التصعيد العسكري غرب المدينة، دفع بعشرات الأسر النازحة إلى العراء ،وأصبحوا يفترشون الأرض القاحلة ويحلمون أن تُنصب لهم خيمة ليقضوا غالبيّة ساعات النهار فيها هرباً من حرارة الشمس المرتفعة وأوقات الليل خوفا من برد الشتاء، لكنهم ينظرون حولهم فلا يجدون سوى كومة من الأدوات المنزلية المهترئة هي كل ماتبقى لهم في رحلة النزوح تلك ،وكلما بدأوا في البحث عن الاستقرار وسط تلك الأراضي المُقفرة،لاحقهم القصف وصاروا عرضة لهجمات عشوائية عبر مقذوفات تتساقط عليهم في الأماكن التي نزحوا إليها.
ظروف قاسية
في رحلة نزوح ربما لن تكون الأخيرة ، وخصوصاً مع اقتراب نيران جماعة الحوثي من المساحات التي لجأوا إليها في منطقة جبل الحجب آنذاك،وغيرها من المناطق التي لا تقل خطرا عن تلك التي قدموا منها في خطوط التماس ،تتفاقم معاناة العشرات من الأُسر التي تعيش بلا مأوى ،ولا تعرف متى يحين الوقت لكي تحمل ما تبقى من أمتعتها وترحل إلى مكان آخر للنجاة بأرواحها.
أظهرت صورا عديدة الأطفال وهم يفترشون الأرض وإلى جانبهم بعض الأثاث المتهالك،وأظهرت لقطات أخرى إحدى النساء وهي تشاهد بحسرة طفلتها التي تلفح وجهها شمس الظهيرة بينما تنام على بقايا بطانية،وصور مأساوية كثيرة أوجدتها الحرب وأتقنت تصويرها في عنواين الأخبار ،وكالعادة تتحول تلك الصور المأساوية إلى مجرد أرقام في كشوفات المنظمات الإغاثية في اليمن.
يوما بعد آخر تزداد المناشدات لإنقاذ النازحين الذين يعيشون تحت الأشجار في تلك الأراضي الموحشة،وحيدون لا يملكون أنيسا لهم سوى مواشيهم التي نفق الكثير منها في طريق النزوح.وليس باستطاعتهم الفرار باتجاه مركز المدينة كبعض النازحين ممن لجأوا إلى مخيمات البيرين والنشمة.
صفوان الجبيحي - مسؤول إعلامي بمديرية جبل حبشي ومُنسق ميداني للمنظمات الإغاثية قام بزيارة النازحين وتوثيق معاناتهم
يتحدث لـ"تعز تايم"قائلا:" زُرنا منطقة جبل الحجب التابعة لمديرية المعافر والتي لجأ إليها العشرات من الأُسر النازحة من مناطق مختلفة،ووجدناهم يعيشون تحت الأشجار ،ووثقنا معاناتهم التي تزداد مع ازدياد أعدادهم ويقل أملهم في الحصول على المساعدات."
يضيف الجبيحي:"يصل مجموع الأُسر النازحة أكثر من أربعين أسرة يعيش معظم أفرادها تحت الأشجار، فلا خيام ولا بطانيات ولا أدنى مقومات الحياة.
تتضاعف المخاطر وتقل فرص النجاة ،فهناك العديد من الأُسر النازحة التي لجأت إلى سائلة الحجب وقد تتعرض لمخاطر عديدة في أي وقت كما يقول الجبيحي :"هناك العديد من القرى الواقعة في مناطق التماس نزح جميع سكانها هربا من الحرب إلى مجاري السيول ، لذلك أدعو المنظمات الإغاثية إلى الإسراع في تقديم المساعدات الغذائية وإيواء النازحين لإنقاذهم والتخفيف من معاناتهم".
في الوقت ذاته يُقر صفوان الجبيحي بخطورة تواجد بعض الأسر النازحة في سائلة الحجب قائلا :"في الوقت الذي يستمر فيه تدفق النازحين من مختلف المناطق التي تشهد مواجهات دون احصائيات رسمية ، إلا أن الخطر يهدد الأسر المتبقية في سائلة الحجب بمديرية المعافر ".ويدعو المنظمات العاملة في المجال الإنساني إلى التدخل العاجل ونقلهم إلى مكان آمن وتوفير المخيمات لهم.
خطر الألغام
بالتوازي مع نزوح العشرات من الأسر هربا من المواجهات في الريف الغربي لمدينة تعز، يبقى شبح الألغام خطراً يهدد حياتهم ويمنع تنقلهم في المناطق المحيطة لجلب المياه أو الاحتطاب ،فغالبية الأراضي هناك ملوثة بالألغام وبقايا المتفجرات التي خلفها الحوثيون في المناطق المحررة حديثا.
