وبين الحين والآخر، توجه الأمم المتحدة والتحالف العربي والحكومة اليمنية، الاتهامات لإيران بتزويدها المستمر للحوثيين بالأسلحة، واستخدام مختلف الطرق البحرية لإرسال السفن إلى المليشيا التي تتحكم بمناطق شمال اليمن.
وترى الحكومة اليمنية أن الحوثيين لم يكن أن يفعلوا شيئاً في اليمن، ويصلوا به إلى هذه الحال من الاقتتال المستمر، من دون الدعم الإيراني؛ ما يطرح تساؤلات حول كيف أصبح تهريب الأسلحة مساراً لتغذية الصراع في اليمن.
سفينة جديدة
مؤخراً وتحديداً مطلع مايو 2021، كانت المياه الدولية القريبة من اليمن على موعدٍ مع ضبط البحرية الأمريكية سفينة تحمل أسلحة ضخمة، في وقتٍ تقول وسائل إعلام يمنية ومسؤولين حكوميين إنها كانت في طريقها إلى مليشيا الحوثي.
وأعلن الجيش الأمريكي في 8 مايو، مصادرته لشحنة من "الأسلحة المحظورة" من مركب شراعي، خلال إبحاره في المياه الدولية شمالي بحر العرب، بين يومي 6 و7 مايو، دون تحديد جنسيته.
وقال الأسطول الأمريكي الخامس في بيان له: إن "سفينة البحرية الأمريكية يو إس إس مونتيري (سي جي 61) صادرت السفينة التي تم كشفها، وصادرتها بما يتوافق مع الأعراف الدولية".
وأوضح البيان أن الأسلحة اشتملت على عشرات الصواريخ الروسية المضادة للدبابات الموجهة، والآلاف من بنادق "56" الصينية الهجومية، بالإضافة إلى المئات من بنادق "بي كي إم" الرشاشة، وقناصات وقاذفات صواريخ.
ضبط سفن متعددة
تشير تقارير عسكرية إلى أن الفترة ما بين سبتمبر 2015 ومارس 2016، شهدت أربع عمليات اعتراض، قام بها الأسطول الأمريكي الخامس لسفن إيرانية، كانت محملة بشحنات أسلحة لحساب الحوثيين في اليمن.
ومؤخراً وخلال العام الماضي 2020، اتهمت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء تهريب أسلحة إلى الحوثيين في اليمن.
وقالت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) إن السفينة التي تم ضبطتها وتحمل أسلحة في بحر العرب، هي "أسلحة إيرانية" وتضم 150 صاروخاً مضاداً للدبابات (دهلاوية) وثلاثة صواريخ أرض جو.
وقبلها بثلاثة أشهر وتحديداً في ديسمبر 2019، قال مسؤولون أمريكيون، إن البحرية الأمريكية، ضبطت "شحنة كبيرة" من أجزاء صواريخ يعتقد أنها إيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن.
مستمرة مع استمرار الحرب
يقول الخبير الاستراتيجي والعسكري الدكتور علي الذهب، إن عملية تهريب الأسلحة إلى اليمن "لا تزال قائمة ما دامت الحرب مشتعلة في البلاد، خصوصاً مع تطور الحرب وتعدد أطرافها الإقليمية وبروزهم ووضوحهم لا سيما السعودية وإيران".
الذهب في حديثه يرى أنه من "الطبيعي أن تتدفق مثل هذه الشحنات إلى الحوثيين، أو إلى حلفاء أو أطراف أخرى مناوئة للحكومة في المناطق الملتهبة".
وعن إعلان واشنطن ضبط هذه السفن، يقول: "ظهور أو إظهار والكشف عن مثل هذه الشحنات، يدل على استخدام الحرب اليمنية في إطار الضغط والضغط المبادل بين الولايات المتحدة وإيران، حول القضايا المختلفة بما فيها مسألة الاتفاق النووي".
ويرى أن منطقة غرب المحيط الهندي وبحر العرب أو المنطقة البحرية الواقعة بين مضيق باب المندب ومنطق هرمز، "أصبحت مستودع أسلحة عائمة تنقل فيه مختلف أشكال الأسلحة. بين حلفاء ايران وغير حلفائها من الفواعل غير الدولية العنيفة".
