لم تكن رحلة بحثها عن العلاج بالهيِّنة، إذ ظلت تسافر بين الحين والآخر من إحدى قرى مديرية شرعب السلام إلى مدينة تعز، وذلك عبر طُرق بديلة وطويلة ووعرة وضيّقة وخطرة، فرضها حصار مليشيا الحوثي على المدينة منذ العام 2015.
تقطع في كل رحلة ذهاباً وعودة مسافة تفوق 130 كيلو متراً، وتتحمّل لقرابة ثماني ساعات عناء ومشقة السفر، وتتشابه في ذلك مع غيرها من المرضى المقيمين في الأرياف المجاورة لمدينة تعز.
يرافقها زوجها وابنتها في رحلاتها، التي يستقلون فيها سيارة صالون رباعية الدفع، ويدفعون لسائقها 12 ألف ريال أو أكثر، وذلك مقابل كل واحد منهم.
ما إن يصلوا إلى المدينة، تواجههم مشكلة المأوى فليجأون إلى السكن في منزل أحد أقاربهم، أو يستأجرون غرفة في أحد الفنادق المتواضعة، وذلك مقابل 5 آلاف ريال في اليوم الواحد.
ليس ذلك فحسب، فغلاء أسعار الوجبات الغذائية اليومية والأدوية وارتفاع أجرة التنقّل الداخلية وأجور السكن، وغيرها من المتطلبات، تثقل كاهلهم، كما تقول نعمة لموقع "بلقيس".
-بحثاً عن العلاج
تخضع نعمة في كل أسبوع لجلستي غسيل كلوي في مركز الكُلية الصناعية، التابع لهيئة مستشفى الثورة العام في تعز، وهناك قد تتأخّر عن الموعد المحدد لإجراء الجلسة، فيتم استبدالها بمريض آخر، وتأجيل جلستها إلى وقت آخر، ما يؤثّر على حالتها الصحية، ويعرِّضها لمضاعفات وآلام المرض.
تلفت نعمة إلى العديد من الصعوبات التي كانت تواجهها، بما فيها ازدحام المركز بعشرات المرضى يومياً، وصعوبة الحصول على بعض الخدمات الصحية، وطول الانتظار، فضلاً عن المشاكل التي تعترض المركز بين الحين والآخر، إما لتعطّل الأجهزة أو لنقص ونفاد بعض مستلزماته.
فاق ذلك العناء قُدرتها على الاحتمال، ودفعها -مؤخراً- نحو تغيير وجهتها، والتوجّه نحو مدينة إب، التي استأجر فيها زوجها بالقرب من المستشفى الذي تتلقّى فيه العلاج منزلاً متواضعاً، ليقيموا ويستقروا فيه، ويتفادوا عناء السفر، وبُعد ومشقة الطريق المؤدية من وإلى مدينة تعز، فضلاً عن تكاليف المواصلات الباهظة، وغيرها.
تتفاقم معانات مرضى الفشل الكُلوي القادمين إلى مدينة تعز من الحوبان وماوية وشرعب السلام وشرعب الرونة والتربة والحجرية والمعافر والمخا ومديريات الساحل الأخرى وغيرها من المديريات الريفية.
يصطدمون في المدينة بغلاء المعيشة وغيرها، وتشتد حاجتهم إلى وسائل النقل والسكن والتغذية والأدوية وغيرها، وهي متطلبات يرى فيها مدير مركز الكُلية الصناعية في مستشفى الثورة، الدكتور فهمي الحناني، أنها مهمّة بالنسبة لمن يأتون من مناطق بعيدة، ويضطرون إلى المبيت قُرب المركز، ليحصلوا على الغسيل الكُلوي.
ويوضح الحناني: "هناك مرضى غير قادرين على تحمّل تكاليف تلك الاحتياجات وغيرها، وهناك مرضى عليهم التزامات كثيرة وكبيرة بسبب بُعد المسافة، وتكاليف السفر، ما يجعل معانات الجميع كبيرة".
- المشهد العام
تتزايد أعداد المصابين بالفشل الكُلوي في تعز كل عام، وتصل نسبة الزيادة في عدد المتوافدين على مركز الكُلية الصناعية في مستشفى الثورة الحكومي فقط إلى 20%- حسب الحناني.
في المقابل، تتواضع إمكانيات مرافق علاجهم في عموم البلاد، حسب رواية منظمة الصحة العالمية، التي أشارت -في وقت سابق- إلى أن تلك المرافق تعاني من نقص حاد في المياه والوقود والمحاليل وغيرها من المستلزمات.
يصعب على مراكز الغسيل الكلوي في مدينة تعز استيعاب الأعداد المتزايدة لمرضى الفشل الكلوي، وتوفير جميع احتياجاتهم، وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم مع كافة خدماتها المجانية من علاجات وفحوصات وغيرها.
لا يقتصر ذلك على مركز الكُلية الصناعية في مشفى الثورة، الذي تصل فيه أعداد الحالات المسجّلة إلى 260 حالة، بل يمتد إلى نظيره في المستشفى الجمهوري، الذي تقدّر فيه الحالات المسجّلة ب170 حالة.
يفاقم الإقبال اليومي المتزايد من حدة الضغوطات على مركز الغسيل الكلوي في مشفى الثورة، إذ يستقبل في اليوم الواحد حوالي 88 مصاباً بالفشل الكلوي، بينهم 80% من المناطق المجاورة لمدينة تعز، و20% من داخلها، طبقاً لرواية المركز.
ينعكس ذلك أيضاً على المرضى المقيمين في داخل المدينة، بمن فيهم المريض الخمسيني عبده عبدالله، الذي وجد صعوبة في ارتياد هذا المركز، لإزدحامه بالمرضى، ما جعله يتردد على مركز آخر.
-حيرة مريض
أصيب عبدالله -موظف حكومي يُقيم مع أسرته وسط المدينة منذ عام ونصف- بالفشل الكُلوي، ومن يومها قرر له الأطباء إجراء جلستي غسيل في الأسبوع الواحد.
يتوجّه مرتين في الأسبوع نحو مركز الغسيل الكلوي في المستشفى الجمهوري، ويخضع -يومي السبت والأربعاء- لجلستي غسيل مدة كل واحدة ساعتين، يعود بعدهما إلى منزله منهكاً.
تتحسن حالته الصحية بين الحين والآخر، ويتوقف مؤقتاً عن الخضوع للغسيل، لكن المرض يعاود مداهمته فيخضع مجدداً لتلك الإجراءات، التي يصعب عليه تحمّل بعض نفقاتها التي يؤمّنها من مساعدات بعض الأصدقاء، كما يقول لموقع "بلقيس".
خلال الأشهر الماضية، لم يستسلم للمرض، ولم يلتزم فراشه كأي مريض، لكن قلقه المتزايد قاده إلى التردد على عدد من الأطباء، بعضهم قرروا له أدوية، ونصحوه بالتوقّف عن إجراء الغسيل الكلوي، فيما لم يعفِه آخرون من الأدوية، واستمرار الخضوع لجلسات الغسيل.
يواصل البحث عن العلاج، ويحرص كل صباح على الخروج من منزله، ومقابلة جيرانه وأصدقائه، وتبادل الأحاديث معهم، كما يطيل التفكير بحل لمعظلته، و يرى أنها تستدعي السفر إلى خارج البلاد، وهو أمر يصعب عليه، لتردّي أوضاعه المادية، وعجزه عن تحمّل تكاليف السفر والعلاج حد تعبيره.