إيران تعتمد على النفط لتجاوز العقوبات وكمصدر لتمويل أذرعها الإقليمية؛ ففي 2021 وقّعت طهران وبكين اتفاق شراكة استراتيجية لمدة 25 عامًا، يتضمن استثمارات صينية ضخمة مقابل إمدادات نفطية مستقرة ومخفضة السعر، رغم إنكار بعض التفاصيل من السلطات الإيرانية (Reuters، Brandeis).
ترامب رد بالتصعيد في 6 أغسطس 2025، بفرض تعرفة إضافية بنسبة 25% على واردات الهند، لتصبح الإجمالية 50%، بسبب استمرارها في استيراد النفط الروسي، حيث تسري التعرفة بعد 21 يومًا، مع إعفاءات مؤقتة حتى 17 سبتمبر (AP News، India Times).
ورغم الضغوط الأمريكية المتتالية، لم تتراجع نيودلهي؛ فقد وصفت القرار بأنه غير عادل، وأن وقف استيراد النفط الروسي قد يرفع فاتورة الوقود لديها من 9 إلى 12 مليار دولار سنويًا (India Times، Financial Times).
الصين بدورها رفضت قطع وارداتها من روسيا أو إيران، مؤكدة أن الطاقة شأن سيادي، وتستورد 80–90% من النفط الإيراني عبر ما يُعرف بـ"مصافي الشاي" (مصافي نفط غير رسمية) والأساطيل المظلمة للتهريب (CBS، Radio Free Europe).
المحللون يشيرون إلى أن قطع الواردات النفطية الهندية والصينية بالكامل سيكون ضربة قوية للاقتصاد الروسي، لكن من غير المرجح عمليًا، لأن الصين والهند تعتمد اعتمادًا كليًا على النفط الرخيص من موسكو وطهران، والبدائل غير متوفرة بسهولة (Reuters، Energy Intelligence).
الاتفاق الإيراني–الصيني للنفط ينص على استثمارات قيمتها 300–400 مليار دولار من الصين في الاقتصاد الإيراني على مدى 25 سنة، مقابل شراء النفط الإيراني بأسعار مخفضة، مما يضمن سوقًا ثابتة لإيران ويعزز قدرتها الاقتصادية رغم العقوبات الأوروبية والأمريكية (IRAM Center، Brandeis).
الهند تعتمد على النفط الروسي لتأمين نحو 40% من احتياجاتها النفطية، وتستفيد من فارق السعر الذي يقل أحيانًا بـ15–20 دولارًا للبرميل عن السوق العالمية، أما الصين، فتستورد نحو 30% من إجمالي وارداتها النفطية من روسيا (India Times، Energy Intelligence).
التجارب السابقة تشير إلى أن العقوبات وحدها لا توقف تجارة الطاقة، إذ تلجأ الدول الخاضعة للعقوبات إلى أساليب ملتوية والتفاف على تلك العقوبات مثل البيع عبر طرف ثالث، تغيير أعلام السفن، أو المزج مع نفط من دول أخرى، كما وثقتها تقارير TankerTrackers وBBC، وحتى مع رفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية والهندية، يبقى تأثير ذلك محدودًا لأن الفارق السعري يغطي جزءًا كبيرًا من الخسائر الجمركية (WSJ، Financial Times).
إحدى الجبهات الخفية المهمة تكمن في تهريب النفط الإيراني ومشتقاته إلى ميليشيات الحوثي في اليمن، التي تعتمد على هذه الشحنات المهربة كمصدر رئيسي لتمويل عملياتها العسكرية وتوسيع نفوذها في المنطقة، بحسب تقارير متعددة (WSJ، Reuters).
رغم العقوبات الدولية، تنجح إيران عبر شبكات معقدة من التهريب والوسطاء في إيصال كميات كبيرة من الوقود والديزل والغاز المنزلي إلى الحوثيين، مما يعزز استمرار الصراع في اليمن ويشكل تحديًا مباشرًا للجهود الأمريكية والدولية لوقف التمويل العسكري لهذه الميليشيات (Reuters).
ردًا على ذلك، اتخذت الإدارة الأمريكية قرارات صارمة وصنفت الحوثيين كجماعة إرهابية أجنبية من الدرجة الأولى، مما عزز الضغط القانوني والسياسي على الشبكات الداعمة لهم (Politico).
على صعيد مكافحة تهريب النفط ومشتقاته عبر موانئ البحر الأحمر، جاءت الخطوات الأمريكية والإسرائيلية كاستجابة ضرورية للحفاظ على توازن القوى الإقليمي وتقويض مصادر تمويل الحوثيين، برغم القرار الأمريكي بمنع دخول النفط ومشتقاته عبر هذه الموانئ يعكس إدراكًا لدور الوقود المهرب في استمرار الصراع وتغذية آليات الحرب.
ومع ذلك، رغم الضربات الجوية المتكررة على موانئ مثل رأس عيسى والحديدة، لم يتوقف التهريب بل استمر ، إذ تستغل إيران وشبكاتها المحلية وسائل بحرية وبرية ملتوية لتجاوز الحصار، ما يعكس تعقيدًا لوجستيًا كبيرًا وحربًا استنزافية مستمرة على هذه الجبهة (WSJ، Reuters).
لذلك، يظل نجاح هذه الإجراءات جزئيًا ومحدودًا دون تعزيز الرقابة البحرية وتعاون إقليمي أوسع، إضافة إلى بدائل اقتصادية تضعف قدرة الحوثيين على الاعتماد على هذه المصادر المهربة.
في هذا الإطار، أثبت القصف الأمريكي والإسرائيلي أنهما أدوات يمكن ان تكون فعالة في الحد من تدفق الوقود اذا استمرت، لكنهما جزء من معركة أكبر تتطلب صبرًا وتنسيقًا دوليًا مستمرًا (Reuters، Financial Times).
السيناريوهات المحتملة:
1. نجاح جزئي: إذا نسقت واشنطن مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول الخليج لزيادة الإمدادات بأسعار منافسة، قد ينخفض اعتماد الهند والصين على النفط الروسي والإيراني بنسبة 15–25% خلال العامين القادمين، مما يقلص عوائد موسكو وطهران بمليارات الدولارات (Energy Intelligence، Reuters).
2. فشل محتمل: استمرار الصين والهند في الرفض، مع وجود الاتفاق الإيراني الصيني طويل الأمد والخصومات الكبيرة الممنوحة للصين، سيجعل الرسوم الجمركية الأمريكية عاجزة عن وقف التدفق (Politico، WSJ).
3. تصعيد غير مباشر: فرض عقوبات ثانوية على الشركات والبنوك الممولة للشحنات قد يرفع تكلفة النقل والتأمين ويقلل الكميات، لكنه يهدد بتوتر تجاري أوسع مع بكين ونيودلهي (Reuters، Financial Times).
في المحصلة، النجاح الكامل في وقف تدفق النفط الروسي والإيراني إلى الصين والهند غير مرجح على المدى القصير، لكن يمكن تحقيق مكاسب نسبية إذا مزجت واشنطن بين الضغوط الاقتصادية والتحالفات الدولية وتقديم بدائل طاقة بأسعار مغرية، وهو ما يتطلب استراتيجية طويلة الأمد وليس قرارات جمركية منفردة والتنسيق الكامل مع الدول الخليجية المصدرة للنفط والغاز.
وبالنسبة لتهريب النفط الإيراني ومشتقاته إلى مليشيات الحوثي عبر موانئ البحر الأحمر، فهو مستمر رغم القرارات الأمريكية وقصف موانئ رأس عيسى والحديدة من قبل أمريكا وإسرائيل (Reuters، WSJ).