جاء إعلان هذه العملية العسكرية بطريقة مفاجئة أفضت إلى نوع من الإرباك لدى الحوثيين المدعومين من إيران، الذين تراجعوا ميدانيا في عدد من المناطق خلال الأيام الماضية بفعل هجمات القوات الحكومية.
وأعلنت القوات الحكومية في 5 يوليو/ تموز السيطرة على كامل مديرية الزاهر والتقدم باتجاه مدينة البيضاء، مركز المحافظة الذي يحمل الاسم ذاته، إضافة إلى سيطرتها على أغلبية مديرية الصومعة القريبة من الزاهر.
وبعد ثلاثة أيام، شنت جماعة الحوثي هجوما عنيفا من عدة محاور على مركز مديرية الزاهر، واستطاعت التقدم إلى وسط المدينة، معلنة في بيان رسمي السيطرة عليها.
وتعد المعارك الدائرة حاليا هي الأعنف في المحافظة منذ سنوات، إذ شهدت البيضاء مواجهات متقطعة بين الطرفين خلال الفترة الماضية.
صراع على" قلب اليمن "
تعد محافظة البيضاء واحدة من المحافظات الاستراتيجية، التي يحرص على كسبها طرفا الصراع، بفعل المميزات الكثيرة التي تتمتع بها.
فالمحافظة، التي تتكون من 20 مديرية، توصف بأنها قلب اليمن كونها تتوسط بين شمالي البلاد وجنوبها.
وتحاذي المحافظة أربع محافظات جنوبية، هي: أبين ولحج والضالع وشبوة، إضافة إلى محاذاتها لأربع محافظات شمالية، هي: مأرب وإب وذمار وصنعاء.
وبسبب موقعها الاستراتيجي، حرص الحوثيون على بسط نفوذهم في البيضاء، التي اتخذت منطلقا لعملياتهم العسكرية، سواء في شمالي البلاد أو جنوبه.
وحتى اليوم، لا تزال جماعة الحوثي مسيطرة على معظم المديريات في البيضاء، فيما تسيطر القوات الحكومية على مديريات نعمان وناطع ومسورة وأجزاء واسعة من مديريتي الزاهر والصومعة، إضافة إلى مناطق في مديرية ذي ناعم.
نقطة عبور إلى صنعاء
تعد محافظة البيضاء بالغة الأهمية كونها أيضا تعد بمثابة نقطة عبور إلى العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، على الرغم من بعد المسافة، فالمحافظة مرتبطة بحدود مع ريف صنعاء.
وفي حال سيطرة القوات الحكومية على البيضاء، فإنها تكون بذلك قد قامت بتأمين أربع محافظات محررة من الحوثيين جنوبي البلاد، في حين ستكون أربع محافظات أخرى خاضعة لسلطة الجماعة، في مرمى الجيش اليمني.
وتتسم المحافظة بأنها لا تحوي حاضنة شعبية للحوثيين المنتمين للمذهب الشيعي، إذ تنتمي الغالبية العظمى من سكان البيضاء إلى المذهب السني، فيما يبرز في المحافظة تيار السلفيين، إضافة إلى وجود فعال لحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي.
مخاوف تواجد تنظيم القاعدة
في هذه المحافظة لا يزال هناك وجود محدود لعناصر من تنظيم "القاعدة" الإرهابي، ويشنون بين فترة وأخرى هجمات ضد الحوثيين.
وسبق للطيران الأمريكي المسيّر أن شن غارات جوية على مواقع مفترضة لـ "القاعدة" في محافظة البيضاء.
ولعل أبرز عملية للقوات الأمريكية خلال السنوات الماضية في البيضاء، كانت مطلع العام 2017، وهي إنزال جوي لقوة من "المارينز" خاضت قتالا في بلدة قيفة بالمحافظة.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حينها مقتل جندي واحد، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح في تلك المواجهات، مقابل مقتل 14 مسلحا من "القاعدة".
ووفق رواية تنظيم "القاعدة"، فإن أربع طائرات "أباتشي" أمريكية قصفت ثلاثة منازل في بلدة قيفة بـ 16 صاروخا، ما أسفر عن مقتل 30 شخصا، بينهم نساء وأطفال، وفق بيان للتنظيم الإرهابي نشر آنذاك.
واستمرت حتى اليوم المخاوف من توسع نشاط تنظيم "القاعدة" في البيضاء، حيث تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بالتعاون مع التنظيم عسكريا، فيما يوجه الحوثيون للحكومة الاتهام ذاته، ويقولون إن عناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي أيضا موجودون هناك في صف الطرف الآخر الذي ينفي الأمر.
مستقبل معركة البيضاء
على الرغم من أن القوات الحكومية تشدد على أنها ماضية في معركة استعادة البيضاء بشكل كامل، فإن ثمة عوائق تقف أمام تحقيق ذلك، أبرزها ضعف التسليح الحربي في مواجهة الحوثيين الذين يملكون ترسانة عسكرية كبيرة، وفق مراقبين.
وكذلك هناك من يرى، وفق متابعين للشأن اليمني، أن التحالف العربي لم يعلن واقعيا دعم معركة تحرير البيضاء. ولذلك لم يساند القوات الحكومية بأسلحة نوعية، إضافة إلى عدم تكثيف الغارات الجوية على مواقع الحوثيين خلال المواجهات، ما قد يعيق مسألة التقدم السريع والتحرير للمحافظة.
وتشكو القوات الحكومية في البيضاء من ضعف التسليح وغياب الأسلحة النوعية التي عن طريقها يتم الحسم العسكري.
وفي 9 يوليو/ تموز الجاري، قال الأمين العام لحزب الرشاد السلفي عبد الوهاب الحميقاني، في تسجيل صوتي، إن "القوات الحكومية في جبهة الزاهر اضطرت إلى الانسحاب إلى مواقعها السابقة، بعد تعرضها لهجوم حوثي بمختلف الأسلحة من أربعة اتجاهات وكثافة نارية وبشرية حتى نفاد كامل مخزونها من ذخائر وقذائف".
والحميقاني ينتمي إلى مديرية الزاهر، ويعد من أبرز القيادات القبلية المناهضة للحوثيين في البيضاء، ويشارك مقربون له في قتال الجماعة بالمحافظة.