فخلال الأسبوع الماضي فقط زار العاصمة عدن تسعة سفراء على الأقل لمختلف الدول الأوروبية، بالإضافة إلى المبعوثين الخواص لكل من الأمم المتحدة وأمريكا والسويد، وأجرى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش اتصالا مطولا مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي لليمن د. رشاد العليمي وألقت هذه القوى بكل ثقلها تجاه الحكومة الشرعية، وحثها على المزيد من الصبر تجاه رفض ميليشيات الحوثي كل خطوة صادقة نحو السلام، وتفويت الفرصة على الميليشيات التي تريد إعادة إشعال حرب لم تتوقف.
وتمثل رفض الحوثي الواضح بفك الحصار عن تعز، بعودة وضوح الصورة لهذا الموقف وأهمية قضية تعز في حل كل القضية اليمنية برمتها ،حيث تتأكد لكل متابع حقيقة أن حل قضية تعز يعني بدء عودة مشروع السلام الشامل لليمن . فهي القضية التي تكشف حقيقة مشروع ميليشيات الحوثي وتنتهي عندها كل طرق المراوغة لمشروع الانقلاب ورؤيته المذهبية الضيقة، واتوقف هنا للتذكير بنقطتين اساسيتين. عرفتهما عن قرب في أثناء مشاورات الكويت اليمنية والتي امتدت لأكثر من مائة يوم من 21 أبريل وحتى 6 أغسطس 2016 ، وكنت ضمن الوفد الحكومي كوزير لحقوق الإنسان آنذاك وبمواجهة ممثلي الانقلاب، وما كان يسد الطريق أمام أي نقاش، ولا يقبل فيه وفد الحوثي أي حوار إنساني أو قانوني! نقطتان هما قضية تعز وملف الاختطافات والمعتقلين.
وبما يخص النقطة الثانية الخاصة بالمعتقلين كان يفترض بها نقطة واضحة ومحددة ، وان هناك مختطفين سياسيين وكتابا ونشطاء ورجال اقتصاد ومواطنين عاديين وكل هؤلاء بقاؤهم في أقبية التعذيب جريمة لا يمكن القبول بها وعلى رأس الأسماء وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي ورفاقه المذكورون بقرار الأمم المتحدة رقم 2216 لعام 2015 وضرورة الإفراج عنهم وجميع الموقوفين تعسفيا ومعهم السياسي المعروف محمد قحطان. والقائمة طويلة.
ووضعنا كما أتذكر ملفا بمئات الأوراق تضم كشوفات لمختطفين ومغيبين، وفي لحظة ضغط للمطالبة بسرعة الإفراج عن المعتقلين نظر أحد قادة الميليشيات لكل الكشوفات وبكل بساطة قال :(الأمور سهلة حتى إذا خرج هؤلاء، فكم يوم و( نعبي) لكم باصات محابيس من الشوارع والنقاط! ).
ويقصد ببساطة أن الميليشيات ستعتقل المئات من المواطنين من نقاط التفتيش التي تقيمها بين المدن ومن شوارع صنعاء وتملأ بها الحافلات إلى سجونها. لذا تبقى قائمة المعتقلين في أقبية الموت الحوثية، من أسوأ الملفات وأكثرها غموضا وألما.
وعلى رأي خبير دولي أن هناك آلافا في السجون المعلنة وهناك مليون في صنعاء بسجن مفتوح كأنهم في (ممر انتظار لا بمدينة مكتظة!) . واندهش إلى حد الألم من تجاهل المبعوثين والوسطاء الدوليين لهذا الملف الذي لو تم حله لكان مفتاحا لبناء روح السلام باليمن.
أما النقطة الأساسية التي توقف كل حديث للميليشيات الحوثية عندها فكانت قضية تعز وحصارها الدامي، فقد كان رد ممثليها عند ذكر قضية تعز دوما الرفض والغضب، وأنه لا يمكن القبول بفك الحصار. ولم يخف مستشار الحوثي الذي شارك معنا في المباحثات وهو سفير سابق مشاعره الواضحة تجاه هذه القضية، وكنا نطرح ضرورة فتح الطرق وإنهاء الحصار عن تعز ، فرد منفعلا بكل قوة (إلا تعز!)
وقبل أن تكتمل علامات الدهشة، لدى المستمعين، كانت نغمة الحوثي الموحدة هي: (كل شيء إلا تعز ،حتى لو تحرق الدنيا، إلا فك الحصار عن تعز!).
وخلال أيام طويلة من المناقشات، كان هذا الأمر ينتهي بطريق مسدود وحيرة دائمة لكل مستمع . تذكرت ذلك وأنا أتابع رفض الحوثي لفك الحصار عن تعز خلال مناقشات الأسابيع الماضية، بل وزيادته في وضع العراقيل عبر زيادة حقول الألغام حول المدينة وبناء الحواجز عندما وُضِع نقاش فك الحصار عن المدينة على المحك في هذه الهدنة.
ومرد هذا الموقف ليس فقط إلى صراع مذهبي تاريخي تريد ميليشيات الحوثي خلقه بطريقة عجيبة حتى يؤكد تشظي اليمن وتقسيمه جغرافيا ومذهبيا، ليس ذلك حتما.
بل لكون إنهاء حصار تعز يمهد لعودة التطبيع لسلام شامل لكل اليمن والبدء باستعادة مؤسسات الدولة، فالموقع الجغرافي والثقل السكاني للمحافظة الرابط بين الشمال والجنوب وإقليم تهامة في الغرب وبقية اليمن، سيعني أيضا عودة زخم حركة سياسية واقتصادية نشطة، وهذا يعني إنهاء حجة الحرب. كما أن ذلك يعني انتهاء مصالح ضخمة لتجار الحرب وصانعي الفوضى على المستوى الإقليمي.
لهذا تستميت كل تلك الشبكات ببقاء الحصار، وعدم الذهاب إلى أي سلام حقيقي وشامل وتلك هي معركة اليمن الحقيقية.
وببساطة يدركها كل متابع لملف اليمن ويتجاهلها الكثير من منظري الجهات الدولية، يمكن القول إن حل قضية تعز وفك الحصار هو مفتاح الحل، وإذا أرادت الأمم المتحدة أن تضغط باتجاه السلام فالبوصلة واضحة، وما عدا ذلك نعيد القول نفسه عن الهدنات أنها ستبقى هدنات استراحة لحرب تتجدد .
المقال - نقلا عن الأهرام المصرية