وتابع: "هذه المناطق ليست حكراً على تهريب الأسلحة فقط ولكن أيضاً تهريب المخدرات والمهاجرين. والسلع المسروقة وكافة أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود البحرية، والقرصنة والصيد غير المنظم وغير المشروع".
ويشير إلى الجهود المبذولة من قبل الدول المطلة على هذه المناطق في محاربة تهريب الأسلحة إلا أنه يرى أن "قوات الواجب الدولي العاملة في إطار مكافحة الجريمة في هذه المناطق ومكافحة الإرهاب هي الأكثر نشاطاً وعلى رأسها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأيضاً الدول الاقليمية".
وحول تهريب الأسلحة إلى اليمن واستمراره يقول الذهب: "ما دامت الحرب مشتعلة، فإن تدفق الاسلحة سيستمر، عبر طرق التهريب في هذه المناطق والذي يتم عبر سفن شراعية تقليدية غير مسجلة لدى الموانئ وغير مسجلة أيضاً لدى المنظمة البحرية الدولية، ما يسهل لها عمليات تهريب، لأنها عبارة عن وسيط مع السفن الكبيرة في عرض البحر".
ويوضح: "يتم تفريغ السفن الكبرى عبر القرن الافريقي وهناك تقوم جماعة العصابات في الصومال والمناطق المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن تقوم بنقلها عبر القوارب إلى السواحل اليمنية الجنوبية".
اتهامات لإيران
ودائماً ما توجه الاتهامات لإيران بالوقوف وراء دعم مليشيا الحوثي، لقتال الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي بقيادة السعودية، وفي مقدمتها الصواريخ المختلفة والطائرات المسّيرة.
في أبريل 2021، اتهم تيم ليندركينغ المبعوث الأمريكي الخاص باليمن خلال حديثه مع أعضاء الكونغرس، أن دعم إيران لحركة الحوثي اليمنية "كبير جداُ وفتاك"، مؤكداً أنه "من الصعب منع السفن التي تحمل أسلحة من إيران للحوثيين في اليمن"، مضيفاً في الوقت ذاته أن بلاده تريد المزيد من المساعدة الدولية في وقف شحنات الأسلحة الإيرانية إلى المتمردين.
أما الحكومة اليمنية، إلى جانب السعودية، فهي تتهم إيران بدعم الحوثيين بالأسلحة، وقالت في يوليو 2020، إن إيران تستخدم سفن الصيد في مياهها الإقليمية بتهريب الأسلحة والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة للمليشيا الحوثية.
وأكد محققون دوليون في تقرير نشر منتصف 2016، وجود خط بحري لتهريب الاسلحة من إيران إلى المتمردين الحوثيين في اليمن عبر إرسالها أولا إلى الصومال، مستنداً إلى تقرير لمنظمة "ابحاث تسلح النزاعات" الى عمليات تفتيش بحرية تمت بين فبراير ومارس 2016 وضبطت خلالها اسلحة مهربة على متن سفن الداو الشراعية التقليدية.
موجود قبل الحرب
ويتحدث الباحث بالشأن الإيراني ورئيس مركز "ساس" للأبحاث ودراسة السياسات، عدنان هاشم، أن "التهريب إلى اليمن موجود حتى من قَبل الصراع الحالي".
ويقول إن "الحكومة اليمنية لا تستطيع ضبط حدودها البحرية الطويلة، لذلك فإن تهريب الأسلحة يستمر رغم الرقابة الدولية والبحرية التابعة للتحالف المنتشرة في المياه الإقليمية اليمنية".
وأوضح في تعليقه ، أن التهريب "هو أبرز مصدر للحوثيين للحصول على الأسلحة واستمرار الحرب، فقد كان مصدر تلك الأسلحة إيران أو تُجار الأسلحة".
ويكشف عن تاجر أسلحة يمني كبير موالي للحوثيين يدعى فارس مناع، قال إن يعمل في حكومة الحوثيين "ومفروض عليه عقوبات مجلس الأمن الدولي ويقوم بتهريب الأسلحة لليمن"، مضيفاً: "لذلك فإن التهريب سيستمر طويلاً حتى بعد الحرب، وهذا مثير للقلق ليس فقط على اليمن بل حتى على دول الخليج ودول القرن الأفريقي".