وتعمل مسقط بصمت من أجل السلام في المنطقة، وأسهمت في وقتٍ سابق في تهدئة الأوضاع الإقليمية والعالمية، من خلال احتضان الحوار والمفاوضات السياسية، كان آخرها الحراك الدبلوماسي المكثف في سبيل وقف حرب اليمن.
وبدا واضحاً التحرك العُماني مع وصول وفدٍ من مسقط إلى العاصمة اليمنية صنعاء التي تقع تحت سيطرة المتمردين الحوثيين، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية اليمنية إلى عُمان، ما يوحي بتطور جديد في طريق وضع حلول قد ترعاها لوقف الاقتتال في اليمن.
وفد عُماني بصنعاء
مع استمرار الحراك الدولي لحل الأزمة اليمنية، وصل وفد من المكتب السلطاني العُماني إلى العاصمة اليمنية صنعاء، 5 يونيو 2021؛ لإجراء مباحثات مع مليشيا الحوثي.
وقال ناطق الحوثيين محمد عبد السلام إن "وفد المكتب السلطاني وصل للتباحث حول الوضع في اليمن على أساس مبدأ حسن الجوار والمصالح المشتركة".
وأضاف عبد السلام، الذي يرأس فريق المفاوضات للحوثيين: "نعمل على الدفع بعملية ترتيبات الوضع الإنساني وكذلك عملية السلام".
وتابع موضحاً: "استكمالاً للجهود التي بذلناها في سلطنة عُمان، نحن اليوم في صنعاء؛ لمناقشة كل ما له مصلحة على المستوى الوطني والمنطقة عموماً".
ووفد يمني بمسقط
وبالتزامن مع زيارة الوفد العُماني إلى صنعاء، فقد بدأ وزير الخارجية وشؤون المغتربين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أحمد عوض بن مبارك، زيارة إلى سلطنة عُمان لبحث جهود إنهاء الحرب.
وأفادت وزارة الخارجية اليمنية في بيان، أن "بن مبارك" وصل فجراً إلى مسقط في زيارة تستغرق ثلاثة أيام يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين العُمانيين بينهم وزير الخارجية بدر البوسعيدي.
وذكرت أن الزيارة "تهدف إلى تنسيق الجهود المشتركة إزاء قضايا المنطقة، والدفع بالعملية السياسية، وخاصة بعد رفض الحوثيين لكافة مبادرات السلام الإقليمية والأممية".
وفي تصريح صحفي قال وزير الخارجية اليمني إن سلطنة عمان تؤدي دوراً حيوياً في تقريب وجهات النظر بين الأطراف، وتتم زيارتها من الكثير من الفاعلين الإقليميين والدوليين.
عُمان.. الحل الوحيد
يقول رئيس مركز يمنيون للدراسات د. فيصل علي، إن هذه الزيارة إلى صنعاء، "تأتي في ظل تداعيات الحرب التي ترفضها جماعة الحوثي المدعومة من إيران"، مشيراً إلى سماح مسقط بوجود وفود الحوثي على أراضيها.
ويعتقد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ومبعوثه لليمن تيم ليندركينغ "اكتشفا عقم محاولة فصل الحوثي عن إيران، والتي كانت موجودة كمفهوم لدى الإداره الأمريكية السابقة في عهد الرئيس ترامب.
واستدرك قائلاً: "لكن الواقع أثبت عكس توقعات أمريكا والسعودية بقدرتهما على الفصل بين الحوثي وإيران عبر فصيلها في الحركة الحوثية".
وأضاف: "هذا الفصل غير ممكن في الواقع؛ فإيران هي من تدير الحرب في اليمن والقرار إيراني، ووجود السفير الإيراني في صنعاء حسن إيرلو، وظهوره على مسرح الأحداث وعقده للقاءات مع الشخصيات المحلية والدولية في صنعاء، مؤشر على أن إيران هي التي تدير دفة الحوثيين".
