أربعة أشهر من المطالبات والمظاهرات، قابلها صمت حكومي مطبق، واستجابات متأخرة من السلطة المحلية، تمثلت في تشكيل لجنة اتخذت إجراءات وصفها المعلمون بـ”الترقيعية”، ورفضوا العودة في ظلها، وسط غياب أي ضمانات حقيقية.
في المقابل، لا يزال آلاف الطلاب محرومين من حقهم الأساسي في التعليم، ويُطلب منهم الاستعداد لاختبارات لم تسبقها دراسة.
بين استنزاف المعلم وصمت الحكومة، تتآكل الثقة بالنظام التعليمي، وتزداد الفجوة بين الشعارات الرسمية والواقع في الفصول الدراسية. أما صندوق دعم التعليم، الذي طُرح كحل مستقبلي، فلا يزال غامض المعالم، ولا يصلح لأن يُنظر إليه كبديل جاد.
الإضراب مستمر
يقول رئيس الاتحاد التربوي للمعلمين، أمين المسني: “أربعة أشهر ونحن ما زلنا مستمرين في إضرابنا، وطلابنا وأبناؤنا في الشوارع والأزقة. 500 ألف طالب وطالبة في أكثر من 800 مدرسة على الأرصفة، و25 ألف طالب وطالبة في الثانوية العامة مهددون بالحرمان من استكمال الدراسة الجامعية هذا العام”.
وأضاف: “خلال هذه الأشهر الأربعة، خرجنا ونادينا وصحنا، وقلنا وخاطبنا الجميع بأن ينقذوا المعلم. خاطبنا رئيس الجمهورية، والحكومة، وكل العالم والإنسانية، لكن لا حياة لمن تنادي”.
وتابع: “الحكومة عاجزة، تعيش في القصور وخارج الوطن. لو كانت داخل الوطن وتستلم بالريال اليمني وتعاني كما يعاني المواطن، لكانت أنجزت ونفذت الحلول”.
وأشار إلى أن “تجاهل الحكومة للمعالجات يُعيدها إلى العهد الإمامي، قبل ثورة 26 سبتمبر. أطول إضراب في العالم هو ما حصل هذا العام في محافظات تعز وعدن ولحج وأبين وشبوة، وبعض المحافظات الأخرى”.
وأكد أن “المعلمين في تعز مستمرون في الإضراب، ولن يعودوا إلى الميدان خائبي اليدين بعد أربعة أشهر من النضال، ولن يتنازلوا عن حقوقهم مهما كانت الظروف”.
كما انتقد “تهديد مدير مكتب التربية في المحافظة للمعلمين ومدراء المدارس بالفصل والاستبدال، بدلًا من الحوار”، مؤكدًا أن “الوظيفة حق مكفول للمعلمين، ولا يملك أحد سلطة ترهيبهم أو اتخاذ إجراءات تعسفية بحقهم”.
توجيهات حكومية
من جانبه، قال نائب وزير التربية والتعليم، الدكتور علي بن علي العباب: “نحن في وزارة التربية والتعليم نتابع ما يدور في الميدان. وقد تم عقد لقاء مع رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك، وخرجنا بنتائج مهمة، أبرزها إنشاء صندوق دعم التعليم على مستوى الجمهورية لمعالجة وضع المعلمين والعملية التعليمية بشكل شامل”.
وأضاف: “وجه رئيس الوزراء وزراء المالية والخدمة المدنية والتربية، ببدء إعداد لائحة دعم الصندوق على مستوى الوطن”.
كما أشار إلى توجيه بصرف الرواتب شهريًا دون تأخير، إضافة إلى صرف العلاوات السنوية والتسويات المتأخرة، بدءًا من يناير 2025، مؤكدًا أن “الوضع المالي الصعب نتيجة توقف تصدير النفط ساهم في تأخير المعالجات”.
وأوضح العباب أن “الإضراب قائم في مديريتين فقط بمحافظة تعز، إضافة إلى محافظة عدن، وأن التقارير من مكاتب التربية هي المرجع الأساسي، وقد تم اتخاذ الإجراءات بناء عليها”.
وأشار إلى أن “صندوق دعم التعليم ليس حلًا مؤقتًا، بل سيكون مستمرًا بتمويل حكومي كبير، ويهدف لمعالجة الوضع الهيكلي للمعلم بشكل دائم”.
وأكد أن “الوزارة وجهت اللجنة العليا للاختبارات بمراعاة أوضاع الطلاب عند إعداد الاختبارات، وكذلك فرق التصحيح، للتخفيف من آثار الإضراب، مع التشديد على أن التعليم حق لا يجوز حرمان الطلاب منه”.
كسر إرادة المعلمين
تقول عضو اللجنة التحضيرية لاتحاد التربويين، عائدة حميد الشامي: “العودة إلى المدارس دون ضمان الحقوق التي يطالب بها المعلمون منذ أربعة أشهر تُعد كسرًا لإرادتهم وامتهانًا لكرامتهم”.
وأضافت أن “استدعاء متطوعين غير مؤهلين للتدريس ما هو إلا محاولة شكلية لتغطية الفراغ، بينما هؤلاء المتطوعون لا يستطيعون تغطية كل مواد المنهج الدراسي، في ما يشبه محاولة فاشلة لإتمام العام الدراسي بأي شكل”.
وتابعت: “يراد إجراء اختبارات صورية وإنهاء شكلي للعام الدراسي، مع التهديد برفع أسماء المعلمين المضربين، وتهديد المدراء بالفصل، وهي إجراءات تعسفية تهدف إلى كسر الإضراب وإسكات المطالب المشروعة”.
وأشارت إلى أن “الطلاب تضرروا بشكل كبير، لا سيما في تعز وعدن، وخرج طلاب الثانوية العامة بمظاهرة حاشدة احتجاجًا على إجراء اختبارات وصفوها بـ”الهزلية”.
معالجات جزئية
بدوره، يقول عضو لجنة محافظ تعز، ورئيس نقابة المعلمين في تعز، عبد الرحمن المقطري: “بحكم عملي في النقابة، كُلّفت مع عدد من المسؤولين في السلطة المحلية بمتابعة ملفات المعلمين، وبدأنا بجمع كشوفات موظفي 2011، الذين حُرموا من علاواتهم وبدلات طبيعة العمل”.
وأضاف: “قمنا بإعداد الكشوفات وتوثيقها وإرسالها إلى وزارة الخدمة المدنية في عدن على نفقة النقابة، كدفعة أولى لمعالجة بعض القضايا”.
وأشار إلى أن “القضايا تشمل أكثر من 5000 موظف من دفعة 2011، و1337 معلمًا حُرموا من علاوات التقاعد، و952 موظفًا حصلوا على مؤهلات جديدة ولم تُحتسب لهم”.
وأوضح أن “هذه المعالجات تبقى جزئية، ولا تحل المشكلة بشكل شامل، لأننا نحتاج إلى هيكل أجور يتناسب مع الوضع المعيشي”.
وختم بالقول: “الرواتب الحالية لا تساوي عشر ما كان المعلم يتقاضاه في 2015، ومع ذلك نحاول إيجاد حلول جزئية، بانتظار استجابة حقيقية من الحكومة”.