستشعر اليوم مدى المفارقة الحاصلة بين ماضٍ كان فيه الغاز وافراً وموصولاً إلى المنازل، وحاضر يقود فيه المواطنون رحلة بحث طويلة وشاقة وراء هذه المادة، التي تشح وترتفع أسعارها في محلات ووكالات بيعها، في حين تتوفّر في السوق السوداء بأسعار خيالية، ما يفاقم معانات المواطنين، ويتسبب لهم بإجهاد مادي وجسدي.   

لم يغبْ عن باله بائع الغاز المتجول الأربعيني خالد عبده، الذي كان يدفع عربيته المحمّلة بالإسطوانات بصعوبة، ويُعلم سكان الحي بقدومه بطريقته الخاصة، فيخرج إليه البعض ويخبرونه عن حاجتهم، وهو ما يجعله يبتسم ابتسامة لطيفة، ويحمل الإسطوانات الممتلئة إلى أبواب منازلهم وشققهم السكنية، ويأخذ قيمتها ومعها الإسطوانات الفارغة.

ارتبط هؤلاء الباعة بذاكرة الناس، الذين استشعروا غيابهم، والفراغ الذي خلّفوه في حياتهم، ومدى افتقادهم تلك الأوجه، التي تركت نشاط بيع الغاز، وتوارت عن  المشهد، ما يثير استغراب البعض، ويجعلهم يتساءلون عن مصيرهم، وهل التهمتهم نيران الحرب؟ وكيف حالهم؟ وإلى أين ذهبوا؟ وما الأعمال التي يزاولونها حالياً؟ وهل سيعودون لعملهم السابق؟

سليم صالح (41 عاماً) عمل في سنوات ما قبل الحرب بائعا متجولا للغاز، وهو نشاط غادره منذ ستة أعوام للعمل في بسطة لبيع الخضار، كما يصعب عليه العودة إليه في ظل أزمات الغاز المنزلي المتواترة، وعدم توفّره كما كان في السابق، وشدة التعقيدات التي طرأت على شراء الإسطوانات، وتعبئتها، واستبدالها.

يقول صالح : "كنت أحمل على عربيّتي 10 إسطوانات، وأبيعها في الحارات، ثم أمُر بأقرب محل لبيع الغاز  واستبدل الفارغة بأخرى ممتلئة، وذلك في نفس الوقت، ما يمكنني من تكرار هذه العملية عدة مرات في اليوم الواحد، والتجول لبيع الغاز في المزيد من الأحياء، وهو ما لم يعد بإمكاني فعله،

إذْ صار العثور على إسطوانة واحدة أمراً محالاً، ويتطلب شهرا أو شهرين من البحث والانتظار والتردد المستمر على المحلات".  

 طبيعة المشهد

وتشكِّل أزمات الغاز، التي تشهدها المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد منذ العام 2015، معضلة حقيقية للمواطنين، وهماً مؤرقاً لهم، ومثقلاً لكاهلهم، في ظل تردي أوضاعهم المادية والمعيشية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانقطاع الرواتب، وندرة المساعدات والأعمال، وغياب مصادر الدخل، وغلاء المعيشة.

ويغلب الفساد والعشوائية على نشاط توزيع وبيع مادة الغاز، التي تشهد رواجاً في السوق السوداء، وندرة وتلاعباً في محلات ووكالات بيعها، إذ يحرم التجار وأصحاب محطات التعبئة المواطنين من الكميات المخصصة لهم، ويقومون ببيعها بأسعار مرتفعة لمالكي وسائل النقل والمطاعم والبوفيات، ما يفاقم معاناة السكان.

ويتفاوت سعر إسطوانة الغاز، ففي حين تُباع في بعض المحلات بسعر يتراوح ما بين 5500 ريال إلى 7 آلاف ريال، تقارب قيمتها في السوق السوداء 12 ألف ريال، مضافاً عليها أجرة المواصلات، ما يعجز الكثيرون عن شرائها، ويتسبب في انقطاع الغاز عن منازلهم لأسابيع، وهو ما يشكو منه مواطنون، مؤكدين أنهم لم يتمكنوا من الحصول على إسطوانة منذ شهر تقريباً.

يقول المواطن سعيد ردمان (55 عاماً) لموقع "بلقيس" إن الغاز غير متوفر في منزله منذ شهر تقريباً، ما شكل عبئا ماديا كبيرا عليه، وتسبب في عدم قدرة أسرته على إعداد الطعام، والخبز والشاي، وهي متطلبات يشتريها من المطاعم والمخابز والبوفيات بأسعار مرتفعة، وتكلّفه الكثير من المال، وتستنفد معظم راتبه الشهري، وتنهكه كثيراً، في الوقت الذي يستنزف شراء الغاز معظم دخله، ويفاقم عجزه عن توفير بقية متطلبات العيش الضرورية.   

يشير إلى أن الغاز لم يكن ينقطع عن مطبخه في سنوات ما قبل الحرب، ولو لساعة واحدة. حيث كان يرتاد أي محل فور نفاد إسطواناته، ويشتري بسهولة بديلاً لها، أو يستعير في الحالات الطارئة من جيرانه، وهو ما لم يعد ممكناً اليوم.

ويماطل التجار المستهلكين، ويسرفون في تقديم الوعود، كما لا يراعون كشوفات المحتاجين، ويرفضون بيع الغاز لهم، بحُجة عدم توفره، في حين يعرضونه للبيع في السوق السوداء، مستغلين بذلك غياب الرقابة، وضعف أداء السلطات المحلية، والجهات المختصة.

وجهات نظر

يعزو اقتصاديون أزمات الغاز إلى زيادة معدل الاستهلاك، وعدم توفير الحكومة والسلطات المحلية وفرع شركة الغاز كميات كافية لتغطية حاجة السكان، وعدم قيامهم بتفعيل الدور الرقابي، وضبط المخالفين، والمتاجرين بالغاز في السوق السوداء.

يرجع مكتب الصناعة والتجارة شحة الغاز وغلاء أسعاره إلى الحصار المفروض على المدينة من قِبل مليشيا الحوثي، وما ترتّب عليه من بُعد مسافة الطريق، وارتفاع تكاليف النقل، التي تُضاف إلى قيمة الإسطوانة، المحدد ب3350 ريالا.

يعزو مدير الأسواق ومسؤول الغاز في مكتب الصناعة، مصطفى عبد الخالق الأديمي، أسباب الأزمات إلى عدم حصول المحافظة على حصتها الكاملة من شركة صافر للغاز، وعشوائية التوزيع، الذي لا يتم وفق خطة مدروسة، تراعي الكثافة السكانيه في كل منطقة، وتلبّي احتياجها الفعلي، فضلاً عن اعتماد حصة للمطاعم في الكميات المخصصة للوكلاء، ما يفتح باب التسرّب إلى السوق السوداء.

يصل النقص الفعلي في إمدادات الغاز إلى 50%، في حين يتزايد حجم الاحتياج لهذه المادة في المدينة، التي تتطلب يومياً 8500 إسطوانة، ما يحتم  على الشركة اليمنية للغاز في صافر زيادة حصة المحافظة، وبذلك ستنتهي كافة الإشكاليات القائمة، وستزول الصعوبات الماثلة أمام الجهات المعنية، كما ستخفف معانات المواطنين، حسب الأديمي.

Additional Info

  • المصدر: تلفزيون بلقيس
Rate this item
(0 votes)
Last modified on الثلاثاء, 24 آب/أغسطس 2021 10:43
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro