وقد قامت الولايات المتحدة ببناء شبكة كثيفة ومتزايدة التعاون من التحالفات والشراكات التي تتمتع بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي. واستثمارات القطاع الخاص الأمريكي في البلدان الآسيوية التي تتمتع بأكبر اقتصادات في المنطقة تفوق استثمارات أي دولة أخرى، والولايات المتحدة هي الوجهة الرئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر من جميع الاقتصادات الرئيسية في آسيا (باستثناء الصين).
وحتى مع تلاشي الديمقراطية في أماكن أخرى، فإن العديد من بلدان المنطقة تظل ديمقراطيتها نابضة بالحياة. وبفضل الأساس القوي للاتفاق بين الحزبين، يمكن لعملية صنع السياسة الأمريكية في المنطقة في كثير من الأحيان أن ترتفع فوق الجمود والاستقطاب في واشنطن.
ومع فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2024، سيرث دونالد ترامب سياسة هائلة في آسيا تم تناقلها عبر الإدارات الجمهورية والديمقراطية.
وقد بنى الرئيس جو بايدن سجله المثير للإعجاب في المنطقة حول هذا الإجماع، و الشراكة الدبلوماسية بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة المعروفة باسم الحوار الرباعي، والتي رفعها بايدن من منتدى على المستوى الوزاري إلى قمة القادة، بدأت في عهد إدارة جورج دبليو بوش كقوة عمل مشتركة، لإنقاذ ضحايا تسونامي المحيط الهندي عام 2004 وأعادت إدارة ترامب إحيائه كاجتماع دوري لوزراء خارجية الأعضاء (اعترف بايدن بنسب الرباعية بين الحزبين في القمة الأولى التي عقدت خلال فترة رئاسته).
مبادرات بايدن بشأن وضع القوة العسكرية الأمريكية، وضوابط تكنولوجيا أشباه الموصلات، والعلاقات الثلاثية مع اليابان وكوريا، كلها لها جذور في إدارات بوش أو أوباما أو ترامب. والمكونات الجديدة التي أضافتها رئاسته، مثل AUKUS (شراكة الغواصات والتكنولوجيا الدفاعية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، تتمتع بدعم واسع النطاق في الكونجرس ومن المرجح أن تستمر حتى الإدارات القادمة، و بمجرد وصوله إلى منصبه، لن يفتقر ترامب إلى السبل المحتملة للمشاركة في آسيا.
وكما تعلمت الولايات المتحدة بين عامي 1919 و1941، فإن الاستراتيجيات الناجحة تظل فعالة إلى أن تفشل. و عند النظر إلى السياسات الأمريكية خلال الفترة بين الحربين، نجد أنها كانت مدفوعة بالافتراض القائل بأن الاعتماد الاقتصادي المتبادل والدبلوماسية متعددة الأطراف يمكن أن يحفظا السلام.
وبالرغم من كون هذه السياسات أكثر فاعلية وابتكارًا مما كانت عليه من قبل، إلا أنها لم تكن كافية لمنع اندلاع صراع عالمي، وبعواقب كارثية، أخفق الخبراء في إدراك خطر تفوق البحرية اليابانية على القدرات الأمريكية في المحيط الهادئ، أو تنامي جاذبية الروايات اليابانية المناهضة للغرب، أو ضعف القوة الإمبريالية الأوروبية في المنطقة.
وعلى الإدارة القادمة للرئيس ترامب أن تتذكر هذه الدروس من التاريخ. فالمخاطر التي تواجهها اليوم ليست غريبة، فإذا تحقق للصين ما تسعى إليه، فستُخرج اليابان من بحر الصين الشرقي، وتُخضع الفلبين ودولاً أخرى في بحر الصين الجنوبي، وتُجبر تايوان على قبول سلطة بكين وقطع أي صلاتٍ ذات معنى مع الولايات المتحدة واليابان، وستنشئ بُنية تحتية عسكرية في المنطقة تُحاصر الهند وأستراليا وتسيطر على خطوط الملاحة البحرية التي تُشكّل أكثر من نصف واردات حلفاء الولايات المتحدة.
وتسعى الصين إلى تنفيذ استراتيجية مراجعة للنظام الدولي تعد الأكثر تطرفاً منذ نهاية الحرب الباردة، والأخطر منذ عام 1945، ويظل نظام التحالفات الأمريكي هو الحاجز الوحيد أمام هذه الطموحات. ومع تصاعد القوة العسكرية للصين وتآكل الهيمنة الأمريكية، يتضاءل هامش الخطأ المتاح أمام الولايات المتحدة.
ولا تحتاج إدارة ترامب إلى اختراع استراتيجية جديدة بالكامل تجاه آسيا. لكنها بحاجة إلى تقييم ما ينجح وما لا ينجح، والعمل على تعزيز نقاط الضعف في النهج الأمريكي الحالي. كمايجب على الإدارة إحياء النفوذ الاقتصادي الأمريكي في المنطقة، وتسريع الجهود لتعزيز الدفاع المشترك، وإجراء تواصل منظم ومستمر مع الدول التي قد تنجرف نحو الصين، وتوضيح الأهداف طويلة المدى للمنافسة مع بكين. و الرئيس الجديد لديه قاعدة قوية يمكن البناء عليها، لكن حجم التهديد يتطلب المزيد من الجهد والعمل الجاد.
• الصناديق المشتركة:
على الرغم من أن القوة الاقتصادية الأمريكية في آسيا لا تزال قوية، إلا أن الدبلوماسية الاقتصادية الأمريكية قد ضعفت بشكل ملحوظ. ففي عام 2018، خفض مؤشر القوى الآسيوية السنوي الصادر عن معهد "لوي" تصنيف الولايات المتحدة من حيث النفوذ الاقتصادي في المنطقة، بعد انسحاب إدارة ترامب الأولى من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، وهي اتفاقية تجارية كانت تهدف إلى ربط اقتصادات آسيا الأكثر انفتاحًا، بما في ذلك أستراليا واليابان وماليزيا وسنغافورة، لتعزيز النفوذ ضد الصين.
أما الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل الازدهار، الذي أطلقته إدارة بايدن في عام 2022 ليكون بديلاً فعالاً للشراكة عبر المحيط الهادئ، فقد حقق تقدمًا محدودًا.
نتيجة لذلك، أصبحت الصين في وضع أفضل بكثير لإعادة صياغة قواعد التجارة والبنية التحتية والاستثمار في أجزاء رئيسية من آسيا. و يجب على إدارة ترامب الآن التعامل بجدية مع تشكيل الاتفاقيات الإقليمية والعالمية بشأن التجارة الرقمية، ومكافحة الفساد، وحقوق الملكية الفكرية، بهدف التصدي لجهود بكين في فرض هيمنتها على الدول الأضعف وعرقلة الوصول الاقتصادي الأمريكي.
من جانبه، انتقد ترامب كلًّا من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) والإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، بحجة أن الاتفاقيات التجارية التقليدية تسلب الوظائف من العمال الأمريكيين.
وبدلاً من ذلك، هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية، وضريبة جمركية شاملة بنسبة 10% على الواردات. لكن هذه الإجراءات الحمائية القوية، بالإضافة إلى تفاقم التضخم داخل الولايات المتحدة، ستدفع دولًا أخرى إلى التقرب من الصين وتعرقل التعاون الأمريكي مع الدول ذات التفكير المماثل مثل أستراليا واليابان.
وفي الأسبوع الماضي، خلال قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) في بيرو، عقد الرئيس الصيني (شي جين بينغ) سلسلة من الاجتماعات مع شركاء تجاريين وأدان الجهود المبذولة لـ"عرقلة التعاون الاقتصادي"، واصفًا إياها بأنها "تراجع عن مسار التاريخ". وبهذا الموقف، قدمت بكين نفسها كحامل لواء النظام الاقتصادي الدولي.
وعلى إدارة ترامب أن تدرك أن الولايات المتحدة لا يمكنها التنافس مع الصين بينما تهدد بفرض رسوم جمركية تستهدف الشركاء الذين تحتاج إليهم لمواجهة محاولات بكين لتغيير القواعد الاقتصادية الدولية القائمة.
و ستحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى تحسين جاهزيتها العسكرية في المنطقة. و في هذا السياق، تقدم فترة ما بين الحربين العالميتين درسًا مهمًا. فالتقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي في استراتيجيات الحرب البرمائية، وإعادة تزويد السفن بالوقود في عرض البحر، وعمليات الغواصات وحاملات الطائرات، ساعد الحلفاء لاحقًا في تحقيق النصر في الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يمنع اندلاع الصراع منذ البداية.
اليوم، تعد الابتكارات الأمريكية، مثل برنامج "ريبيليكيتور" التابع للبنتاغون لنشر أسلحة تقنية متطورة بسرعة، مثيرة للإعجاب لكنها تظل غير كافية بالقدر ذاته.
ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها تعزيز إنتاجهم الدفاعي إذا كانوا ينوون ردع الصين، التي يتفوق بناؤها العسكري على وتيرة تطورهم. كما تحتاج الجيوش الأمريكية وحلفاؤها بشدة إلى المزيد من الذخائر والوصول الموثوق إلى المعادن الحيوية مثل الجرمانيوم، الذي يتم تعدين 70% منه في الصين وروسيا، لتطوير أنظمة متقدمة مثل كاشفات الحرارة للصواريخ والطائرات المقاتلة.
و ينبغي على ترامب أن يضغط على الكونغرس للموافقة على عقود دفاعية متعددة السنوات؛ وأن يعمل مع شركاء الولايات المتحدة لتوسيع الوصول إلى المعادن الحيوية؛ وتخفيف بعض قيود التحكم في التصدير لتحسين تكامل الإنتاج الدفاعي الأمريكي مع حلفائه؛ ودفع عجلة الإصلاح في سياسات المشتريات العسكرية، مما ينهي هيمنة الأنظمة القديمة على تمويل البنتاغون ويفتح الباب للاستثمار في معدات أكثر حداثة وابتكارًا.
• التعاون مع الحلفاء الرئيسيين مثل أستراليا واليابان لتعزيز الردع يتطلب جهودًا عاجلة. وعلى شركاء الولايات المتحدة في آسيا أن يبذلوا جهودًا مماثلة. على عكس أوروبا، فإن الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة ينفقون بالفعل ما يزيد عن 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع أو في طريقهم للوصول إلى هذا المستوى قريبًا.
ومع ذلك، لم تبذل إدارة بايدن ما يكفي من الجهد لتشجيعهم على الحفاظ على هذه المستويات من الإنفاق.
وتتجاوز نفقات أستراليا الدفاعية عتبة 2%، ولديها خطط لزيادات كبيرة في المستقبل، لكن خبراء الدفاع في أستراليا حذروا من أن هذه الزيادات مجدولة بعد سنوات، مما قد يكون متأخرًا جدًا لردع التصعيد الصيني في المدى القريب.
أما رئيس الوزراء الياباني الجديد، شيغيرو إيشيبا، فيواجه صعوبة في البقاء في السلطة وسيواجه معارضة سياسية لتحقيق نسبة 2% التي وعد بها سلفه فوميو كيشيدا.
وفي المقابل، لا تزال القوات المسلحة التايوانية تركز على الطائرات المقاتلة والسفن المتقدمة، بينما ينبغي أن تركز على تخزين الصواريخ وتعزيز دفاعاتها لجعل أي غزو صيني فكرة غير قابلة للنجاح.
وينبغي على إدارة ترامب أن تضاعف جهودها في تعزيز الدفاع الجماعي، مستفيدة من اقتراح شيغيرو إيشيبا، رغم أنه يبدو بعيد المنال، لإنشاء نسخة آسيوية من حلف الناتو. و بالفعل، يقوم حلفاء وشركاء الولايات المتحدة بتنفيذ المزيد من التدريبات المشتركة أكثر من أي وقت مضى: فقد أرسلت أستراليا واليابان ونيوزيلندا سفنًا حربية عبر مضيق تايوان، بينما تتدرب القوات اليابانية والكورية الجنوبية بانتظام في شمال أستراليا.
ومع ذلك، فإن التنسيق الأفضل بين هياكل القيادة والسيطرة في كل دولة، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، سيكون ضروريًا لتمكين الحلفاء والشركاء من العمل معًا في ظروف المعارك الفعلية.
كما يتعين على واشنطن قيادة الجهود لتعزيز الروابط بين حلف الناتو وحلفائها في آسيا، وهي مهمة أصبحت أكثر إلحاحًا بسبب وجود قوات كورية شمالية في أوكرانيا ودعم روسيا للحوثيين في استهداف شحنات النفط المتجهة إلى آسيا.
و قد استمرت الصين في مفاجأة الولايات المتحدة وحلفائها بمناوراتٍ عسكرية غير متوقعة وأنظمة أسلحة جديدة. و عند استخدامها بفعالية، يمكن للمفاجآت أن تهز ثقة الخصوم في خططهم العسكرية وتعزز الردع.
ويُعرف ترامب باستخدامه عنصر المفاجأة كسلاح، ولكن في فترته الأولى، كانت خطواته المفاجئة غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية، حيث أربكت ليس فقط خصوم الولايات المتحدة ولكن أيضًا حلفاءها، مما أثار قلق الشركاء الذين تحتاجهم واشنطن لتحمل المزيد من المخاطر إلى جانبها في أوقات الأزمات.
وعلى النقيض، يُعد تشكيل بايدن المفاجئ لتحالف أوكوس (AUKUS)، الذي عزز تفوق حلفاء الولايات المتحدة في الحرب تحت البحر، نموذجًا أفضل للسياسات التي يمكن لإدارة ترامب تبنيها لاستعادة زمام المبادرة من الصين. أبدت بكين انزعاجًا كبيرًا من إنشاء أوكوس، وحاولت عبر الدبلوماسية تقويضه، وهو مؤشر واضح على نجاحه.
• الصبر فضيلة:
التعاون مع الحلفاء الرئيسيين مثل أستراليا واليابان لتعزيز الردع يتطلب جهودًا عاجلة، لكن أجزاء أخرى من الاستراتيجية الأمريكية في آسيا، وخصوصًا انخراطها في جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ، ستحتاج إلى الصبر والانضباط.
وتاريخيًا، لم تولِ الولايات المتحدة اهتمامًا منتظمًا لتلك المناطق، وغالبًا ما كان هذا الاهتمام مرتبطًا بتحديات ذات أولوية أعلى مثل الشيوعية، والتوسع الاقتصادي الياباني بعد الحرب، والإرهاب. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، حيث تدفع المنافسة مع الصين الولايات المتحدة إلى الانخراط مع دول مثل إندونيسيا.
لكن على إدارة ترامب أن تسعى للابتعاد عن تعريف السياسة الأمريكية تجاه هذه الدول من منظور المنافسة فقط. وبالتأكيد، لا ينبغي أن تجعل سحب هذه الدول بعيدًا عن الصين هدفها الوحيد، لأن ذلك سيؤدي فقط إلى جعل حكومات هذه الدول أكثر حذرًا تجاه الانخراط الأمريكي.
وهذه السياسة لها سجل ضعيف. ففي خمسينيات القرن الماضي، خلال إدارة دوايت أيزنهاور، دفع وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس الدول المستقلة حديثًا بعد الاستعمار إلى مقاومة تقارب الاتحاد السوفيتي والانضمام إلى المعسكر الغربي.
لكن معظم هذه الدول رفضت الانحياز إلى أي من القوتين العظيمتين، وشكلت بدلاً من ذلك حركة عدم الانحياز التي تبنت موقفًا صعبًا لكليهما. لاحقًا، أدركت إدارة خليفة أيزنهاور، جون إف كينيدي، أن الأهم هو أن تكون تلك الدول مستقلة وقوية، وليس مجرد حلفاء أيديولوجيين متحمسين للولايات المتحدة. و يعتبر هذا نهجًا ذكيًا، وإن كان قصير الأمد، في إطار الصراع على الهيمنة العالمية.
وينبغي أن تعود فكرة تعزيز الصمود لتكون أساس انخراط الولايات المتحدة. ويتعين على الولايات المتحدة مساعدة دول المنطقة في تعزيز قدراتها الدفاعية، وتقديم الدعم الفني والدبلوماسي للمنظمات الإقليمية مثل منتدى جزر المحيط الهادئ، وتوسيع علاقات التجارة والاستثمار عبر آسيا.
إلى جانب ذلك، يجب على إدارة ترامب مواجهة الدعاية المناهضة للغرب وحملات التضليل، خاصة بعد الحرب في غزة التي ألحقت أضرارًا جسيمة بصورة الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا وعززت السردية التي تروج لها بكين وموسكو، والتي تزعم أن الولايات المتحدة توفر الحماية للأنظمة الاستعمارية القمعية، بينما تقف الصين وروسيا إلى جانب الشعوب المضطهدة في العالم. وعلى الرغم من براعة الحكومة الأمريكية في مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع حلفائها حول حملات بكين وموسكو الإعلامية، إلا أنها تفعل القليل لتنسيق الردود.
و في هذه الحرب على الروايات، يجب على إدارة ترامب بذل المزيد من الجهود لدعم الإعلام الحر، ودحض المعلومات المضللة، وتشجيع الوكلاء الموثوقين في المنطقة للقيام بالدور نفسه.
ولا ينبغي أن تأتي أي من هذه الجهود على حساب التزام الولايات المتحدة بتعزيز القيم الديمقراطية. فالمنافسون السلطويون للولايات المتحدة يزدهرون في البلدان التي تضعف فيها الحوكمة والشفافية والمساءلة، مما يجعل دعم الديمقراطية أكثر أهمية. وفي الواقع، فإن حلفاء رئيسيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية باتوا يركزون الآن على دعم الديمقراطية في استراتيجياتهم الخاصة.
كما تشير استطلاعات أجراها مركز الدراسات الأمريكية في سيدني عام 2024 إلى أن الأستراليين أكثر ميلًا من الأمريكيين إلى رغبة حكوماتهم في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.
وبطبيعة الحال، تصبح جميع سياسات الولايات المتحدة، مثل تعزيز القيم الديمقراطية والتفاوض على صفقات استثمارية، أكثر صعوبة في التنفيذ إذا ظلت المناصب الدبلوماسية الأمريكية شاغرة. لذا، يجب على إدارة ترامب التعاون مع الكونغرس لتسريع تأكيد تعيين السفراء المؤهلين في المناصب الدبلوماسية في منطقة المحيط الهادئ وجنوب آسيا.
• رجل جديد، خطة جديدة؟
لم يتمكن كل من ترامب في فترته الأولى وبايدن اليوم من حل السؤال الأهم بشأن الأهداف طويلة الأمد للولايات المتحدة في آسيا.
حتى مع قيام أستراليا والهند واليابان وكوريا الجنوبية بتعزيز قدراتها الدفاعية ومقاومة الضغط الصيني، فإن جميعها تهدف في النهاية إلى العودة إلى علاقات أكثر إنتاجية مع بكين. و في المقابل، يبدو أن إدارة بايدن تتبنى وجهة نظر أكثر تشاؤمًا، حيث تقتصر على التصريحات الشفهية حول فكرة، وردت في استراتيجية الأمن القومي لعام 2022، التي تقول إنه "من الممكن للولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية أن تتعايشا بسلام."
ومن المرجح أن تتبنى إدارة ترامب موقفًا أكثر صرامة، متبنية هدفًا يذكرنا بتوقع الرئيس رونالد ريغان الشهير حول كيفية انتهاء الحرب الباردة: "نحن ننتصر، وهم يخسرون."
وهذا النهج يُقدّر بشكل صحيح الحاجة الملحة لاستراتيجية آسيوية محدثة. لكنّه مقلق للغاية بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة الذين ما زالوا يعتمدون اقتصاديًا على الصين ويواجهون خطرًا أكبر من الأضرار بسبب قربهم من المخزون الهائل للصواريخ الصينية. و من المحتمل جدًا أن يكون حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون في قلب أي مواجهة مع الصين.
وسيكون التخطيط للصراع المحتمل —ناهيك عن اتخاذ القرارات في خضم الأزمة— أكثر تحديًا إذا شككت أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية في نوايا الولايات المتحدة أو قدرتها على ضبط النفس.
ولن تحتاج إدارة ترامب بالضرورة إلى طريقة ذكية لتهدئة الصين، وهو ما قد يجعل الحلفاء مثل اليابان يقلقون من أن الولايات المتحدة قد أصبحت أكثر ليونة، لكنها يجب أن تتجنب التبني العلني لنظريات الانتصار المتفاخرة.
وفي الوقت الحالي، بدلاً من تبني نهج ريغان، من الأفضل لفريق ترامب اتباع حكمة ثيودور روزفلت: "تحدث بلين و قُم بحمل عصا كبيرة."
أخيرًا، سيتعين على إدارة ترامب أن تعترف بأن تحقيق الردع والاستقرار في آسيا يعتمد جزئيًا على تصرفاتها في أماكن أخرى. فقد جادل بعض الشخصيات البارزة، بما في ذلك نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس، بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى التراجع عن أوروبا للتعامل مع الصين.
وقد عبّر ترامب عن فكرة غير واقعية مفادها أنه إذا تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، فإنها قد تتمكن من تحفيز روسيا ضد الصين.
لكن كلا الفصيلين يقدران بشكل خاطئ تماسك التحالف الصيني-الروسي وأهمية أوروبا. و الحرب في أوكرانيا تؤثر على الأمن في آسيا، حيث أن حلفاء الولايات المتحدة هناك لا يريدون من واشنطن تقديم تنازلات لموسكو خوفًا من أن ذلك قد يشجع الصين على التصرف بشكل أكثر عدوانية في منطقتهم.
وعلى الرغم من أن الناتو قد لا يكون له حضور عسكري كبير في آسيا، فإن أوروبا تشكل قوة اقتصادية ودبلوماسية لا ترغب بكين في عزلها في مواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين. لذلك، بالنسبة للولايات المتحدة، فإن إظهار القوة في أوكرانيا وتعزيز علاقاتها مع شركائها الأوروبيين سيكون أمرًا حاسمًا للحفاظ على الأمن في آسيا. أوروبا اليوم مهمة أكثر، وليس أقل.
وفي عصر يتسم بتعدد الأقطاب، ستعتمد القيادة الأمريكية في آسيا ليس فقط على قدرات الولايات المتحدة الخاصة، بل أيضًا على المزايا التكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية والجغرافية التي يقدمها حلفاؤها. و هذه الدول تدرك أدوارها الخاصة، لكنها تدرك أيضًا الأهمية الحيوية للولايات المتحدة.
والتحالفات الأمريكية تحظى بشعبية كبيرة، حيث أظهرت الاستطلاعات التي أُجريت بين عامي 2019 و2024 أن هذه التحالفات تحظى بموافقة تصل إلى حوالي 90٪ في اليابان وكوريا الجنوبية، وموافقة مشابهة في أستراليا والفلبين.
ويدرك الناس في المنطقة أن ما يحدث في أوكرانيا سيحدث في آسيا دون قيادة الولايات المتحدة. وبالنظر إلى المخاطر التي قد تواجهها المنطقة في السنوات المقبلة، فإن الوقت الحالي ليس مناسبًا لإدارة ترامب للتنصل من هذه المسؤولية.