وعلى الرغم من استمرار عمل الفرق الخاصة بنزع الألغام في المناطق التي تم تحريرها من قبل القوات التابعة للحكومة المعترف بها ،إلا أن الخطر مازال قائما بالنسبة للنازحين في تلك المناطق وفقا لمدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في محافظة تعز، العقيد عارف القحطاني.
يقول القحطاني ،لـ تعز تايم:"مازلنا نحاول تأمين المناطق التي سيطرنا عليها ولدينا فرق لنزع الألغام من المناطق المحررة مؤخرا ،لكن هذا الأمر لا يعني بأن الأماكن التي لجأ إليها النازحين بمنطقة جبل الحجب خاليه من الألغام".
لايزال خطر الألغام يلاحق أجساد النساء الشاحبة اللاتي يقطعن مسافة ثلاث ساعات يوميا لجلب مياه الشرب ،وترافقهن شمس الظهيرة الحارقة بين تلك الطرق المفخخة بالألغام ،الأمر الذي دفع بعض الأسر إلى النزوح مرة أخرى نحو منطقة الحصب في مديرية المعافر وقرى مجاورة تابعة لمديرية جبل حبشي في موجة نزوح ثانية منذ أن خرجوا من ديارهم بسبب القصف.
شحة المساعدات
تواصلت بعض المنظمات مع المنسق الميداني صفوان الجبيحي للنزول إلى جبل الحجب ورفع تقارير حول الوضع المعيشي للنازحين هناك،وتم اعتماد مشروع سلل غذائية وإيوائية عاجلة لعشرين أسرة كمرحلة أولى مع تنصيب أولي للمخيمات بواقع عشر خيام تم انشاؤها للأسر التي تمكنت من النزوح إلى قرية الحصب التابعة لمديرية المعافر، ويعد هذا المشروع أول عمل إغاثي للنازحين الجدد وفق حديث الجبيحي لـ"تعز تايم"."
ويتابع الجبيحي قائلا إن:"المشروع يهدف إلى التخفيف من معاناة بعض النازحين الذين كانوا يعيشون في العراء قبل تنصيب المخيمات ،فيما لاتزال بقية الأسر النازحة بحاجة الى تدخل وإغاثة عاجلة لتحسين أوضاعهم المعيشية"،معتبرا تلك المساعدات مؤشر استجابة لاستغاثة النازحين الذين أُجبرتهم الحرب على ترك المنازل والعشش المتواضعة في القرى التي طالها قصف الحوثيين في التصعيد العسكري الأخير غرب المدينة.
ويشير الجبيحي إلى أن منطقتي جبل الحجب والكدحة ومناطق آخرى متفرقة لاتزال مقصدا لعشرات النازحين الذين يتدفقون يوميا إليها هربا من القصف المستمر ، بعضهم يعتمدون على رعي المواشي كمصدر دخل أساسي لتأمين قوت يومهم ،ويصف الجبيحي أوضاع النازحين بأنها مأساوية وتستدعي تدخل المنظمات الدولية والمحلية لمساعدتهم.
تقصير رسمي
من جانبه يعلق حسان الخليدي ،رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين بتعز حول الجهود التي قاموا بها لإنقاذ النازحين ،بالقول إن دور السلطة المحلية يقتصر على رفع التقارير والاحصائيات إلى جميع المنظمات التي تعمل في الجانب الإغاثي.
ويضيف:" هناك من استجاب ونزل إلى تلك المناطق وقاموا بعمل تقييم للاحتياجات وسيتم استهدافهم قريبا."
ويكشف الخليدي عن احصائيات خلال الفترة من 6مارس حتى 4أبريل من العام الماضي حيث بلغ عدد النازحين مايقارب الف وثلاثمائة نازح يتواجدون في ست مديريات وهي المعافر والشمايتين وجبل حبشي ،بالإضافة إلى مديريات المظفر وحيفان وصبر الموادم.
تزداد المعاناة مع دخول الشتاء واشتداد البرد هذه الأيام، مع افتقادهم للوسائل التي تساعدهم وتقيهم من البرد من ملابس وبطانيات،ويمثل دخول موسم الشتاء واشتداد البرد تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية العاملة في اليمن، في ظل إغلاق الكثير من البرامج للأمم المتحدة، لانخفاض حجم التمويل المقدم لليمن في واقع زادت فيه حجم المعاناة والاحتياج، إلى جانب زيادة أعداد النازحين في كثير من مناطق البلاد.
في المقابل تبدو الجهود المبذولة أقل بكثير من حجم المأساة التي لحقت بنازحي الطوير والقرى المجاورة،وفسر البعض هذا الأمر بتقاعس المنظمات الإغاثية مهددا حياة السكان الذين يفتقرون لأدنى متطلبات المواد الغذائية والصحية ، وتعيش العديد من الأسر في العراء بانتظار من يخفف معاناتها بعد أن تشردت نتيجة احتدام المعارك في الريف الغربي لتعز.