ويلفت إلى أنه "ليس في المنطقة سوى عُمان لها يد عند الحوثيين، وعبرها يمكن التفاوض بين أمريكا والحوثيين، وهذا هو سر وجود الوفد العماني في صنعاء".
ويرى أيضاً أن "عُمان موجودة في المشهد من بداية الحرب كطرف محايد، وهذا ما أعطاها الدور الأبرز اليوم، ولا يوجد من ينافسها في هذا الأمر"، إضافة إلى أنها "تصدرت للمشهد للتقريب بين الأمريكان والحوثيين".
زيارة ثنائية
الصحفي اليمني خليل مثنى العُمري، فيقول إن زيارة وفد عمان إلى صنعاء هدفه لقاء زعيم المليشيا والسفير الإيراني بشكل مباشر بعد مرحلة سابقة لم يحدث فيها أي اختراق دبلوماسي.
ويرى في حديثه أن عُمان التي تحتضن وفد الحوثيين المفاوض "تدفع بكل أدواتها في سبيل الضغط على قيادة جماعة الحوثيين للقبول بالمبادرة السعودية لحل الأزمة باليمن، والمتضمنة إجراءات إنسانية قبيل البدء بوقف إطلاق النار وتدشين مرحلة سياسية".
وأضاف: "نقل العُمانيون رسالة السلطان إلى زعيم الحوثيين، ونقل وزير خارجية الكويت رسالة أمير البلاد إلى الرئيس هادي بالرياض، ما يعني أننا أمام محاولات إقليمية ودولية غير مسبوقة لإنهاء واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية بالعالم".
وتابع: "أعتقد أن الحوثيين في النهاية سوف يخضعون للضغط للدولي بالموافقة على بنود المبادرة، خاصة ما يتعلق بالشق الإنساني، ربما نسمع عن اختراق سياسي دبلوماسي في الأزمة لليمنية خلال الأيام القليلة".
تكثيف التحركات
الحراك الأخير جاء بعد زيارة أخيرة قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث إلى صنعاء، أواخر مايو 2021، في زيارة هي الأولى له منذ رفض الحوثيين استقباله منذ نحو عام، التقى خلالها بزعيم المليشيا عبد الملك الحوثي.
وفي 4 يونيو 2021، قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن جماعة الحوثي في اليمن والمتحالفة مع إيران "تتحمل مسؤولية الإخفاق في التوصل لوقف لإطلاق النار"، متهمة إياها "بعدم اتخاذ خطوات نحو تسوية الصراع".
وفي 5 مايو، استقبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في مقر إقامته الدائم بالعاصمة السعودية الرياض، وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر الصباح، حيث تسلم منه رسالة من أمير دولة الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، في إطار محاولات لحل الأزمة اليمنية.
وأواخر أبريل ومطلع مايو الماضيين، انتهت مفاوضات عُمان بين المبعوثَين الأمريكي والأممي إلى اليمن، ومليشيا الحوثي، دون التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب اليمنية.
وأواخر مايو، واصل المبعوثان زيارتهما إلى مسقط والرياض، حيث أعرب الطرفان عن التزامهما الثابت بضرورة الوقف الفوري الشامل لإطلاق النار على مستوى اليمن، لتقديم الإغاثة الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب اليمني كثيراً.
وترفض جماعة الحوثي الموافقة على أي اتفاق قبل وقف دعم الطيران للقوات الحكومية في مأرب، حيث تحاول المليشيا السيطرة عليها، إضافة إلى ما تسميه "رفع الحصار" وفتح المطارات، "ورفع الوصاية الخارجية، واحترام حسن الجوار"، في وقتٍ تكثف فيه من هجماتها نحو مدينة مأرب آخر معاقل الحكومة شمال البلاد للسيطرة عليها.
وإلى جانب ذلك، ومنذ مطلع العام الجاري، كثف الحوثيون هجماتهم شبه اليومية بالمسيّرات والصواريخ الباليستية على مناطق سعودية متفرقة، يعلن التحالف اعتراضها وتدميرها باستمرار.